ألمانيا.. خطر اليمين المتطرف أكبر تهديد للأمن
٥ مايو ٢٠٢١سجل المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا (BKA)، إحدى عشرة جريمة قتل بدوافع سياسية عام 2020 راح ضحيتها أحد عشر شخصا. منهم تسعة ضحايا في هجوم نفذه يميني متطرف على مقهى للشيشة في مدينة هاناو. وهذا تطور يثير القلق بحسب وزير الداخلية، هورست زيهوفر، لأن عدد ونسبة الجرائم ذات الدوافع السياسية بمختلف أصنافها قد ازدادت أيضا. فقد تم تسجيل 44 ألف جريمة في هذا الإطار، وهو رقم قياسي منذ بدء إحصاء هذا النوع من الجريمة عام 2001. و85 بالمائة من جرائم اليمين المتطرف تصنف ضمن جرائم الكراهية والتحريض والإهانة والدعاية.
وقال زيهوفر "إن هناك ميل واضح للعنف/ الوحشية في بلدنا" معلقا على زيادة نسبة الجريمة في هذا المجال بـ 8,5 بالمائة. ويعتبر عدد الجرائم مقياسا للمزاج العام في المجتمع، وخاصة في عام 2020 "لأن الاستقطاب السياسي قد زاد في ظل جائحة كورونا". وقبل أن يتطرق وزير الداخلية للتطرف في احتجاجات كورونا، أشار إلى ميل ثابت تجاه العنف: فبعد مقتل السياسي المحلي فالتر لوبكه والهجوم على الكنيس اليهودي في هاله، جاء هجوم هاناو وهو الثالث لليمين المتطرف خلال أشهر قليلة. "وهذا يشير إلى أن اليمين المتطرف هو التهديد الأكبر للأمن في بلدنا" حسب زيهوفر. فحوالي 53 بالمائة من الجرائم ذات الدوافع السياسية، تعود لليمين المتطرف. ورغم الأرقام "المحزنة" أعرب وزير الداخلية عن سعادته بنجاح التحقيقات والملاحقات لهذه الجرائم.
ما دور الشرطة في رسائل التهديد؟
تم إلقاء القبض على مشتبه به في إرسال خطابات تهديد باسم مستعار "NSU 2.0" عبر البريد الالكتروني والفاكس ورسائل "إس إم إس" إلى أشخاص ذوي أصول مهاجرة وغير مهاجرة، وبين من تلقوا رسائل التهديد ساسة وصحافيون والمحامية سيدا يلديز، التي تمثل أقارب الضحايا في محاكمة "الخلية النازية NSU".
لكن لم يتضح حتى الآن أي دور لعبه شرطيون في فرانكفورت فيما يتعلق برسائل "NSU 2.0"، حيث تم الحصول على أسماء وأرقام هواتف ومعلومات شخصية من تلقوا رسائل التهديد، من أجهزة حاسوب الشرطة في فرانكفورت.
"هذا ما لم يتضح تماما حتى الآن" قال رئيس المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة (BKA) هولغر مونش، حيث لا تزال التحقيقات جارية لكشف ملابسات القضية ودور الشرطة فيها. إذ يجب الانتظار حتى الانتهاء من "تقييم البيانات وما ستكشفه"، ويعني مونش بذلك جهاز كمبيوتر المشتبه به والذي تمت مصادرته لدى إلقاء القبض عليه في برلين، وهو ليس شرطيا.
مراقبة احتجاجات "التفكير الجانبي" ضد كورونا!
ورغم الارتياح للنجاحات في مكافحة جرائم اليمين المتطرف، يرى وزير الداخلية هورست زيهوفر، أن هناك إمكانية كبيرة للتصعيد من قبل اليمين. ومن وجهة نظره يتعلق ذلك بسياسة الحكومة لمكافحة وباء كورونا التي يؤيدها بشكل أساسي، ولكن الاحتجاجات ضد إجراءات مكافحة كورونا تعبير عن الديمقراطية الحية التي لا ينبغي أن يشك فيها أحد، حسب زيهوفر.
لكن "بالنسبة للدوائر الأمنية فإن الإشكالية هي التحالفات الجديدة (في سياق الاحتجاجات) بين محتجين عاديين وأنصار نظرية المؤامرة ومناهضي التلقيح ومواطني الرايخ وغيرهم من المتطرفين". وبالنظر إلى هذا الوضع المعقد والمتداخل، يرى وزير الداخلية أنه أمر مهم وصحيح مراقبة هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية) للمشهد عن كثب، وخاصة لحركة "التفكير الجانبي"، وهذا ينطبق على المجالات الأخرى المتعلقة بالجرائم ذات الدوافع السياسية سواء لليمين واليسار المتطرفين أو الإسلاميين.
ورغم زيادة نسبة جرائم اليسار المتطرف أيضا بنفس القدر كما اليمين المتطرف، لكن من حيث العدد فجرائم اليسار تشكل حوالي نصف جرائم اليمين. وخلاصة رأي زيهوفر هي أن هناك "حالة تهديد عالية بشكل عام".
ثناء وانتقاد!
لكن ما مدى أهمية وقوة الأرقام فيما يتعلق بالجرائم ذات الدوافع السياسية؟ أمر محل خلاف وجدل. إذ يرى ألكسندر دايكه، من مركز أبحاث "التشدد اليساري Linke Militanz" في غوتنغن، أنها مهمة جدا من ناحية "لأنها تمكن من معرفه الاتجاه العام على المدى الطويل". وبذلك فإن لدى ألمانيا بالمقارنة على المستوى العالمي "أداة مفصلة جدا لتقييم الوضع".
لكن ومن ناحية أخرى، فيما يتعلق بالإحصائيات والأرقام، من الضروري النظر إلى الأرقام وتقييمها بعين ناقدة، حسب رأي دايكه في حواره مع DW، حيث أن الأرقام مأخوذة من إحصاء الجرائم التي تم تبليغ الشرطة بها، "بغض النظر عن نتائج التحقيق فيها". والإشكالي أيضا بحسب دايكه، هو تصنيف الجرائم من قبل الشرطة، حيث هناك جرائم من الصعب تصنيفها بشكل صحيح ضمن فئة محددة. فمثلا الهجمات وأعمال العنف التي يرتكبها اليسار غالبا ما تكون ضمن احتجاجات ضد مناسبات وأحداث عالمية كبيرة مثل المؤتمرات الدولية. فالعنف الذي رافق الاحتجاجات ضد قمة العشرين في هامبورغ عام 2017 هو مثال على الحالات التي يصعب تصنيفها بشكل دقيق. كما يعارض دايكه، موقف وزير الداخلية فيما يتعلق بالتصعيد في احتجاجات كورونا وأنه عمل تم التخطيط له بسرية من قبل مجموعات صغيرة. ويقول "مع الأسف تبقى أجهزة الأمن مدينة بتقديم الأدلة على ذلك".
المنظمات المدنية تسجل عددا أكبر بكثير من الجرائم!
عدة منظمات مدنية أيضا انتقدت إحصائيات وزارة الداخلية المتعلقة بالجريمة. جوديت بورات، من اتحاد مراكز المتضررين من عنف اليمين والتمييز ومعاداة السامية (VBRG) قلقة من التضارب الكبير بين أرقامها وأرقام دوائر تنفيذ القانون فيما يتعلق بجرائم التطرف.
ففي حين أن المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة أشار في إحصاءاته إلى 0,9 هجوم لكل 100 ألف شخص، تشير أرقام منظمة الباحثة بورات إلى 3,6 هجمات لكل 100 ألف شخص. وردا على سؤال لـ DW يقول رئيس مكتب مكافحة الجريمة عن هذا التضارب في الأرقام بأنه "مأزق"، لكن يمكن التعايش معه في النهاية.
مارسيل فورستناو/ عارف جابو