ما قصة اليسارية الألمانية "لينا إي" المتهمة بالتطرف؟
١ يونيو ٢٠٢٣أجرت إدانة طالبة ألمانية في عامها الثامن والعشرين بتهمة تأسيس منظمة إجرامية وارتكاب ست هجمات خطيرة على عناصر من النازيين الجدد في واقعة استثنائية من حركات اليسار المتشدد في البلاد. واندلعت أعمال شغب في ألمانيا مساء الأربعاء أول يونيو/ حزيران 2023 بعد أن أصدرت محكمة في مدينة دريسدن شرقي البلاد حكما على طالبة يسارية بسبب هجمات عنيفة على يمينيين. وتجمع نحو 300 شخص في مدينة بريمن شمالا ثم هاجموا الشرطة "بسرعة وفجأة" بحسب متحدثة باسم الشرطة. وقالت إنه تم إطلاق زجاجات وحجارة على عناصر الشرطة بينما أطلق آخرون الألعاب النارية.
ونصحت الشرطة المواطنين بتجنب المنطقة لكنها لم تذكر ما إذا كان أي شخص قد أصيب. وكانت أعمال الشغب فيما يتعلق بالحكم متوقعة بالفعل. ووفقا لشرطة بريمن، أعلنت الجماعات اليسارية المتطرفة عن أعمال إجرامية واحتجاجات في عدة مدن، بما في ذلك بريمن، في حالة الإدانة.
وصدر حكما ضد "لينا أي" بالسجن لمدة خمس سنوات وثلاثة أشهر، غير أنها أُخبرت بأنها لن تضطر للعودة إلى السجن إلا إذا خسرت الاستئناف. وقد حُكم على المتهمين الثلاثة الأخرين من رفاقها بالسجن حوالي ثلاث سنوات لكل منهم.
وجرى استقبال الحكم الذي صدر الأربعاء بتصفيق حار من المتهمين حيث قاموا بالتلويح لأصدقائهم وذويهم المتواجدين في قاعة المحكمة بمدينة دريسدن ثم قاموا بوضع لافتات على وجوههم كُتب عليها عبارة "أطلقوا سراح أعضاء حركة "أنتيفا" في إشارة إلى منظمة يسارية تناهض الأفكار الرأسمالية والفاشية والنازية واليمين المتطرف. وبمجرد وصول "لينا أي" إلى قاعة المحكمة، تزايدت حدة التصفيق مع وقوف الحاضرين باستثناء الصحافيين.
ومع بدء قراءة الحكم، سادت حالة من الهرج قاعة المحكمة مع سماع هتافات مؤيدة لليسار فيما دعا القاضي إلى الهدوء حتى يتمكن من قراءة الحكم، قائلا: "من يرغب في سماع أسباب النطق بهذا الحكم، عليه البقاء". غير أن شخصا أقدم على مقاطعته، قائلا: "أنتم أصدقاء الفاشيون!" فيما قال آخر "ما يحصل اليوم يدل على العدالة الطبقية!"
وعلى وقع ذلك، دعا القاضي على الفور إلى استراحة لمدة 15 دقيقة توفر لعناصر الأمن فرصة لإبعاد الأشخاص الذين رددوا صرخات داخل قاعة المحكمة. وقال القاضي إنه رغم اعتبار الدوافع السياسية التي دفعت المتهمين لارتكاب جرائمهم مبررة في إطار محاربة التطرف اليميني، إلا أن هذا لا يقلل من خطورة جرائمهم، منتقدا في الوقت نفسه وصف محامي الدفاع المحاكمة بأنها تأتي في إطار "العدالة السياسية".
وسعى القاضي إلى الدفاع عن نظام القضاء في ألمانيا، مستشهدا في ذلك بإصدار المحكمة ذاتها أحكام إدانة عديدة ضد متطرفين يمينيين في قضايا عنف خلال السنوات القليلة الماضية، لكن دفاعه قوبل مرة أخرى بالسخرية والاستهزاء من الحضور في القاعة.
محاكمة طويلة
وقال الإدعاء إن "لينا إي" والمتهمين الثلاثة الآخرين وهم "لينارت أي" و "فيليب أم" و "يانس آر" قاموا بتنفيذ سلسلة من الهجمات على عناصر من النازيين الجدد في ولايتي تورينجين وساكسونيا في شرق البلاد بين عامي 2018 و2020 بما في ذلك هجومان على متطرف يميني متشدد سيء السمعة يُدعى "ليون آر" جرى اعتقاله بتهمة تشكيل منظمة متطرفة يمينية متشددة. وتُظهر التحقيقات أن مجموعة "لينا آي" هاجمت حانة يرتادها نازيون جدد في بلدة أيزناتش أواخر عام 2019 حيث قاموا بضرب "ليون آر" بالمطارق والهراوات فيما تكرر الأمر بعد فشل الهجوم الأول وتعرض نازيون جدد آخرون لإصابات.
تناقض الأدلة
استند جزء كبير من الادعاء على شهادة احد أعضاء مجموعة "لينا آي" الذي تحول إلى شاهد ملك في إشارة إلى "يوهانس دي"، البالغ من العمر 30 عاما، التي قال أمام محكمة "دريسدن" العليا إن المتهمين الأربعة قد تدربوا تحديدا على شن هجمات على عناصر من اليمين المتطرف، لكنه عندما مُثل أمام محكمة في بلدة مينينجن في فبراير/ شباط الماضي قال إن التدريبات لم تتجاوز ممارسة فنون الدفاع عن النفس.
وأصدرت محكمة مينينجن حكما بحق "يوهانس دي" بالسجن 18 شهرا مع وقف التنفيذ مما زاد من التكهنات بأنه قدم شهادة ضد "لينا إي" لتخفيف عقوبته إذ تعد قضية التدريب على شن هجمات من بين أسس الحكم الذي صدر بحقها.
الشحن السياسي
تسببت القضية في إثارة توترات سياسية حيث قالت عناصر من اليسار المتطرف في مدينة لايبزيغ، مسقط رأس "لينا إي"، إن الشابة اليسارية كانت بمثابة "كبش فداء" فيما يزعم آخرون أن نظام العدالة متساهل للغاية مع مرتكبي جرائم ضد النازيين الجدد.
بدوره، يرى هندريك هانسن، المتخصص في التطرف والأستاذ في الجامعة الفيدرالية للعلوم الإدارية التطبيقية في مدينة برويل الألمانية، أن وسائل الإعلام قللت من شأن مخاطر تطرف الحركات اليسارية. وفي مقابلة مع DW، قال إن "المحاكمة تعد نموذجا ناجحا إذ نواجه في منطقة مدينة لايبزيغ، ظهور هياكل سرية مترابطة بشكل جيد للغاية بالمشهد المتطرف اليساري ممن يستخدمون أساليب جديدة".
وأضاف هانسن إنه من الواضح أن المجموعة المرتبطة بـ "لينا إي" يمكن تصنيفها على أنها منظمة إجرامية وأيضا ككيان إرهابي، مضيفا "هذه المجموعة كانت تخطط لتنفيذ هجمات بدقة شديدة لدرجة أن عناصرها كانت تستخدم التكنولوجيا المناسبة مثل الهواتف المحمولة التي تستخدم لمرة واحدة. وكان لديهم كشافة يتجسسون فيما جرى تقسيم المهام بينهم بدقة شديدة".
وأشار إلى أن الأدلة أظهرت أن هذه المجموعة لم تكن تخطط فقط لشن اعتداءات عن طريق استخدام أساليب قتال الشوارع بل لتنفيذ اعتداءات تستهدف إصابة الضحايا بجروح خطيرة أو حتى تؤدي بحياتهم، مضيفا "الإرهاب هو استخدام العنف بدوافع سياسية لنشر الخوف والرعب بين العامة أو داخل مجموعة معينة من الناس".
من هي "لينا إي"؟
ولدت "لينا إي" في مدينة كاسل بوسط ألمانيا فيما أبدت اهتماما كبيرا بعملها كأخصائية اجتماعية تعمل مع الشباب المحرومين، حيث كتبت خلال دراستها مقالات عن طريقة التعامل مع التطرف اليميني المتشدد بين الشباب.
يشار إلى أن مدينة كاسل تقع في ولاية هيسن حيث هناك حضور قوي لليمين المتطرف وكانت عام 2006 مسرحا لإحدى الجرائم التي نفذتها منظمة إرهابية يمينية تسمى " القومية الاشتراكية السرية". وجرى الكشف عن انغماس "لينا إي" بالسياسة بعد الكشف عن المنظمة عام 2011 مما تسبب في جدل كبير وتحقيقات في جميع أنحاء البلاد حيال إخفاقات تطبيق القانون والعمل الاستخباراتي.
أمضت "لينا إي" العامين ونصف العام الماضيين منذ اعتقالها في سجن بمدينة كيمنتس حيث يقضى العضو الوحيد المتبقي على قيد الحياة في منظمة "القومية الاشتراكية السرية" عقوبة السجن. وقال الإدعاء إن "لينا إي" مازالت تشكل خطر كبيرا خاصة أنها لم تُظهر أي علامات تدل على ندمها أو حتى على النأي بنفسها عن ايديولوجيتها اليسارية المتطرفة.
يشار إلى أن محامي الدفاع عن "لينا إي" اتهم الإدعاء العام بوضع افتراضات متحيزة ضدها بما في ذلك محاولة ربط اسمها بمسرح إحدى الجرائم بسبب العثور على آثار الحمض النووي لشريكها الهارب "يوهان جي."، مضيفا أنه لا يوجد أي دليل مباشر يربط آثار الحمض النووي التي وجدت في موقع شهد هجمات ضد النازيين الجدد من جهة وبين "لينا إي" من جهة أخرى.
بن نايت / م. ع