ما وراء تخفيض ألمانيا مساعداتها الإنسانية إلى النصف عالميا؟
٢ أكتوبر ٢٠٢٤في العام المقبل 2025 تريد الحكومة الفيدرالية إنفاق حوالي مليار يورو فقط على المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، وهذا المبلغ المالي يشكل نصف الأموال المتاحة في الميزانية الألمانية الفيدرالية الحالية للمساعدات الإنسانية، وكان على الحكومة الألمانية "القبول بهذه التخفيضات المؤلمة للغاية" وفق إقرار سوزانه باومان -وزيرة الدولة في وزارة الخارجية الألمانية- أثناء تقديمها استراتيجية برلين الجديدة حول كيفية مساعدة عدد متزايد من المحتاجين بموارد أقل.
ووفقا لسوزانه باومان فإنها هي نفسها ما زالت تحاول -في مفاوضات الميزانية- الدفع نحو تخصيص المزيد من الأموال للمساعدات لكنها تؤكد أن احتمالات حدوث زيادة في تمويل المساعدات ضئيلة نظرا للضغوط الدافعة في اتجاه توفير الأموال.
"خطة لجعل المساعدات أكثر كفاءة"
تعتزم وزارة الخارجية الألمانية إعادة تنظيم مساعداتها الإنسانية للخارج بشكل استراتيجي وجعلها بذلك أكثر كفاءة، وللقيام بذلك تريد الاعتماد بشكل أكبر على المنظمات المحلية -في البلدان المستهدَفة بالمساعدات- والتنسيق بشكل أفضل مع الدول المانحة الأخرى والحد من البيروقراطية والضغط من أجل تقليل دور وكالات الأمم المتحدة التي تنظم المساعدات محلياً في البلدان الممنوحة، علماً بأن غالبية أموال المساعدات تُدفَع حالياً من خلال وكالات الأمم المتحدة مثل برنامج الأغذية العالمي أو منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
وبالإضافة إلى ذلك فإن من المقرر -وفقاً لوزيرة الدولة الألمانية سوزانه باومان- تخصيص المزيد من الأموال لـ"المساعدات الإنسانية الوقائية"، فإجمالاً بالإمكان التنبؤ بكثير من الأزمات والكوارث قبل وقوعها "وإذا قمنا بالتخطيط الوقائي مسبقاً فمن شأن هذا توفير أموال طائلة"، مثلاً: بتسليم إمدادات الإغاثة إلى المناطق المتضررة قبل حدوث فيضان أو اندلاع حرب.
ومن المعتزَم أيضاً تعزيز الدبلوماسية الإنسانية وتستشهد الخارجية الألمانية كمثال على ذلك بالرحلات الإحدى عشرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى إسرائيل منذ نشوب حرب غزة 2023، فهذه الرحلات -وفق التصريحات الحكومية الألمانية- لعبت أيضاً دوراً في تحقيق وصولٍ أفضل للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وإمداد السكان الفلسطينيين إغاثياً.
الدول المانحة الأخرى تخفض المساعدات أيضاً
ووفقاً لوزارة الخارجية الألمانية يعتمد حوالي 310 ملايين شخص على المساعدات المقدمة من الجهات المانحة الدولية، وهذا المنحى آخذ في الازدياد وهو متعلق بالمساعدة في حالات الكوارث الطبيعية والحروب ونزوح اللاجئين ولا شأن له بمشاريع المساعدات التنموية طويلة المدى، علماً بأن المساعدات الألمانية متركزة حالياً على أوكرانيا وغزة والسودان وسوريا واليمن وميانمار، ولكن في حين ترتفع أعداد المحتاجين تنخفص أموال المساعدات.
وهذا "صراع كلاسيكي" أي أنه معروف ومعهود ومعتاد -وفق ما ترى وزيرة الدولة الألمانية سوزانه باومان- فألمانيا ليست وحدها التي تعاني من هذه المشكلة، بل أيضا ثمة دولتان مانحتان رئيسيتان أيضاً هما بريطانيا وفرنسا قامتا بإجراء تخفيضات في مساعداتهما الإنسانية للخارج، وتضيف سوزانه باومان متذمرةً: "الأموال متناقصة هنا في ألمانيا وكذلك في الكثير من البلدان الشريكة، وهذا لا يحسِّن الأحوال".
يُذكَر أن أكبر جهة مانحة دولية للمساعدات الإنسانية هي الولايات المتحدة الأمريكية وتأتي ألمانيا -حتى الآن قبل تخفيض مساعداتها- في المركز الثاني يليها الاتحاد الأوروبي في المركز الثالث، غير أن تقديرات وزارة الخارجية الألمانية تشير إلى أن ألمانيا باقية على الأرجح في المرتبة الثانية رغم انخفاض تمويلها للمساعدات إلى النصف وهذا يعود إلى أن الجهات المانحة الأخرى تجري تخفيضات مماثلة أيضاً. يشار إلى أن الدول المانحة للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء العالم أنفقت حوالي 32 مليار يورو في عام 2023 للمساعدات في حين أن الحاجة الماثلة على أرض الواقع في ذلك العام بلغت 45 مليار يورو.
ورأت وزيرة الدولة الألمانية أن من المهم تحفيز المزيد من الدول المانحة على تقديم المساعدات -على سبيل المثال: دول الخليج العربية الغنية- متذمرةً من أن الكثير من الدول -بما فيها دول الاتحاد الأوروبي الغنية- لا تضع المساعدات الإنسانية على رأس قائمة أولوياتها، ومشددةً -في ظل الموارد المحدودة- على أهمية تركيز الدول المانحة تركيزاً أكبر على جيرانها وعلى الصراعات التي قد تكون لها عواقب على هذا الدول المانحة نفسها، موضحةً أن هذا هو سبب انخراط أوروبا القوي في أوكرانيا وأفريقيا والشرق الأوسط في مقابل توجُّه الولايات المتحدة وكندا بشكل أكبر نحو أمريكا اللاتينية.
لكنْ نتيجةً لتركُّز الموارد -المتاحة غير الكافية- على الأزمات الكبرى ينشأ خطر عدم أخذ احتياجات مناطق أخرى بعين الاعتبار وفق انتقادات فيرينا كناوس من منظمة "اليونيسف" في برلين: "فالأزمات الخَمْس الكبرى وحدها تتطلب خمسة مليارات يورو سنوياً، ولكن توجد أزمات أخرى تمر [مرور الكِرام] دون أن يلاحظها أحد، ففي بوركينا فاسو -مثلاً- يُتَكَفَّل بنسبة ستة في المئة فقط من احتياجات المساعدات الإنسانية الفعلية هناك".
المحمود والمذموم في الاستراتيجية الألمانية الجديدة
استراتيجية وزارة الخارجية الألمانية -الرامية إلى تحسين دمج منظمات الإغاثة المحلية وتمويلها بسهولة أكبر- تحظى بموافقة ناشطة ميدانية -اسمها غريس مومو مويما- تنظم مشاريع المساعدات الإنسانية في الصومال بدعم من ألمانيا، فقد أوضحت هذه الناشطة -عبر مكالمة فيديو من نيروبي عاصمة كينيا- أن "تعزيز عمل الكيانات المحلية أمر بالغ الأهمية، لأن هذه الهياكل تفهم السياق المحلي والثقافة المحلية بشكل أفضل بكثير. لذلك من الأفضل للمانحين تمويل هذه المنظمات المحلية بشكل مباشر".
ومع ذلك تنتقد رابطة سياسات التنمية والمساعدات الإنسانية -المتعلقة بالمنظمات الألمانية غير الحكومية- "فينرو" انتقاداً شديداً خفض وزارة الخارجية الألمانية أموال المساعدات الألمانية للخارج إلى النصف، ويشدد مديرها العام آسا مانسون على أن "المساعدات التنموية والإنسانية ليست نوعاً مما يُستَحسَن فعله فحسب بل إنها من أكثر وسائل ألمانيا فعاليةً من أجل مواجهة الأزمات العالمية".
وتحذر بعض منظمات الإغاثة من مزج سياسة المساعدات الإنسانية بسياسات الهجرة أو بالأهداف السياسية الخارجية الأخرى أو الخلط فيما بينها مشددةً على ضرورة استناد هذه المساعدات إلى احتياجات الأشخاص المتضررين الفعلية وليس إلى توجهات النظام السياسي الذي يعيشون فيه أو المصالح المبتغاة منه.
من جانبهم قال دبلوماسيون في وزارة الخارجية الألمانية إن الالتزام بالمبادئ الإنسانية مستمر بطبيعة الحال لكنهم أيضاً في الوقت نفسه أكدوا على أهمية وضع المصالح السياسية لألمانيا في عين الاعتبار في سياق المساعدات الممنوحة، فالمساعدات الإنسانية "لا يمكن تقديمها إلى الفراغ"، فمثلاً يصعب حالياً تنظيم المساعدات بشكل خاص إلى أفغانستان بسبب عدم وجود اتصالات مباشرة بين ألمانيا وحُكَّام طالبان، بحسب قول هؤلاء الدبلوماسيين الألمان.
أعده للعربية: علي المخلافي