مخلفات سنوات الحصار على العراق بين النظرية والتطبيق
منذ انهيار النظام العراقي السابق في التاسع من أبريل/نيسان 2002 غابت الكثير من الكلمات المتداولة في فترة الرئيس السابق صدام حسين عن الذاكرة، واعتقد البعض انها دفنت مع زوال النظام. فكلمات مثل "الحصارالاقتصادي"، "الحظر على استيراد الاسلحة"، "التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل"، "النفط مقابل الغذاء" وغيرها اصبحت من مخلفات الماضي. هذا ما تعتقده غالبية الشعب العراقي والعربي. الا أن الحقيقة خلاف ذلك تماما. فقبل أيام أطل علينا سفير العراق لدى الامم المتحدة سمير الصميدعي من جديد ليناشد مجلس الامن الدولي بأن يرفع "القيود والأعباء" الباقية من عهد الرئيس المخلوع صدام حسين وأن يعامل مجلس الامن بلاده كأي دولة أخرى ذات سيادة." وأشار السفير الى قضية قد تبدو للقارئ العربي غريبة جدا وهي ضرورة "انهاء استخدام ايرادات النفط في دفع رواتب مفتشي الامم المتحدة عن السلاح في العراق، فما زالت أسماء العديد منهم مدرجة على قوائم العاملين في هذه المهمة بالرغم من عدم وجدود أي منهم على الاراضي العراقية منذ اجتياح القوات الامريكية لبغداد واسقاط النظام البعثي فيها. وكان الصميدعي قد أشار وفي وقت سابق الى ان أكثر من 12 مليون دولار سنويا متبقية من برنامج النفط مقابل الغذاء تستخدم في دفع أجور مفتشي الامم المتحدة المكلفين بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل بالعراق. ووجه السفير رسالة قوية إلى المجلس بقوله: " العراق ديمقراطية وليدة ملتزمة بحكم القانون الدولي والقوانين العراقية المحلية. لذا له الحق المشروع في ان يعامل معاملة سيادية كأي دولة عضو."
تناقض ما بعده تناقض
لا زالت اللجنة الدولية للتفتيش عن اسلحة الدمار الشامل العراقية ومقرها نيويورك قائمة حتى الآن، وكذا هو الحال بشأن الحصار المفروض من قبل المنظمة الدولية على تصدير معدات عسكرية الى العراق. صحيح أن مجلس الامن الدولي أصدر في 23 مايو/أيار 2003 القرار رقم 1483 القاضي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق، الا أن القرار أبقى صراحة على الحظر القائم على تصدير الاسلحة. وفي فترة حكم باول بريمر للعراق سمح مجلس الامن بتصدير بعض المعدات العسكرية للشرطة والجيش العراقيين، وقد شكل الامر في حينه استثناء لادارة بريمر فقط. وبعد انقضاء فترة ادارته للعراق وتولي الحكومة العراقية للحكم في يونيو/حزيران 2004 تم الغاء هذا الاستثناء بالكامل ولم تتمكن الحكومة العراقية من استيراد معدات عسكرية هي في أمس الحاجة اليها. وعلق هانز يوآخم هاينتسه، الخبير في القانون الدولي من جامعة بوخوم الالمانية، على ذلك بالقول: "من غير المعقول أن يستمر الحظر الدولي العسكري على العراق في الوقت الذي يُطلب فيه من الحكومة العراقية بناء وتجهيز قوات أمنية عراقية ووحدات عسكرية تكون على قدر عال من الفاعلية والجاهزية." ولعل الامر الطريف حسب هاينتسه هو أن "كلا الامرين الحظر العسكري واعادة بناء العراق تم التصديق عليهما من خلال قرارات دولية صدرت من مجلس الامن." فبينما أبقى مجلس الامن عبر قراره رقم 1483 على الحظر المفروض على تصدير المعدات العسكرية الى العراق، طالب المجلس نفسه المجتمع الدولي عبر القرار رقم 1511 الصادر في 16 اكتوبر/تشرين ثاني 2003 "المساهمة في تجهيز وتأهيل قوات الشرطة والجيش العراقيين."
تسديد الفواتير عن أعمال التفتيش
العراق اذا لا يسمح له بشراء المعدات العسكرية لتجهيز جيشه وقواته الامنية، لكن عليه في نفس الوقت أن يستمر في تسديد فاتورة مراقبة نشاطاته النووية من قبل "الوكالة الدولية للطاقة الذرية". ويشكل القرار الاممي رقم 687 الصادر في 1991 والذي تم تجديده من خلال القرار 1546 سنة 2004 الاساس القانوني لهذا التناقض بين المرغوب والمحظور. وحسب الناطق الاعلامي باسم "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بيتر ريكوود، قدرت الوكالة في ميزانيتها للعام 2006/ 2007 حجم الاموال المقتطعة من برنامج النفط مقابل الغذاء بـ 12 مليون دولار، في حين لم تتجاوز الاموال المنفقة على أعمال التفتيش منذ العام 1991 الـ 5 مليون دولار. واوضح ريكوود عند مواجهته بهذه الارقام بان الوكالة الدولية "على استعداد تام لدفع قيمة المبالغ المتبقية الى الحكومة العراقية." الا أن الحل الافضل، حسب الخبير الدولي هاينتسه، يتمثل في "قيام مجلس الامن الدولي باصدار قرار يلغي كافة العقوبات المفروضة على العراق."
مسؤولية الجهات الرسمية العراقية
لا يمكن اعفاء الحكومة العراقية ومجلس الحكم من قبلها من المسؤولية عن هذه التجاوزات بشأن اهدار ثروات العراق والعراقيين. فأي منطق يجعل العراقيين يقبلون أن تُدفع الملايين للجان تفتيش عن الاسلحة لا يقيم عضو واحد منها على الاراضي العراقية، لا سيما وأن هذه اللجان لم تجد شيئا يتعلق باسلحة الدمار الشامل المزعومة. الشعب العراقي بحاجة لكل دولار الان من أجل اعادة اعمار بلده الذي انهكته الحروب وسنوات الحصار الاقتصادي، ناهيك عن الاوضاع الامنية المزرية التي تقف حائلا دون احراز تقدم حقيقي على الارض. ومن هنا تأتي الحاجة الماسة الى ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وعدم الدخول في صراعات على المناصب والمصالح بدأ الشعب يشعر بالملل والضجر منها ومن القائمين عليها.
ناصر الشروف