"مثير فتنة أم وسيط؟" ـ دور الإعلام في حوار الثقافات
٢٤ أكتوبر ٢٠١٠"إلى أي مدى يُعتبر الإسلام خطرا؟" سألت مجلة "شتيرن" الألمانية ذات مرّة ، وتحدثت مجلة "دير شبيغل" عن "مكة ألمانيا ـ الأسلمة الخفية"، أما صحيفة "دي فيلت" فنقلت عن لسان مسلمة سابقة قولها: "يمكن مقارنة الإسلام بالفاشية". عناوين كهذه، وهي بعض مجرد أمثلة، تثير الشكّ حول لجوء العديد من وسائل الإعلام الألمانية إلى تقديم صورة مشوّهة عن الإسلام. فمن المسلمين يُطلب الاندماج مع التدليل بصورة خاصة على أن العقبة الأكبر أمامهم هي اقتراب ديانتهم من التطرف المزعوم. ويرى أوليفر هان أستاذ علم الصحافة في المدرسة العليا في إيزرلون أن ما ينشر يذهب في اتجاه تكريه الناس بالإسلام، وأن هذا الأمر ليس حملة إعلامية موجهة ضد الإسلام لأن المرء غالبا ما يحاجج بوجود علاقة له بالإرهاب، الأمر الذي غالبا ما يعود إلى جهل الصحافيين، على حد قوله. واستمرار وسائل الإعلام في نشر وبث الحوادث التي تقع، وحول الإسلام كدين، يؤدي حسب هان إلى حشر المسلمين علنا في زاوية لا علاقة لهم بها.
وأظهر تقرير صادر عن الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية في فيينا قبل سنوات بأن المسلمين في أوروبا غالبا ما يكونوا ضحايا مقولات سلبية تنشر في وسائل الإعلام، وليس فقط في أوروبا حيث أجرت الباحثة في وسائل الإعلام سوزان شينك من جامعة دريسدن الألمانية بحثا حول صورة الإسلام في مختلف القنوات الغربية بما في ذلك "الجزيرة" بالانكليزية شمل 707 برنامج أخبار. ووجدت الباحثة أن "سي إن إن" و "بي بي سي" تقدمان صورة متقاربة عن الإسلام، وحتى "الجزيرة" بالانكليزية من قطر لم تختلف عن الباقين سوى بالتفاصيل، حسب تلك الدراسة.
"وسائل الإعلام تمارس تأثيرا سلبيا على الناس"
ولم تكتف شينك بالتقارير حول الإسلام، بل وحلّلت تلك التي تتحدث أيضا عن الدول الإسلامية والمسلمين وعن الحروب والأزمات فيها دون التطرق إلى الأوضاع الاثنية والثقافية المتغايرة أو التعدد الديني فيها رغم أهمية ذلك. وقالت شينك إن وسائل الإعلام تمارس تأثيرا على الوعي الاجتماعي، لاسيما لدى الناس الذين ليس لهم علاقة مباشرة مع المهاجرين. وتضيف: "الصورة التي يتم تقديمها من قبل وسائل الإعلام تختزل فقط في الإسلام السياسي". وتجد لينا العلي العاملة في المنظمة الأميركية "البحث عن أرض مشتركة" أن البث الإعلامي الغربي عن الإسلام يشكّل خطرا، مشيرة إلى أن أحدا لم يلمس وجود علاقة إيجابية لكلمة "إسلامي" التي تساق دائما بصورة سلبية رغم أن الكلمة تتجذر عن اسم دين عالمي. ودعت وسائل الإعلام إلى التفكير في معاني المفردات التي تختارها وإلى تحمل المسؤولية.
تركة ثقيلة للطرفين الغربي والإسلامي
سلسلة الأحداث التي وقعت في العالم في السنوات الماضية وضعت المسلمين في مركز الاهتمام المتزايد؛ مثل تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وقتل المخرج الهولندي تيو فان غوخ، وتفجير القطارات في مدريد باسبانيا والعاصمة البريطانية لندن. ومن وجهة نظر المسلمين أثرت أحداث سياسية مثل غزو القوات الأميركية للعراق وحربها في أفغانستان في التأثير إلى حد كبير في موقفهم من الغرب. والخلاف حول الرسوم الكاريكاتورية التي نشرت في الدنمارك لم يكن خلافا حول حرية الصحافة، وإنما مظهرا لاختلال التوازن السلطوي السياسي والاجتماعي بين الغرب والدول الإسلامية. وقالت العلي إن على وسائل الإعلام "أن لا تكون متحزبة، وأن لا تهتم بالحروب وتبرّرها لأننا أميركيون فقط." وحضّت وسائل الإعلام على ابداء مهنية أعلى.
مخارج الأزمة
ويرى الدكتور هان مخرجا من الوضع المذكور يتمثل في العمل على عرض خلفيات الأحداث، مشيرا إلى وجوب تعلّم الصحافيين الكثير معتبرا أنهم غالبا ما يكتبون عن أشياء لا يعرفون شيئا عنها. ودعا هان الصحافيين إلى الابتعاد عن الحدث اليومي وملاحقة تطورات كل قنبلة تنفجر في مكان ما، واللجوء بدلا من ذلك إلى عرض المزيد عن خلفية الحدث نفسه "حتى وإن الأخبار السيئة تبيع نفسها أفضل بكثير من الأخبار الجيدة". وتجد الصحافية العلي دور وسائل الإعلام في إيجاد توازن في نشر الأخبار الجيدة والأخبار السيئة.
في هذا الإطار تتحرّك بعض الأمور في هذا الاتجاه، ففي ألمانيا يسعى برنامج "عَبْر الثقافات" الذي وضعه معهد العلاقات الدولية إلى تعزيز العلاقات المهنية والسياسية بين أناس من ألمانيا والعالم الإسلامي. وتركز مجلة "قنطرة" الالكترونية الصادرة عن "دويتشه فيلّه" على الحوار بين العالمين الغربي والإسلامي، وهي تهدف، من خلال اللغات الخمس التي تنتشر بها، إلى بناء جسور بين هاتين الثقافتين العالميتين. وتجسيدا لهذا الهدف يعقد خلال يومي 25 و26 من الشهر الجاري في مقر الخارجية الألمانية في برلين "مؤتمر قنطرة" تحت عنوان "مثير فتنة أم وسيط؟ ـ دور الإعلام في حوار الثقافات"، والذي يشارك فيه إعلاميون وخبراء من مختلف دول العالم.
ديانا هودالي/اسكندر الديك
مراجعة: عبده جميل المخلافي