محمد حبش: "ليس سراً أننا فقدنا تأثيرنا على شبابنا"
١٩ نوفمبر ٢٠١٢الداعية، محمد حبش، والعضو السابق في مجلس الشعب السوري واحد من تلك الشخصيات التي أعلنت بداية العام الجاري انشقاقها عن النظام، بعد مضي عشرة أشهر من اندلاع الثورة السورية. DW عربية حاورت الداعية السوري حول أسباب تأخر انشقاقه وموقفه من رجال الدين الذين لا زالوا يقفون في خندق النظام.
DWعربية: شاع خبر انشقاقك " بشكل غير رسمي" وسفرك إلى دبي في بداية عام 2012، بمعنى أخر بعد ١٠ أشهر من الثورة السورية، لماذا تأخر انشقاقك عن النظام؟
محمد حبش: أمضيت أكثر من عشرة أشهر في الداخل أحاول ما أستطيع لوقف الدماء. وقد شكلنا لأجل ذلك مبادرة الطريق الثالث لوقف العنف. وكنت مقتنعاً بأن بالإمكان أن أغير في سياسة النظام وأن نمضي بالإصلاح المنشود وإنصاف الناس دون سقوط النظام. ولكن وبعد تعرضي لأكثر من محاولة قتل، كان آخرها خلال تشييع شهداء الجيش في نهاية عام 2011، وقد نقل التلفزيون السوري نفسه مشهد مئات الشبيحة وهم يهجمون علي وأنا في سيارتي ويهتفون"بدنا راسك يا حبش". وبعد أيام استلمت زوجتي رسالة مفادها أن الشبيحة عازمون على قتلي، فوجدت أن البقاء في الداخل انتحار لذلك غادرت.
DWعربية: في وقت سابق كنت قد أصدرت فتوى بضرورة انشقاق الجنود والضباط عن جيش النظام، وقد حصل العديد من الانشقاقات وكثرت في الفترة الأخيرة، ولكن لم ينشق حتى الآن الضباط الدمشقيون في الجيش لماذا برأيك؟
وجهت النداء لإلقاء السلاح منذ بداية الأزمة، وكنت أقصد الطرفين، ولكن النظام لم يتوقف عن إرسال الجيش إلى المدن. وبعد سلسلة محاولات لم نحقق فيها شيئاً ملموساً لجهة تغيير في سياسة النظام ضد المدنيين، طالبت ضباط الجيش تحديداً بإلقاء السلاح والخروج من هذه الحرب المجنونة، استجاب الألوف من عناصر الجيش لهذه النداءات مني ومن الآخرين. وفي الواقع لم أطالب بالانضمام إلى أي فصيل مسلح، لقد طالبت فقط بإلقاء السلاح وهذا ما ينسجم مع رسالتي في رفض العنف. وقد ترك ضباط كثيرون من دمشق مواقعهم في الجيش ولم ينضموا لأي فصيل مسلح، ولكن ليس سراً أن الدمشقيين لا يتطوعون عادة في الجيش وليس لهم مواقع مؤثرة وحساسة في بنية الجيش النظامي.
DWعربية: لماذا يؤيد بعض رجال الدين، كالشيخ محمد رمضان البوطي ومفتي سورية، أحمد حسون، النظام؟
موقف البوطي من وجهة نظري ناشئ عن عقليته المتغطرسة، وتحقيره للمخالفين له، وهذا هو سلوكه في كل خصوماته التي لا تنتهي مع مخالفيه في الرأي من السلفيين والعلمانيين والمشايخ، حيث تعود الرجل أن يقدم رؤيته على أنها حكم الله وأن الآخرين حين يخرجون عن موقفه فإنهم يخالفون الله ورسوله.
ولا أعتقد أن موقف البوطي ناتج عن نفع مالي من النظام، ربما أولاده يفعلون ذلك، هو مقتنع برأيه ولا يقبل الحوار في موقفه، نتيجة أسلوبه في احتكار الخطاب الديني.
لم يبق مقرب منه إلا نصحه بالتوقف عن دعم النظام ووجوب احترام مطالب الناس المشروعة ولكنه ظل يمارس أسلوبه في احتقار المخالفين على أنهم "حثالة" و"مأجورون" و"بغاة" ومحاربون يجب ضربهم بيد من حديد، ولم يفلح خلال كل هذه الفترة، رغم التبني الكامل للنظام له، في تخفيف معاناة الناس أو رفع الحصار عن قرية أو مدينة أو فك اسر بعض الأبرياء.
أما الشيخ أحمد حسون فهو موظف في الدولة وموقفه ينسجم مع موقعه، ولا أعتقد أنه يقول ذلك بدافع الرغبة في المال، بل ربما بدافع الخوف، وعدم القدرة على النجاة بأهله وأسرته.
DWعربية: في تصريحات سابقة طالبت بشار الأسد بالتنحي وأن تسوى الأمور في سوريا على الطريقة اليمنية، ومرات أخرى بتدخل بريطاني بعرض لجؤ للدائرة الضيقة في عائلة لعائلة، هل ترى اليوم أن هناك تسوية ممكنة مع النظام ؟
قناعتي أنه إذا بقي النظام فستدخل سوريا في الحرب الأهلية، وإذا سقط النظام فستدخل سوريا في الحرب الأهلية أيضاً، والمطلوب هو رحيل منظم لهذا النظام الذي فشل في قيادة البلد وحماية الناس، وهذا الرحيل يجب أن يكون ضمن ترتيب يشتمل على طي المرحلة برمتها، و فتح باب الاعتراف والمسامحة، أشعر كل يوم أن هذا الرأي يفقد مؤيديه بسبب تزايد الجرائم والمظالم التي يمارسها النظام ضد الناس، وبالتالي أيضاً بسبب جرائم كثيرة من حملة السلاح ضد طائفة النظام وضد هياكله.
DWعربية: هل تتوقع إسقاط النظام عسكرياً؟
للأسف لا، إن عسكرة الثورة كانت حاجة ملحة للنظام ليستمر في سلوكه الإجرامي ضد الناس، وليحصل على دعم سياسي قوي، وبالفعل فإن عسكرة الثورة وفرت للأسد دعماً دولياً كبيراً من روسيا والصين، ودول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين و جنوب إفريقيا )، و وفرت له الغطاء الكبير للاستمرار في القتال ضد الناس.
لكن الشيء الحقيقي الذي تغير هو أن النظام بات عاجزاً عن السيطرة على كامل التراب السوري، وسوريا دخلت في مرحلة من التقسيم اللوجستي، والنظام عسكرياً قادر على البقاء كحاكم لجزء من التراب السوري وليس لكامل التراب السوري.
لو بقيت الثورة سلمية لكانت النتائج أفضل والضحايا أقل، وبالتالي لكان التغيير أقرب منالاً وأكثر حتمية.
DWعربية: ما هي انتقاداتك للحركات السلفية المسلحة على الأرض؟ و ما هي خلفية وجود متطرفين إسلاميين سوريين وغير سوريين في سوريا؟
أنا مقتنع أن الجماعات المسلحة معظمها من السوريين الذي ظلمهم النظام، وهناك شباب يحملون السلاح ولم يؤمنوا يوماً بالعنف، وكانت لهم وظائف وأعمال تركوها لأجل حمل السلاح، وليس سراً أن أقول إننا فقدنا تأثيرنا على الشباب الذي كان ينصت لنا لأن منطق اللاعنف لم يعد مقنعاً في مواجهة الغضب من قصف النظام للقرى والبلدات واستباحة حياة الناس وأعراضهم وأموالهم.
لا أبرر وجود أي مسلح على الأرض، وأنا أعتقد أن السلاح لم يجلب للبشرية أمناً ولا سلاماً وإنما جر لها الويلات والخراب.
DWعربية: ما سر تماسك النظام حتى اللحظة؟
النظام نجح إلى حد ما في حشد الأقليات تحت عنوان تهديد القاعدة والسلفيين الجهاديين والمتطرفين، وهذا من أسباب استمرار النظام، ولكن السبب الأهم في رأيي هو التأييد الروسي المطلق للنظام، فهذه الدولة الحساسة تمكنت من إعادة روسيا إلى موقع الاتحاد السوفيتي، ضمن المشهد السياسي الدولي، ولا تبدو روسيا راغبة في التخلي عن دور، منحها هذا الوزن الدولي الغائب، إضافة إلى الأخطاء القاتلة للمعارضة السورية التي دفعت الإيرانيين لدعم الأسد بشكل كبير مع أنه كانت هناك فرصة لتعامل الإيرانيين مع بديل مناسب عن الأسد.
DWعربية: ما هي توقعاتك للمستقبل السوري القريب؟
للأسف المشهد السوري ذاهب إلى مزيد من العنف، وهناك عشرات الآلاف من السوريين لا يريدون الآن إلا الموت في مواجهة هذا النظام، وهؤلاء لن يقنعهم أي حل سياسي لأنه لا يوجد حل يمكن أن يعود بأحبتهم إلى الحياة، ولا بيوتهم التي قصفها النظام، ولن يستطيع أحد أن يقنع هؤلاء بالذهاب إلي حل سياسي، وهذا بالضبط ما أراده النظام، حين قام بتدمير السلم الأهلي والوحدة الوطنية.
أجرى الحوار: رولا أسد