أوروبا وموقفها المتذبذب إزاء مستقبل ليبيا
٢٥ أبريل ٢٠١٩في عالم السياسة الخارجية، كلمة محسوبة على قائلها، ولهذا من الضروري في بعض الأحيان الانتباه إلى الكلمات المُستخدمة في الخُطب السياسية. بعد أسبوع واحد من شن الجنرال الليبي، خليفة حفتر هجومه على مقر حكومة الوحدة المُعترف بها دولياً، نشرت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، فيديريكا موغيريني، أول بيان لها بشأن الهجوم على طرابلس. وفي ذلك أشارت إلى أن هجمات "الجيش الوطني الليبي" تحت قيادة حفتر، تشكل خطراً على المدنيين في البلاد وعلى أفراد بعثة عملية السلام التابعة للأمم المتحدة. ودعت موغريني جميع الأطراف إلى الهدنة، مع أنها تجنبت ذكر اسم حفتر. لكن وبعد عدة أيام ذكرت موغريني اسمه خلال خطاب لها أمام البرلمان الأوروبي.
خصوصية الموقف الفرنسي
لم تترك العديد من التقارير شكوكاً حول سبب عدم ذكر حفتر بالاسم. وهنا يُشار إلى أن فرنسا هي من يقف وراء منع تداول اسمه. ولعب الجنرال السابق وقائد الجيش الوطني الليبي حاليا دوراً أساسياً في تقسيم ليبيا منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2014، بسبب عدم اعتراف الجنرال وجيشه الذي يتخذ من بلدة طبرق الساحلية الشرقية مقراً له، بحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، تحت قيادة فايز السراج. في المقابل لم يتم إضفاء الشرعية على الجيش الوطني الليبي تحت قيادة حفتر، غير أن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، دعم الجنرال عام 2017. و في محاولة منه لحل النزاع في ليبيا، دعا ماكرون الحاكمان الليبيان المتنافسان إلى باريس وأجرى معهما آنذاك محادثات سرية. وتمكن ماكرون من تحقيق النجاح المهم بالنسبة له. وافق فايز السراج وحفتر على إجراء انتخابات جديدة في جميع أنحاء ليبيا. لكنها لم تُجرى بعد.
وتتحمل فرنسا مسؤولية خاصة، لأنها كانت وراء التدخل العسكري في ليبيا عام 2011. وأدى قصف التحالف الذي قادته فرنسا حينها إلى الإطاحة بالحاكم الليبي آنذاك، معمر القذافي ومن ثم إلى فراغ السلطة الحالي وعدم استقرار البلاد.
ورقة حفتر الرابحة
بعد ماكرون، التقى حفتر أيضاً بسياسيين أجانب آخرين. وبمرور الوقت، تمكن الجنرال من توسيع قاعدة سلطته بهدوء عن طريق كسب فئات من المواطنين الليبيين إلى صفه، وذلك على الأرجح بدعم مالي من روسيا وبعض دول الخليج. قبل بضعة أسابيع، كُشف عن سيطرته على حقول نفط كبيرة في جنوب البلاد. ولا تهتم فرنسا بالنفط فقط، وإنما تعد الحدود الجنوبية نفسها، ذات أهمية جيوسياسية لها، لأن خلفها تقع المستعمرتان الفرنسيتان السابقتان، تشاد والنيجر. وإذا اكتشفت فرنسا الآن امتلاك حفتر للورقة الرابحة بشأن استقرار ليبيا، فسيكون دعمها له حينئذ مبنياً على أساس منطقي.
من جهة أخرى، فإن الموقف الفرنسي الرسمي مختلف تماماً. في يوم الجمعة الماضي، جاءت تصريحات قصر الإليزيه واضحة: "فرنسا تدعم الحكومة الشرعية لرئيس الوزراء، فايز السراج ووساطة الأمم المتحدة". غير أن الكثيرين يجدون صعوبة في تصديق ذلك، حتى حكومة الوحدة نفسها في طرابلس. وقد سبقت التصريحات الفرنسية الواضحة اتهام وزير الداخلية الليبي، فتحي باشاغا، فرنسا بدعمها للجنرال الليبي، واصفاً إياه بـ "المجرم حفتر". وعلى إثر ذلك قطعت حكومة الوحدة العلاقات الدبلوماسية مع باريس. كما تظاهر المئات من الليبيين في طرابلس ضد كل من فرنسا وحفتر خلال الأسبوع الماضي.
من جهته اتهم وزير الداخلية الإيطالي من الحزب اليميني المتطرف، ماتيو سالفيني، الذي لم يسبق له الدخول في صراع مع فرنسا ، البلاد علناً بالتعاون مع حفتر. وتصف إيطاليا نفسها بأنها "الجارة" الشمالية لمستعمرتها السابقة. ومنذ أن أصبحت ليبيا جسر عبور للمهاجرين الأفارقة في طريقهم إلى أوروبا، أبدت روما اهتماماً خاصاً بالحفاظ على علاقات جيدة مع جارتها، ليبيا.
مهمة ألمانيا
طالب خبير الشؤون الخارجية في حزب الخضر الألماني، والمتحدث باسم الحزب، أوميد نوريبور، في مقابلة مع DW، الحكومة الألمانية بأن "تبذل كل ما في وسعها لتوحيد الإيطاليين والفرنسيين". وقال نوريبور: "على الفرنسيين أن يفهموا أن هناك حاجة إلى تحقيق التوازن بين مصالح دول الاتحاد الأوروبي". وأضاف: "عندما يتعلق الأمر بإيجاد خط مشترك في ليبيا، يجب على الفرنسيين والإيطاليين التوصل إلى حل يراعي مصالح كليهما". ويرى السياسي الألماني أن مهمة الحكومة الألمانية تكمن في ايصال ذلك للأصدقاء الفرنسيين.
تلعب ألمانيا، التي تتولى رئاسة مجلس الأمن الدولي هذا الشهر، دوراً خاصاً في التعامل مع النزاعات الدولية. وكانت باريس قد ترأست المجلس في مارس/ آذار الماضي. البلدان تقاسما كرسي الرئيس التنفيذي لمجلس الأمن الدولي، على مدار الشهرين في خطوة تعد رمزاً للعلاقة الحميمة بينهما. غير أنهما ليستا متفقتان بشأن القضية الليبية.
وقد أدانت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل أمام السراج، هجوم حفتر على طرابلس. ويرى نوريبور أنه يجب على ألمانيا أيضاً حث فرنسا على الضغط على حفتر، حتى لا يتفاقم الوضع، ويقول السياسي الألماني: "الصداقة القوية مع فرنسا يجب أن تتيح الفرصة لذلك ".
عرقلة من بعض الدول
في فترة توليها رئاسة مجلس الأمن الدولي عملت ألمانيا على اهتمام المجلس بالوضع في ليبيا. وانتهى اجتماع طارئ يوم الخميس الماضي دون التوصل إلى قرار مشترك. لم تكن فرنسا السبب، وإنما حق النقض من روسيا والولايات المتحدة. وأفادت وكالة رويترز، نقلاً عن دبلوماسيين أن روسيا لم ترغب في ذكر اسم حفتر باعتباره، المسؤول عن عدم استقرار البلاد، في حين لم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية أي أسباب عن موقفها تجاه الوضع في ليبيا.
وصرحت الحكومة الأمريكية أن الرئيس، دونالد ترامب، قد اتصل هاتفياً بحفتر قبل بضعة أيام. ووفقاً للبيت الأبيض أقر ترامب بدور حفتر في مكافحة الإرهاب وتأمين احتياطيات النفط الليبية، ودار الحديث حول ايجاد "رؤية مشتركة" لانتقال ليبيا إلى الديمقراطية. ومنذ تولي ترامب الرئاسة في عام 2017، يضعف زخم تحالف الولايات المتحدة الأمريكية مع الأمم المتحدة وأوروبا بشكل ملحوظ.
هجوم حفتر مستمر
في حين لم يتوصل المجتمع الدولي بعد إلى حل للتطورات في ليبيا، يواصل خليفة حفتر هجومه على طرابلس. وبلغ عدد القتلى، وفق منظمة الصحة العالمية حتى الآن 254 قتيلاً وأكثر من 1200 جريح منذ بداية الهجوم. بعد غارات جوية ليلة الأحد الماضي، تحدث سكان في طرابلس، عن سماع أزيز مثل تلك، التي تُحدثها الطائرات بدون طيار. وتشن ميليشيات حفتر هجماتها باستخدام طائرات أقدم، معظمها يعود إلى الاتحاد السوفيتي السابق. وإن كان يمتلك الآن طائرات بدون طيار، فسيكون ذلك مؤشراً آخر على الدعم الأجنبي القوي له.
ديفيد ايل/ إ.م