ألمانيا: معادلة شهادة الصيدلة.. تحدٍّ للبعض و"عقدة" لآخرين
٣ سبتمبر ٢٠١٩منذ أربع سنوات ونصف يعيش الصيدلاني السوري ضياء الضاحي لاجئاً في مدينة زولينغن الألمانية، لكنه لم يتمكن من معادلة شهادته إلا منذ عدة أشهر.
يقول الضاحي (40 عاماً) لمهاجر نيوز: "رغم صعوبة الامتحان النهائي للمعادلة، إلا أنني استطعت النجاح من المرة الأولى"، مشيراً إلى أنه لا يسمح بتقديم الامتحان لأكثر من ثلاث مرات، ما يعني أن من يرسب في المرات الثلاث، لا يمكنه معادلة شهادته في ألمانيا وبالتالي سيضطر للبحث عن عمل آخر.
وهذه النقطة بالذات هي التي تؤرق الصيدلاني السوري دانييل أ. الذي رسب في الامتحان لمرتين ولم تبق أمامه إلا فرصة واحدة ليستطيع معادلة شهادته.
يقول دانييل، الحاصل على الدكتوراه في الصيدلة من أرمينيا، لمهاجر نيوز: "إذا لم أنجح في الامتحان ستضيع شهادتي والسنين التي قضيتها من أجل الحصول عليها"، ويضيف: "في الامتحان النهائي هناك لجان تطرح أسئلة خارج مجال اختصاصنا، ولا يستطيع الإجابة عنها إلا طبيب مختص!".
وقد كشف موقع "أبوتيكه أدهوك" المتخصص بشؤون الصيدلة أن الصيادلة السوريين والعرب كانوا في مقدمة الصيادلة الذين تم معادلة شهاداتهم في ألمانيا في عام 2018، حيث بلغ عددهم 303 صيدلاني من أصل 819 صيدلاني تم معادلة شهاداتهم في العام نفسه. وأشار الموقع إلى أن هذا الرقم الأخير يزيد عن عدد الشهادات التي تم معادلتها في عام 2017 بنسبة 77%.
كيفية المعادلة والشروط
وعن خطوات معادلة شهادة الصيدلة الأجنبية، يقول الصيدلاني السوري ضياء الضاحي: "يقدم المرء طلب معادلة لدى حكومة المقاطعة التي يقيم فيها أو لدى الحكومة المسؤولة عن المنطقة التي حصل فيها على موافقة مؤقتة للعمل من صاحب صيدلية أو شركة".
وعن شروط تقديم طلب المعادلة، بحسب الضاحي، فهي تتضمن توفر مستوى اللغة الألمانية B2 كحد أدنى بالإضافة إلى الشهادات التي حصل عليها الشخص من بلده والتي تثبت أنه كان صيدلانياً فيه. وتشمل هذه الشهادات، الشهادة الجامعية ومصدقة التخرج وكشف العلامات وشهادة حسن سلوك تثبت أن ليس عليه مخالفات في بلده، بالإضافة إلى ترخيص مزاولة المهنة في بلده إن وجد.
أما إذا لم يملك الشخص بعض الأوراق، مثل ترخيص مزاولة المهنة، خصوصاً في حال كان لاجئاً سورياً، يكفي أن يجلب ورقة من لدى ترجمان محلف تقول بأنه لا يستطيع جلب الترخيص من بلده، كما يشير الصيدلاني السوري.
بعد دراسة الطلب يحصل مقدمه على رسالة عما إذا كانت أوراقه كاملة أم لا، وفقاً للضاحي، وفي حال نقص بعضها يطلب منه إرسالها. وعند اكتمال الأوراق يتم تحويل اسمه إلى نقابة الصيدلة من أجل إجراء امتحان اللغة التخصصية. وقد يستغرق تحديد موعد للامتحان من تاريخ التقديم ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، كما يوضح الضاحي.
امتحان اللغة التخصصية
ويضيف: "امتحان اللغة التخصصية سهل نوعاً ما ويعتمد على اللجنة المشرفة"، مشيراً إلى أن كل لجنة تتألف من ثلاث أشخاص من نقابة الصيدلة.
ويتضمن امتحان اللغة محادثة مع مريض، حيث يلعب أحد الفاحصين دور المريض، بالإضافة إلى محادثة مع صيدلاني مختص، حيث يتم توجيه أسئلة اختصاصية له، فضلاً عن أسئلة في المصطلحات الطبية وكتابة بروتوكول أو تقرير طبي.
يقول الصيدلاني السوري: "يريدون فقط أن تكون لغتك مقبولة بحيث تستطيع التواصل مع الناس عند العمل في الصيدلية. فعندما تنجح في الامتحان يعطونك رخصة مؤقتة لمزاولة المهنة كصيدلاني تحت الإشراف لمدة عامين".
الصيدلاني تحت الإشراف يعمل في البداية كمساعد صيدلي، حسبما يذكر الضاحي، لكنه يشير إلى أنه قد يتم توسيع صلاحياته خلال هذه الفترة بحيث يقوم بالعمل الذي يقوم به الصيدلاني الألماني، وذلك في حال كانت لغته جيدة وكانت هناك حاجة لذلك.
امتحان "المعرفة" الصيدلانية
ويترواح راتب الصيدلاني الذي يكون تحت الإشراف ما بين 800 و1000 يورو، كما يشرح الضاحي، ويكون قابلاً للزيادة بحسب الصيدلاني المشرف أو صاحب الصيدلية.
وبعد الحصول على الرخصة المؤقتة لمزاولة المهنة والعمل تحت إشراف صيدلاني ألماني، يجب أن يقوم الصيدلاني الذي يريد معادلة شهادته بتحضير نفسه للامتحان الأخير والذي يعرف باسم "امتحان المعرفة" الصيدلانية. علماً أنه يمكن تقديم الامتحان في بعض الولايات الألمانية حتى بدون العمل تحت إشراف صيدلاني آخر، كما هو الحال في ولاية شمال الراين-ويستفاليا.
وهناك اختلاف آخر بين الولايات الألمانية من ناحية المواد التي على الشخص أن يدرسها من أجل الامتحان الأخير. ففي حين تقتصر هذه المواد في غالبية الولايات الألمانية، على مادتين هما "الممارسة الصيدلانية" و "قانون العمل الصيدلاني"، تضاف إليهما مادة ثالثة وهي "الصيدلة السريرية" في بعض الولايات، مثل ولايتي شمال الراين-ويستفاليا وساكسونيا السفلى.
وعندما ينجح الصيدلاني في الامتحان الأخير يمكنه مزاولة مهنته كصيدلاني في ألمانيا.
"العقدة الأكبر"
ويشكو كثير من الصيادلة الأجانب في ولاية شمال الراين-ويستفاليا من صعوبة الامتحان الأخير، مثل الصيدلاني المصري محمد معبد الذي وصل إلى ألمانيا بتأشيرة عمل في نهاية عام 2016. ورغم أن معبد (29 سنة) قدم الامتحان النهائي مرتين، إلا أنه لم ينجح فيه.
ويرجع الصيدلاني المصري، الذي يعيش في مدينة كريفليد، رسوب العديد من الصيادلة في الامتحان إلى "خلل" في نظام الامتحان نفسه.
ويقول محمد معبد لمهاجر نيوز: "لا يوجد أي مصدر واضح من أجل التحضير للامتحان، كما لا توجد نسب مئوية واضحة لكيفية تقييم الأجوبة"، ويتابع: "هناك أسئلة من مجالات تخصصية أخرى لا تتعلق بالصيدلة، كما أنه يتم تجاوز الوقت المخصص للامتحان والذي من المفروض أن يكون ساعة واحدة كحد أقصى".
وحتى بعض الصيادلة الذين لم يقدموا الامتحان النهائي بعد، يرونه "العقدة الأكبر"، كما يقول الصيدلاني السوري أحمد أ. لمهاجر نيوز.
ويضيف أحمد (34 عاماً): "قدمت امتحان اللغة التخصصية وكان سهلاً لأنه واضح، بخلاف الامتحان النهائي الذي يشبه البحر الذي يجب على المرء السباحة فيه"، مشيراً إلى أنه اطلع على الأسئلة التي وجهت لزملائه الصيادلة في الامتحان النهائي.
ويتابع الصيدلاني المقيم في مدينة كولونيا: "الأسئلة تكون خارج إطار المواد الثلاث التي من المفترض أن الصيدلاني يمتحن فيها فقط"، ويشرح: "هناك مبالغة بالجانب العلمي البحت والذي لا يحتاجه الصيدلاني في عمله اليومي".
كما يوافق أحمد زملاءه الآخرين بأنه "لا توجد آلية واضحة لتقييم الأجوبة"، مضيفاً أن كثيرين لا يعرفون لماذا رسبوا.
هذه الصعوبات دفعت مجموعة من الصيادلة السوريين إلى إنشاء مجموعة على تطبيق ويتساب يتناقشون فيها حول كيفية تعديل الشهادة ويتحدثون عن تجاربهم ليفيدوا بعضهم البعض كما يقول أحمد.
"النموذج السويدي؟"
ومن أجل مشاكل معادلة الشهادة يقترح أحمد وجود شخص رابع مستقل إلى جانب اللجنة من أجل توثيق الأسئلة والأجوبة، من أجل عرضها في حالات الاعتراض للجنة مختصة، والتأكد فيما إذا كانت الأسئلة ضمن نطاق المواد الثلاث أم لا.
ويرى أحمد الذي يتابع دراسة الدكتوراه أن حل مشكلة معادلة شهادات الصيدلة في ألمانيا يكمن في "النموذج السويدي"، ويتابع: "في جامعة أوبسالا السويدية هناك برنامج خاص بالصيادلة الذين يريدون معادلة شهاداتهم، ويستغرق فصلاً أو فصلين، حيث يراجع فيه الصيادلة معلوماتهم العلمية قبل التقدم لامتحان المعادلة".
ويضيف أحمد أن بعض زملائه الذين وصلوا إلى السويد في عام 2016 قاموا بمعادلة شهاداتهم، بينما يشير إلى أن الكثيرين من الصيادلة بألمانيا "مصابون بالإحباط من فوضى امتحانات المعادلة".
وحتى الصيدلاني ضياء الضاحي الذي نجح في الامتحان يرى أن بعض الأسئلة "لم تكن منطقية"، مشدداً على ضرورة "أن تكون الأسئلة من صلب الموضوع".
وفي الوقت نفسه يحذر الصيدلاني المصري محمود معبد، والذي يعمل في صيدلية تحت الإشراف، من أن تعقيد معادلة الشهادات سيضر بألمانيا، التي تعاني من نقص في الأيدي العاملة الخبيرة.
"عوز مزمن"
وبحسب اتحاد روابط الصيادلة الألمان (ABDA) ووكالة العمل الاتحادية فإن ألمانيا تعاني من نقص في أعداد الصيادلة، والذين بلغ عددهم حوالي 64400 صيدلاني حتى نهاية عام 2017.
وذكر الاتحاد على موقعه الإلكتروني أن عدد الصيدليات في ألمانيا بلغ حتى نهاية عام 2017 نحو 19750 صيدلية، مشيراً إلى وجود 24 صيدلية لكل مئة ألف شخص، وبذلك يكون عدد الصيدليات في ألمانيا أقل من النسبة المتوسطة في دول الاتحاد الأوروبي، والتي تبلغ 31 صيدلية لكل مئة ألف شخص.
وبحسب وكالة العمل الاتحادية فإن ملء وظيفة شاغرة لصيدلي تستغرق نحو 140 يوماً (نحو خمسة أشهر)، بينما تبلغ نفس الفترة بالنسبة للطبيب نحو 130 يوماً، لتكون الصيدلة من القطاعات التي تعاني من "عوز مزمن" في الأيدي العاملة الخبيرة.
يقول الصيدلاني محمود معبد: "تعقيد معادلة كل شهادة قد يعني إغلاق صيدلية بسبب نقص عدد الصيادلة"، ويضيف: "ألمانيا تقول إنها تريد جذب الأيدي العاملة الخبيرة بينما تعقيدات كهذه قد تؤدي إلى هجرة حتى الذين يعيشون فيها!".
ويتفق الصيادلة الأربع الذين تحدثنا إليهم بأن توحيد إجراءات معادلة شهادتهم في جميع الولايات الألمانية قد يخفف من عبء الاعتراف بشهاداتهم.
الكاتب: محيي الدين حسين - مهاجر نيوز