محمد مجتهد شبستري: "الدين ليس برنامجًا سياسيًا"
١٤ أغسطس ٢٠١٢لقد قلت ذات مرة إنَّ الإسلام دين وليس برنامجًا سياسيًا، بيد أنَّ الكثيرين من علماء الدين الآخرين يقولون بعدم إمكان فصل الدين عن الدولة أو الدين عن السياسة،فهل يجانب ممثلو وجهة النظر هذه الصواب برأيك؟
محمد مجتهد شبستري: يمكن لنا أن نتوقع من الدين مبادئا أخلاقية ينبغي مراعاتها في السياسة أيضًا. لكن لا يمكن أنْ نتوقّع من الدين برنامجًا سياسيًا من أجل بلوغ أهدافٍ اجتماعيةٍ معيّنة. الدين بحسب فهمي علاقة بين الإنسان والله، يتحدّث الإنسان فيها إلى خالقه ويستمع إليه، ويتحرّر داخليًا. لذلك أرى أنَّ الدين ليس برنامجًا سياسيًا والإسلام بدوره ليس كذلك.
هل تدعو إذًا إلى فصلٍ واضحٍ بين الدين والدولة؟ هذا موقفٌ غير معهودٍ بين علماء الدين والفقهاء المسلمين.
محمد مجتهد شبستري: أنا مع الرأي القائل بأنّ المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية هي مؤسساتٌ مختلفةٌ وذات مهام مختلفة.أي أنَّ هذه المقاربة ترى وجود فصل. ولكن هذا لا يعني أنَّ تديُّن الناس لا يمكنه أن يعطي السياسة دوافع أخلاقية ومعنوية. هذا ممكن، لذلك لا أقول أن السياسة والدين منفصلان عن بعضهما البعض، إنما أقول دائمًا إنه ينبغي أن تكون المؤسسات السياسية والمؤسسات الدينية منفصلة عن بعضها البعض. وبطبيعة الحال من الممكن لا بل وينبغي أن يكون بينهم تعاون.
يستند علماء الدين المسلمون في أقوالهم إلى القرآن والسنَّة، إلى أحاديث وأفعال النبي محمد. أين تجد في المراجع والمصادر الإسلامية الدلائل على أطروحاتك؟
محمد مجتهد شبستري: هذه الأمور لا يمكن استنباطها من القرآن أو السنَّة. وهذا الفصل يُشكِّل في عصرنا واقعًا لا محيد عنه، لأن هذه المؤسسات قد تمَّ فصلها. وهذا لم يجرِ بأمرٍ من أحد. والمؤسسات السياسية والدينية كما نفهمها اليوم لم تكُن موجودةً على الإطلاق في عهد النبي،بل كان هناك ارتباط بين السياسة والدين في مجمل عالم ذلك العصر.
كان أسلوب الحياة في المدينة أومكة بسيطًا للغاية. وما حدث وقتذاك لا يمكن أنْ يكون مِثالاً يُحتذى به اليوم، حيث يعيش المسلمون في أنظمة اجتماعية ذكية يوجد فيها مؤسسات متنوعة ومختلفة تمامًا، ولأجل قيامها نحن بحاجة إلى تطوير خطة فعلية بالاستناد إلى العقل، وهي شيء لا يمكن استنباطه من القرآن.
كان الإسلام في عصره الذهبي معروفًا بخوضه محاورات جدلية وتعددية. إلا أن الواقع يبدو في وقتنا هذا مختلفًا في كثيرٍ من البلدان الإسلامية. حيث هامش حرية التفكير ضيق، بينما حيِّز تحريم التفكير عريض. كيف يمكن ضمان المزيد من حرية التفكير في البلدان الإسلامية؟
محمد مجتهد شبستري: هذا أمرٌ مرهونٌ بالتطوّر السياسي، وفيما إذا تطوّر شعب ما إلى مدىً يتيح له فهم ماهية الحرية ويجعله يطالب بحرية التعبير. عندما يتحرر الشعب بهذا الأسلوب سوف يطالب بالحرية. وإذا لم يتحرر فلن يطالب بالحرية. نشهد اليوم في البلدان الإسلامية جنوحًا قويًا صوب الحرية. أما سبب عدم تطوُّر هذا فعليًا، فتلك مسألة أخرى تتعلق بالعقبات السياسية وبأنظمة الحكم في هذه البلدان. وهذه بالأحرى صعوبات ثقافية لا علاقة لها بالإسلام أو بالدين. إنه وللأسف واقعٌ ثقافيٌ رجعي.
الكثير من الناس في البلدان العربية ذاتها وفي الخارج على حدٍّ سواء يعقدون الأمل على مزيد من الديمقراطيةفي ظل الانتفاضات العربية. بينما هناك من يقول إنَّ الإسلام لا يسمح بالأساس بوجود الديمقراطية. كيف ترى ذلك؟
محمد مجتهد شبستري: لطالما قلت إنَّ السؤال عما إذا كان الإسلام يتوافق مع الديمقراطية هو سؤال خاطئ. والسؤال الصحيح هو: هل يريد المسلمون الديمقراطية أم لا؟ وإجابتي هي: عندما يريد المسلمون الديمقراطية سوف يجدون تأويلاً إسلاميًا يتوافق مع الديمقراطية. وإن كانوا لا يريدون الديمقراطية فلن يجدوا هكذا تأويلا.
يعتمد الإسلام على التأويل، تمامًا كما هي الحال لدى أي دين آخر. والمؤولون هم أولئك الذين يقررون أسلوب تأويل هذا الدين، ويحددون هدف تأويلهم، ويحددون منهج التأويل. وإذا كان المؤولون أشخاصًا جيّدي المعرفة والعلم ويريدون تحقق الحرّية والديمقراطية وصون حقوق الإنسان، سوف يؤوِّلون الدين أيضًا على هذا النحو.
أولئك الذين يدَّعون أن الإسلام والديموقراطية لا يتوافقان مع بعضهما البعض يستندون إلى أنَّ الفقه الإسلامي التقليدي يقول بأنَّ: السيادة العليا هي الله. وفي الديمقراطية يشكل الشعب السيادة العليا. فكيف يمكن التوفيق بين هاتين المقولتين؟
محمد مجتهد شبستري: يوجد في ألمانيا حزب "الاتحاد المسيحي الديمقراطي". فهل يمثّل الله السيادة العليا في هذا الحزب؟ الجواب نعم، رغم ذلك تعيشون في بلد ديمقراطي. إذن لا يمكن القول إنه عندما يؤمن إنسانٌ أو شعبٌ بأنَّ الله هو السيادة العليا، سوف يعني هذا تلقائيًا أنه ضد الديمقراطية. ولماذا ينبغي أن يكون الأمر كذلك؟ لا سيما وأنه يمكن للمرء أنْ يؤمن بأنَّ الله هو السيادة العليا، كما يمكن بالرغم من ذلك في الحياة الإنسانية وفي الحياة الاجتماعية القول: نعم، أنا حرٌّ، وأنت حرّ والآخرون كذلك أيضًا،فالأمر يتعلق هنا بالحرية بين بني البشر وليس بالحرية بين الله والإنسان. الحرية والديمقراطية يعنيان نظامًا معيّنًا يضبط العلاقة بين البشر. وهذا لا علاقة له بكون الله هو السيادة العليا. إذن لطالما يُساء استخدام الحجة القائلة: عندما يكون الله السيادة العليا، فلا مكان للديمقراطية. ولكن هذا غير صحيح.
هل يجري استخدام الإسلام لأغراض غير ذات صلة؟
محمد مجتهد شبستري: يمكن استخدام أي دين لأغراضٍ غير ذات صلة، وليس الدين الإسلامي فقط. لقد تعرضت المسيحية أيضًا وأديانٌ أخرى للاستغلال. بيد أنَّ مهمتنا هي الحيلولة دون استخدام الإسلام أداةً لإقامة نظامٍ دكتاتوري.
ماهو دور الشريعة في ظل الديمقراطية؟ وما هو الدور الذي توجب أو ينبغي أن تقوم بها في رأيك؟
محمد مجتهد شبستري: عندما يتم الحديث عن الشريعة في أوروبا يُنظر إليها باعتبارها بناءً جامدا. إلا أن الشريعة ليست كذلك. إنما هي مرتبطة بالفقهاء، أي بعلماء القانون الإسلامي الذين لهم حق وضع الفتاوى.
إذا كان هؤلاء الفقهاء يتمتعون بحرية التفكير، يمكنهم أن يفسروا الشريعة الإسلامية بحيث لا تكون عائقًا على طريق الديموقراطية. وأولئك الذين يذهبون إلى أبعد من ذلك، يمكنهم حتى أنْ يقولوا: يمكننا العثور في القرآن وفي السنَّة وفي الشريعة على مواضع تشجِّع على إقامة نظامٍ ديمقراطي.
يبدو من الخارج أنَّ إيران بلدٌ متديِّن للغاية. ولكن إذا نظرت عن كثب، سيتشكل لديك الانطباع بأنَّ الكثيرين في إيران يعرضون داخليًا عن الدين. إلى أي مدى ظل المجتمع الإيراني متديِّن؟
محمد مجتهد شبستري: هذا يتوقّف على مفهوم التديُّن الذي تريد اعتماده. يختلف تديُّن المتصوّفين عن تديُّن الفلاسفة، وتديُّن الفلاسفة عن تديُّن رجال الدين. لا أعتقد بأنه يمكن تعميم القول بأنَ ّالناس تعرض عن التديُّن. الواقع هو أن البعض يهرب، لأنه عايش ممارساتٍ سيئةً ارتـُكبت باسم الدين. لكني لا أوافق على أنَّ هذا وباءٌ كبيرٌ يتفشّى في إيران. التديُّن آخذ في التغيُّر وكثيرون ينتقلون من النهج التقليدي للتديُّن إلى المنهج الصوفي. أما الادعاء بأنَّ التديُّن قد ضعف مقارنة بما كان عليه قبل أربعين أو خمسين عامًا فلا أساس له على الإطلاق. لكن ثمة تغيير في أهمية التديُّن والعبرة منه، إذ يتحول الدين والتديُّن لدى الكثير من الناس إلى قضية خاصة.
أجرى الحوار يان كولمان
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
محمد مجتهد شبستري، من مواليد عام 1936، يعتبر من أهم المفكرين المتدينين في إيران حاليًا. كان من تلامذة الخميني أثناء دراسته. تولى اعتبارًا من عام 1970 إدارة المركز الإسلامي الشيعي في مسجد الإمام علي في هامبورغ ونشط على صعيد الحوار الإسلامي المسيحي. عاد في عام 1979 إلى إيران بوصفه من أتباع الخميني وجرى انتخابه عضوًا في البرلمان،بيد أنَّ شبستري سرعان ما انسحب من العمل السياسي اليومي. وهو يدرِّس في جامعة طهران منذ عام 1985 الفلسفة الإسلامية والدراسات الدينية المقارنة وفقه الدين. وقد طوَّر فهمًا تحرريًا للدين ناقدًا للأيديولوجيات. أما أفكاره الحديثة بخصوص الفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية فذات أهميةٍ كبيرةٍ لكثيرٍ من الحقوقيين المسلمين الذين يسعون لاعتماد تشريعات إسلامية تلائم العصر. ولا يزال محمد مجتهد شبستري على عهده ينظِّم المؤتمرات الدولية الخاصَّة بالحوار الإسلامي المسيحي.