مباراة باشاك شهير وسان جيرمان تصاب بمتلازمة الكرة والسياسية
٢٧ أكتوبر ٢٠٢٠في أي يوم عادي، كان من المفترض أن تكون زيارة باريس سان جرمان إلى تركيا روتينية لكن المواجهة التي تجمع نادي العاصمة الفرنسية بباشاك شهير الأربعاء (28 تشرين الأول/أكتوبر 2020) في الجولة الثانية من منافسات المجموعة الثامنة لدوري أبطال أوروبا، ستكون سياسية بامتياز في ظل الأزمة القائمة حالياً بين رئيسي البلدين.
وما يزيد من الثقل السياسي لهذه المباراة بين الفريق الفرنسي الذي وصل الموسم الماضي إلى النهائي للمرة الأولى في تاريخه، ومضيفه التركي الذي يخوض باكورة مشاركاته في المسابقة القارية الأم، أن الأخير يُعدّ فريق رئيس البلاد رجب طيب أردوغان، حسب تعبير العامة، والذي يخوض حرباً إعلامية مع نظيره إيمانويل ماكرون على خلفية تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي بشأن الإسلام.
وفي تصريحاته بعد مقتل المدرّس صامويل باتي بقطع رأسه لعرضه رسوما كاريكاتورية تظهر النبي محمد على طلابه أثناء درس تتناول حرية التعبير، تعهّد ماكرون أن فرنسا "لن تتخلى عن رسوم الكاريكاتور" وقال إن باتي "قُتل لأنّ الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا".
وردّ أردوغان بدعوة ماكرون السبت للخضوع "لفحوص لصحته العقلية" جرّاء معاملته "الملايين من أتباع ديانات مختلفة بهذه الطريقة"، في تصريحات دفعت باريس لاستدعاء سفيرها لدى أنقرة.
موقعة صعبة
وبعدما افتتح مغامرته الأولى في دوري الأبطال بالخسارة أمام لايبزيغ الألماني صفر-2، يتوجب على باشاك شهير الآن مواجهة سان جرمان ونجومه الكبار، أمثال كيليان مبابي والبرازيلي نيمار.
ورغم الفوارق الفنية الهائلة بين الفريقين، يؤكد حسين أفجيلار، أحد رؤساء مجموعة المشجعين الألتراس "باشاك شهير 1453"، لوكالة فرانس برس "سنقدم كل ما لدينا في هذه المباراة، وحتى وإن كان أمامنا عملاق في الكرة العالمية. نحن نؤمن بأنفسنا".
يذكر أن الصعود الصاروخي لباشاك شهير هزّ التسلسل الهرمي لكرة القدم التركية التي سيطر عليها في العقود الأخيرة "عمالقة إسطنبول" الثلاثة غلطة سراي، فنربخشه وبشكتاش.
وبات باشاك شهير خامس نادٍ فقط يفوز بالبطولة التركية منذ عام 1984، وذلك نتيجة احتكار عمالقة إسطنبول للقب باستثناء مرة واحدة منذ 1984 حين انتزعه بورصة سبور في 2010.
لغز "فريق أردوغان"
بالنسبة لمنتقديه، يدين باشاك شهير بنجاحه الى الدعم الحكومي والقوة المالية للشركات والجهات الراعية المقربة من حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ بزعامة الرئيس أردوغان. ووصل التقارب بين مسؤولي النادي والسلطة الحاكمة لدرجة أن بعض مشجعي الأندية المنافسة أطلقوا على الفريق تسمية "إف سي إردوغان" (فريق أردوغان).
وتمّ إنشاء النادي في التسعينات من قبل بلدية إسطنبول، ثم بيع في 2014 لشركات قريبة من السلطة، والراعي الرئيسي للنادي هو "ميديبول"، وهي مجموعة مستشفيات خاصة يرأسها وزير الصحة الحالي.
وانتقل النادي بصيغته الحالية من إسطنبول الى باشاك شهير، وهي إحدى مديريات المستوى الثاني في إسطنبول الكبرى التي يعتبرها أردوغان واجهة لـ"تركيا الجديدة" كدولة محافظة وغير مقيدة.
ولم يتردد أردوغان في ارتداء قميص النادي عند افتتاح ملعبه الجديد عام 2014، حيث شارك في مباراة احتفالية سجل فيها ثلاثية لا تُنسى ضد مدافعين بدا عليهم الحذر في اللعب أمام رئيس البلاد.
وفي بلد حيث الارتباط وثيق بين كرة القدم والأعمال والحكومة، فإن تأسيس باشاك شهير بعد عام من احتجاجات غيزي الضخمة المناهضة للحكومة والتي لعب فيها ألتراس الأندية التقليدية دوراً رئيسياً، حمل دلالات سياسية مهمة.
ورأى أحد مشجعي الألتراس لنادي بشكتاش من دون الكشف عن هويته خوفاً من فقدان وظيفته في القطاع العام، أنه "خلال (التظاهرات المناهضة لهدم ساحة) غيزي، تمكنوا من رؤية القوة السياسية للجماهير. باشاك شهير هو مشروع لإنشاء نموذج نادٍ تحت السيطرة".
إدارة وفق "استراتيجية طويلة المدى"
فضلاً عن علاقته الوطيدة بالسلطة، يدين باشاك شهير بنجاحه الرياضي قبل كل شيء الى تنظيم صارم ونموذج اقتصادي يتناقض مع الأندية الأخرى التي يقودها رؤساء منتخبون يعملون على الإنفاق المُبالغ به في كثير من الأحيان من أجل إرضاء الجماهير.
ونجاح نموذج باشاك شهير في مواجهة منافسين على وشك الإنهيار المالي، تحقق لأن النادي يُدار "بطريقة أكثر احترافية" من قبل مجلس إدارة، مثل شركة، "بإستراتيجية طويلة الأمد" بحسب ما أشار إمري ساريغول، الشريك المؤسس لموقع "توركيش فوتبول" المتخصص.
وبالنسبة لأفجيلار، فالنادي يعتمد أيضاً "سياسة انتقالات مدروسة" ما يساهم في نجاحه، وذلك خلافاً للأندية المنافسة التي تتهافت من أجل التوقيع مع نجوم كبار في نهاية مسيرتهم الكروية مقابل مبالغ مالية ضخمة.
غياب القاعدة الشعبية
وعلى أرض الملعب، يعتمد باشاك شهير على مزيج من المواهب التركية مثل عرفان جان قهوجي، وأجانب من اللاعبين المكافحين مثل البوسني إدين فيشكا أو مخضرمين يعرفون الكرة الأوروبية جيداً مثل لاعب ليون الفرنسي السابق البرازيلي رافايل أو المهاجم الفرنسي إنزو كريفيلي.
لكن وبالرغم من نجاحه الرياضي، لا يزال باشاك شهير يكافح من أجل إثبات نفسه على أنه "العملاق الرابع" في إسطنبول، كما لا يزال غير قادر حتى الآن على ملء مدرجات ملعبه لأكثر من الربع.
فبعد الفوز باللقب في تموز/يوليو الماضي، احتفل اللاعبون على متن الحافلة في شارع شبه فارغ، ما دفع بساريغول للقول إن الأمر "يتطلب الكثير من الجهد من باشاك شهير لبناء ثقافة كرة القدم ولكي يتم القبول به كمنافس حقيقي من قبل الثلاثة الكبار. سيستغرق الأمر جيلاً على الأقل".
و.ب/خ.س (أ ف ب)