ما سر نجاح أطباء من بلدان عربية بمزاولة مهنتهم في ألمانيا؟
٢ نوفمبر ٢٠٢٢تعاني ألمانيا من نقص متزايد في الأطر الطبية، لهذا تحاول استقطاب الأطباء من بلدان أخرى بما فيها البلدان العربية. وقد تضاعف عدد الأطباء القادمين من خارج ألمانيا إلى خمس مرات تقريباً في الـ 25 عاماً الماضية، بحسب آخر إحصائيات اتحاد غرف الأطباء الألماني. ففي عام 2020 ارتفع عدد الأطباء القادمين من خارج ألمانيا بنحو 1057 طبيباً وطبيبة بزيادة قدرها 2 بالمائة تقريباً.
ويأتي عدد كبير من الأطباء المهاجرين من بلدان عربية، على رأسها سوريا، بما مجموعه 5404 أطباء وطبيبة. من بينهم 4314 يعملون في المستشفيات الألمانية، والباقي في العيادات الخارجية أو الخاصة في مختلف أنحاء ألمانيا.
"وصفة نجاح"
يمر الأطباء من خارج الاتحاد الأوروبي بعدة مراحل للتمكن من مزاولة مهنة الطب في ألمانيا. أولى هذه المراحل هو تعلم اللغة والمصطلحات الطبية الألمانية واجتياز اختبار المؤهلات المهنية وكذلك التقدم بطلب للحصول على ترخيص يخول للطبيب ممارسة المهنة بشكل مؤقت في البداية، وبعدها يتحول إلى ترخيص دائم يسمى Approbation باللغة الألمانية.
هذه المراحل اجتازها الطبيب المغربي الشاب، محمد مهداوي علوي، منذ وصوله ألمانيا أواخر عام 2020. وفي حواره مع DW عربية تحدث عن بداياته مع دراسة اللغة الألمانية وهو لا يزال في المغرب. بعدها درس اللغة الطبية الألمانية في مدينة فرايبورغ الألمانية. وبعد اجتيازه امتحان اختبار المؤهلات المهنية في مدينة فرانكفورت، حصل على ترخيص للعمل مدة عامين في نواحي مدينة فرانكفورت وفي الوقت نفسه كان يحضر للاختبار المهني الثاني الذي يخول الأطباء من خارج الإتحاد الأوروبي العمل بشكل دائم في جميع أنحاء ألمانيا. بعد اجتيازه اختبار المؤهلات المهنية الثاني، بدأ الطبيب المغربي تخصصه في مجال طب الأشعة بمدينة زيغن الألمانية.
هذه المراحل اجتازها الطبيب المغربي بنجاح، لكن لم تخل من بعض الصعوبات، التي أشار إليها بقوله إن "دراسة الطب في المغرب كانت باللغة الفرنسية وهنا كل شيء تحول إلى اللغة الألمانية". وتابع حديثه عن الصعوبات التي قد تواجه من يرغب في مزاولة هذه المهنة في ألمانيا بأن "الصعوبات قد تكمن بالأخص في اللغة الطبية الألمانية. إذ على الطبيب أن يكون ملما بالمصطلحات الطبية باللغة الألمانية للتواصل مع زملائه والمرضى". لكن الطبيب المغربي لاحظ تحسن لغته الألمانية يوما بعد يوم، كما أن ما ساعده في اندماجه أيضاً هو تفهم الألمان، كما قال.
المفتاح هو اللغة الطبية الألمانية!
وصفة الطبيب السوري، أحمد نزال للنجاح في مهنة الطب في ألمانيا لا تختلف عن زميله المغربي مهداوي علوي. فمنذ أن وطأت قدماه ألمانيا عام 2015، وهو يدرك أهمية تعلم اللغة الألمانية لتحقيق حلمه بممارسة الطب هنا. حيث قدم من سوريا وهو طبيب مختص في أمراض النساء والتوليد، لكن في ألمانيا عمل بداية في مجال التمريض. وعن هذه المرحلة يقول لـDW عربية: "تلك المرحلة ساعدتني كثيراً وبالأخص في تعلم اللغة الألمانية. كما تمكنت من تكوين علاقات ساعدتني في عملي بعد ذلك".
ويضيف الطبيب السوري، الذي يشغل حاليا منصب طبيب استشاري بقسم أمراض النساء والتوليد في مستشفى بمدينة دارمشتات الألمانية: "البدايات جميعها صعبة، لكن ما أنصح به وبشدة هو تعلم اللغة الألمانية.. اللغة ثم اللغة ثم اللغة.. لأنها مفتاح التواصل ومفتاح كل الأبواب".
إلى جانب الإلمام الجيد باللغة الألمانية، كشف الطبيب السوري عن وصفته للطبيب الناجح، والتي تكمن حسب تجربته الشخصية في "شغف الطبيب بمهنته ومحاولته تعلم كل ما يتعلق بها في ألمانيا، لأن طبيعة العمل هنا تختلف عنها في سوريا وباقي البلدان العربية". كما ينصح الأطباء القادمين من خارج ألمانيا بـ "التحلي باللطف والانفتاح وتقبل آراء الآخرين والإتقان في العمل".
حجر عثرة في طريق الطبيب
في المقابل قد يتعثر بعض الأطباء القادمين من خارج ألمانيا لتعديل شهاداتهم وتعلم اللغة، وقد يستغرق الأمر سنوات بالنسبة للبعض. مثلما حدث مع طبيب الأسنان السوري، كابي مخول. فبعد اجتيازه امتحان اللغة الألمانية الطبية بنجاح، تفاجىء بقرار بدأ العمل به في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي بولاية ساكسونيا، ويقضي بتقسيم اختبار المؤهلات المهنية بالنسبة لأطباء الأسنان القادمين من خارج دول الإتحاد الأوروبي إلى ثلاثة أجزاء: كتابي وشفهي وآخر عملي. ويحق للطبيب االتقدم لهذه الاختبار ثلاث مرات فقط، بعدها يُحرم من تعديل شهادته ومزاولة مهنة الطب في جميع أنحاء ألمانيا.
هذا الاختبار بالضبط هو ما شكل "حجر عثرة" في طريق الطبيب السوري، كما أوضح في حديثه لـDW عربية وقال "كنت قد بدأت للتو الدراسة والتحضير للاختبار، وحصلت على موعد. المشكلة أن الموعد كان قريباً للغاية، بحيث لم يسعفني الوقت للتحضير الجيد والنتيجة: رسبت. في المرة الثانية حدث معي نفس الشيء ورسب عدد كبير من الأطباء. وفي المرة الثالثة والأخيرة، بعد شهرين تقريباً، توقعت النجاح، لكن خطأ واحداً كان كفيلاً بحرماني من تعديل شهادتي في ألمانيا". وأضاف "خطة العلاج قد تختلف من طبيب لآخر، لكن هذا يعتبر خطأ لا يقبل فيه التسامح في ألمانيا".
يفشل العديد من الأطباء القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي في اجتياز امتحانات الحصول على ترخيص مهني يخولهم مزاولة مهنة الطب في ألمانيا. وكشفت دراسة استقصائية أجراها الموقع الإلكتروني الألماني "MDR Thüringen" بين الاتحادات الطبية الحكومية في ألمانيا أن معدل الرسوب في الاختبارات يتجاوز أحيانا الـ 50 بالمائة بين هذه الفئة من الأطباء.
ويرى كابي مخول أن نظام تعديل شهادات الأطباء من خارج الإتحاد الأوروبي، خاصة لأطباء الأسنان أنه "صارم" و"غير عادل" في بعض الأحيان. ناهيك عن التكلفة العالية للاختبارات التي يتحملها الأطباء وقد لا يستطيعون أحياناً توفيرها من عملهم فقط. ويضيف بأن "الأطباء قدموا إلى هنا للحصول على حياة أفضل، لكن حياتهم تتحول إلى جحيم بسبب هذه الاختبارات".
وقد حاول الطبيب السوري تعديل شهادته في النمسا مؤخراً، لكن طلبه رُفض. ويشير مخول إلى أن ما يجعل الاختبارات المهنية للأطباء صعبة، هو "عدم وجود نماذج حية عنها، كما أن وجود لجان مكونة من أطباء من مختلف الجامعات والولايات له دور أيضاً، بالإضافة إلى أن الطالب الراسب لا يحصل على تصحيح دقيق يوضح مكامن النقص لديه".
معرفة شيء عن كل شيء!
اختبار اللغة الطبية الألمانية هو اختبار جديد نوعاً ما، كما أوضح الطبيب التونسي، ناصر بن جلاب، من جمعية الأطباء التونسيين في ألمانيا، في حديثه لـDW عربية. وقال إن "هذا الاختبار تم إدراجه منذ سبع سنوات أو أقل من قبل لجان الأطباء الألمان. إذ لوحظ في السنوات الأخيرة وجود ضعف في اللغة الطبية الألمانية لدى الأطباء العاملين في ألمانيا".
لكن الطبيب التونسي أشار إلى نقطة مهمة، وهي أن الطبيب المترشح قد يتوقع اختبار لغته الطبية الألمانية، لكن من خلال ملاحظات عدد من الأطباء الذين اجتازوا هذا الاختبار، تبين لنا أنه يتضمن أسئلة عن الكفاءة والمعلومات الطبية. وهو أمر غير مفهوم!".
ويعزو بن جلاب سبب تعثر بعض الأطباء القادمين من بلدان عربية إلى عدة عوامل: أهمها اللغة الألمانية أوبالأحرى اللغة الطبية الألمانية. "ففي حالة الشك في قدرة الطبيب على إيصال المعلومة بالطريقة الصحيحة للمريض واحتمال تعرض الأخير للخطر، قد يكون ذلك سبباً كافياً للرسوب في الإختبار. والعامل الآخر هو أن الطبيب قد يرسب على الرغم من كفاءته وخبرته من بلده الأم لأن الاختبار قد يتضمن أسئلة من تخصصات أخرى. على سبيل المثال قد يسأل طبيب جراح عن طب الأمراض النفسية أو العكس. كما أن هناك عامل آخر يتعلق بمدى صرامة أو تساهل لجنة الإختبار" حسب الطبيب التونسي.
إيمان ملوك