ليبيا ـ مثال آخر على تذبذب السياسة الخارجية الألمانية
٢٦ أبريل ٢٠١٩هل تهتم ألمانيا حقاً بالوضع الخطير في ليبيا؟ منذ وقت طويل تكون لدى المراقبين في برلين انطباع بأن ألمانيا لا تهتم بشكل فعلي بالوضع في ليبيا. في الوقت الذي تهاجم فيه قوات الجنرال خليفة حفتر، المدعوم من فرنسا، الحكومة المُعترف بها دولياً في طرابلس لم تبحث برلين موضوع ليبيا، الذي يشكل أهمية لباريس أيضاً، إلا بعد مضي وقت طويل على بدء التصعيد.
غياب محادثات بين الرؤساء حول ليبيا
يرى خبراء مثل فولفرام لاخر، من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين أن سلبية ألمانيا تجاه الموقف الفرنسي هي السبب الرئيسي وراء تصاعد الوضع في ليبيا. برلين فشلت في مناقشة قضية ليبيا وجعلها القضية الأساسية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة أنغيلا ميركل. والآن، كما يقول لاخر: "فقد الأوروبيون السيطرة على هذا الصراع المُشتعل على عتبتهم لصالح دول الخليج". وذلك وفقاً لما جاءت به تقارير أفادت بأن السعودية والإمارات العربية تغذي عن طريق الأموال والأسلحة صراعاً قد يؤدي إلى موجة جديدة للاجئين نحو أوروبا. ووفقا للتقارير المُطلع عليه، كما ورد مؤخرا من وزارة الخارجية في برلين أنه فعلياُ تُبذل جهود من أجل التوصل إلى قرار مشترك للأمم المتحدة للمساعدة في تهدئة الوضع. وتترأس ألمانيا مجلس الأمن الدولي هذا الشهر. ويبدو أن الحكومة الألمانية ما زالت تسير على نفس النهج بشأن الوضع في ليبيا، على الرغم من أن الوضع الآن أصبح مختلف تماماً.
ألمانيا وأوكرانيا
تسببت الزيارة التي قام بها رئيس أوكرانيا، بترو بوروشينكو، في إثارة ضجة في برلين قبل ما يزيد عن أسبوعين، أي قبل أيام قليلة من جولة إعادة الانتخابات في أوكرانيا. لم تستقبله ميركل، التي طالما وضعت ثقتها به، قبل أيام قليلة من يوم الانتخابات. وفي الوقت نفسه كشفت استطلاعات الرأي في أوكرانيا أن بوروشينكو لن يكون الرئيس الجديد للبلاد. في المقابل استقبل الرئيس الفرنسي ماكرون كلا من بوروشينكو والفنان الكوميدي، فولوديمير سيلينسكي، الذي تم انتخابه بأكثر من 70 في المائة من الأصوات خلفاً للرئيس السابق، بوروشينكو.
ماكرون أكثر حنكة من ميركل
كان الرئيس الفرنسي أكثر حنكة من ميركل وأبقى جميع الخيارات مفتوحة في مرحلة مبكرة. من جهتها أظهرت المستشارة ولاءً خاصاً لبروشينكو، الذي تلقى صدمة ليلة الانتخابات في كييف. وتبقى عملية مينسك، المحاولة الملموسة الوحيدة لاحتواء الصراع المفتوح بين روسيا وأوكرانيا، وهو مشروع ناجح للسياسة الخارجية الألمانية. وعلى ميركل الآن العمل على إنجاح عملية السلام الصعبة مع الرئيس الجديد، سيلينسكي. من جهته أوضح الرئيس الفرنسي الآن بشكل مفاجئ أن هناك "خلافات" مع ميركل، وأن هذه الخلافات ليست فقط بشأن أوكرانيا. ووجه خطاباً شديد اللهجة إلى برلين قال فيه إن الحكومة الألمانية في وضع خاص الآن، ومن الواضح أنها "في نهاية نموذج النمو" واستفادت كثيراً من التذبذبات في منطقة اليورو.
انتقادات من الأصدقاء
مانفريد فيبر، المرشح الأبرز من حزب ميركل المحافظ اللإنتخابات الأوروبية في أواخر مايو/ أيار، يختلف مع المستشارة الألمانية حالياً بشدة حول مشروع "نورد ستريم 2"، وهو خط أنابيب لنقل الغاز من روسيا مباشرة إلى ألمانيا مروراً ببولندا وأوكرانيا. وفي مقابلة له مع إحدى الصحف البولندية اليومية قال فيبر إن "الإمداد الروسي المباشر بالغاز ليس في مصلحة الاتحاد الأوروبي". وأضاف السياسي الألماني أنه سيحاول إيقاف المشروع في حالة ما أصبح الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية. فرص وصول فيبر إلى قمة مفوضية الاتحاد الأوروبي، ليست سيئة. وأكد اليوم الجمعة (26 / 4 / 2019) موقفه في القناة الألمانية الثانية، وقال بأنه يتفهم موقف الحكومة من هذه القضية، ولكنه يريد تحمل مسؤولية أوروبا ويجب عليه التصرف وفقاً لذلك. وقال فيبر إن مشروعات مثل خط أنابيب الغاز من روسيا يجب أن يتم البث فيها في المستقبل "بالتنسيق مع جيراننا" مثل الدنمارك وبولندا ودول البلطيق وأيضاً أوكرانيا.
من جهتها عارضت المستشارة الألمانية ذلك لفترة طويلة وهو ما كان واضحاً للعديد من المراقبين منذ اليوم الأول أن مشروع "نورد ستريم 2"، مشروع سياسي في الأصل وليس مشروعاً "اقتصادياً خالصاً"، كما أوضحت ميركل منذ فترة طويلة. ولولا معارضة شركاء الاتحاد الأوروبي، لما تخلت ميركل عنه. المشروع كان قد بدأ، قبل أن يهدد السفير الأمريكي في برلين، ريشارد غرينيل، بشكل علني الشركات الألمانية بالعقوبات، إذا واصلوا العمل في المشروع.
والآن إفريقيا
الأسبوع القادم، ستتوجه المستشارة إلى إفريقيا. ويعود سبب اهتمامهما المفاجئ بالقارة إلى أزمة اللاجئين خلال عامي 2015 و 2016. ومنذ ذلك الحين أطلقت ميركل مليارات المشاريع التنموية وصرحت بأن الأموال المتدفقة من ألمانيا يجب استخدامها من أجل محاربة أسباب الهجرة. كما روجت لوجهتها الجديدة، إفريقيا، خلال رئاسة ألمانيا مجموعة العشرين قبل عامين.
منذ عام 2015، حين تدفق حوالي مليون شخص إلى ألمانيا، معظمهم من سوريا والعراق وأفغانستان والبلدان الإفريقية. تحملت خطأ حكومتها، إذ لم تقدم الدعم الإنساني الكافي للأشخاص في بلدانهم الأصلية ولم تولي اهتماماً كافياً بذلك. ولهذا عرفت أوروبا وألمانيا تدفق المهاجرين إليها. والآن تريد ميركل خلق آفاق محلية وإقليمية في إفريقيا. ولكن قد تختلف وجهات النظر حول سياسة ميركل الخارجية، فهي تعمل بخصوص أزمة يتم التغاضي عنها منذ فترة طويلة، كما أنها تضفي لمسة ألمانية غير مسبوقة إلى السياسة الدولية.
ميشائيلا كوفنر/ إ.م