ما هي آفاق "الحرب المائية" بين مصر وإثيوبيا؟
١٨ يونيو ٢٠١٣منذ عقود خلت ومصر وإثيوبيا في صراع دائم على حقوق مياه النيل. وقد سبق وأن أعلن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أن "ي تقييد لتدفق مياه النيل من قبل إثيوبيا "سيضطر بلادنا للمواجهة من أجل الدفاع عن حقوقنا وحياتنا". وكذلك خلفه محمد مرسي الذي قال: "نحن لا نريد الحرب، ولكننا نبقي جميع الخيارات مفتوحة". ومن إثيوبيا جاء الرد في ذلك الوقت من رئيس الوزراء ميليس زيناوي، الذي قال: "إذا أرادت مصر أن تمنع إثيوبيا من استخدام المياه، فعليها أن تحتل بلادنا – وهذا ما لم يستطع أي بلد في التاريخ فعله". ثم تصريح خليفته هايله مريم ديساليغنه، الذي قال مؤخراً: "لا أحد ولا شيء" سيوقف بناء السد.
سد عملاق
ويشير المشروع إلى سد ضخم للغاية، "سد النهضة العظيم"، الذي يجري بناؤه حالياً على المنابع الإثيوبية للنيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية. وبهذا أغضبت إثيوبيا مصر، التي تخشى على حصتها من المياه. وعلى عكس السدود ومشاريع الري السابقة، التي لم تتسبب في مثل هذه الأزمة، فإن حجم وقدرة المشروع العملاق والمبلغ المرصود لإتمامه الذي يقدر بـ4.2 مليار دولار، سبب مخاوف كبيرة بين السكان.
وإذا انتهى بناء السد، فينتظر أن تولد التوربينات الموجودة به 6000 ميغاواط من الكهرباء، ما يجعل من إثيوبيا أكبر منتج للطاقة في القارة الإفريقية. ولذلك، فإن المشروع يمثل للحكومة في أديس أبابا أهمية مشابهة لما يمثله سد القفلات الثلاث في الصين، فهو مشروع هيبة سياسية، لذلك، دُعي موظفو القطاع العام للمشاركة في تمويله، كما جرى الطلب من المواطنين الإثيوبيين الذين يعيشون في المهجر أن يقرضوا الحكومة وأن يستثمروا في بناء هذا السد. وتصر الحكومة على أنه يمكنها أن تبني السد العملاق من مواردها الخاصة – ولم تقبل إلا بقرض من الصين بقيمة مليار دولار من أجل تقديم الكهرباء اللازمة لبناء السد.
نزاع قديم على المياه
أساس النزاع على المياه بين مصر وإثيوبيا يعود إلى اتفاقيتين، الأولى تعود لعام 1929 والثانية لعام 1959. في ذلك الوقت، تعهدت سلطات الانتداب البريطاني بتخصيص كامل مياه النيل لمصر والسودان من أجل الاستخدام الزراعي. كما حصلت مصر على حق الفيتو ضد أي مشروع بناء سدود. الشيء المزعج لإثيوبيا هو أنه على الرغم من كون النيل الأزرق ينبع من أراضيها، إلا أنه يمر في المرتفعات فقط، ولا تستفيد منه في مجال الزراعة في السهول إلا على نطاق ضيق جداً. الوضع مختلف في مصر، حيث يمر نهر النيل – الناتج عن اندماج النيلين الأبيض والأزرق – بتدفق قوي وغني بالمياه، استفادت منه مصر كثيراً في مجال الزراعة. أما في إثيوبيا، فما زالت المجاعة موجودة منذ القدم ويعاني منها الملايين.
والآن جرى بالفعل الانتهاء من تشييد حوالي 20 في المئة من سد النهضة. وفي شهر مايو/ أيار المنصرم، بدأ الإثيوبيون فعلياً بتحويل مسار النهر إلى سرير جديد للسماح ببناء السد، ما أدى إلى قرع ناقوس الخطر في القاهرة. وكان قد سبق للجنة من الخبراء مؤلفة من عشرة أعضاء، والقاهرة كانت بالمناسبة حاضرة فيها أيضاً، أن أكدت أنه لا داعي لخشية مصر من العواقب طويلة الأمد على مخزونها من المياه. الأمر أكيد أن محطات توليد الكهرباء على السد لن تخفض كمية مياه نهر النيل على المدى الطويل.
هل بدأت تقرع طبول حرب المياه؟
ومع ذلك، فقد تطور النزاع الآن إلى معركة تشكيك دبلوماسية. فقد ظهر سياسيون مصريون في نقاش على شاشة التلفزيون على الهواء مباشرة حول أفكار من قبيل تفجير السد أو تقديم دعم موجه للجماعات الإثيوبية المعارضة. وفي وقت لاحق تم الإعلان عن أنهم لم يكونوا يعلمون بأن الكاميرات تصور.
ولكن عموماً، هناك شك بأن يكون الأمر برمته لا يتعلق بمياه النيل، وإنما بوضع القيادة في كلا البلدين: أي الرئيس المصري مرسي ورئيس الوزراء الإثيوبي ديساليغنه. فكلاهما لا يحظى بشعبية كبيرة في بلده – وخاصة في أوساط الشباب. ويريدان من خلال الشعارات الشوفينية قرع طبول الحرب ورفع شعبيتهما. وعلى الرغم من الهجمات اللفظية المتبادلة بين القاهرة وأديس أبابا، إلا أن الخبراء يستبعدون تماماً احتمال اندلاع حرب. فالجيش المصري يعاني من سوء التجهيزات مقارنة بالجيش الإثيوبي، إضافة إلى حقيقة وجود مشاكل لوجستية لأن البلدين ليس لديهما حدود مشتركة. حول ذلك يقول الباحث البارز أشوك سوين من جامعة أوبسالا في السويد: "ثبت في الماضي بأن تهديدات القاهرة بأنها ستدمر السدود مجرد 'خدعة'".
هل من حلول؟
في غضون ذلك، عرض الاتحاد الإفريقي التوسط بين البلدين – لكن أديس أبابا رفضت الأمر رفضاً قاطعاً. هذا وينتظر أن يزور وزير الخارجية المصري أديس أبابا خلال الأيام المقبلة. لكن متحدثاً باسم الحكومة الإثيوبية وجه رسالة مسبقة لمصر بأن إثيوبيا "لن ترهبها الحرب النفسية التي تقوم بها مصر"، ولن تتوقف ولو "ثانية واحدة" عن بناء السد. هذا ليس كل شيء، فقد صدق البرلمان الإثيوبي بالإجماع يوم الخميس (13 يونيو/ حزيران 2013) على اتفاقية عنتيبي – المبرمة عام 2010 – والتي تنهي العمل بالاتفاقيات القديمة التي تعود لعصر الانتداب، لتحرم بذلك مصر من حقها في الحصول على نصيب الأسد الذي كانت تتمتع به من مياه نهر النيل. وإثيوبيا ليست الوحيدة، فقد صدقت دول "نيلية" أخرى على الوثيقة، هي رواندا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وبوروندي. كما أن جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان تعتزمان الانضمام للاتفاقية، وإريتريا بصفة مراقب. أي أن الأوضاع الإقليمية تبدو غير جيدة بالنسبة لمصر.
لكن هناك حل عملي يتم الترويج له منذ عدة عقود: لمَ لا تقوم مصر بالاستفادة من المياه لأغراض الزراعة بطريقة أكثر كفاءة وتوفير؟ فحتى الآن يجري التفريط بهذا السائل الثمين من خلال الري بالطرق التقليدية القديمة. وهكذا، فإن الخسائر الطفيفة المحتملة التي ستحدث نتيجة بناء سد إثيوبيا يمكن تعويضها عبر الجهود الذاتية. لكن المشكلة هي أن الناخب المصري لن ينظر إلى هذه الاقتراحات والحلول نظرة جيدة.