كيف تواجه الدول العربية أزمة التضخم العالمي؟
٦ يوليو ٢٠٢٢دخل الاقتصاد العالمي في أزمة تضخم كبرى نتيجة لعدة عوامل أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا، سبقته تداعيات جائحة كورونا وكذلك أزمة سلاسل الإمداد في الصين وجنوب شرق آسيا وهو الأمر الذي أثر على العمليات التصنيعية في الكثير من دول العالم.
انسحاق الفئات الضعيفة
عالمياً، ارتفعت أسعار السلع والخدمات نظراً لارتفاع تكلفة الإنتاج، كما تعرضت أسعار الطاقة (الغاز والبنزين والسولار) وأسعار المنتجات الغذائية لتغيرات هائلة، ما جعل رواتب الناس لا تكفي للحصول على احتياجاتها منها، الأمر الذي فجر احتجاجات ومظاهرات في الدول الديمقراطية للمطالبة برفع الرواتب والتصدي لارتفاع الأسعار مثل بريطانيا، كما خلق غضباً مكتوماً لدى شعوب الدول الديكتاتورية ما يخشى معه من حدوث انفجار.
كانت دراسة لشركة "أليانز تريد" للتأمين أفادت أن 11 دولة، معظمها في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، معرّضة لاحتمال مرتفع بنشوب توترات اجتماعية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولفتت الدراسة إلى أن "عدم إطعام الشعوب يعني تغذية النزاعات".
وتعتبر شركة التأمين أن هذه الدول معرّضة بشكل خاص لاحتمال نشوب صراعات اجتماعية في السنوات المقبلة، وهي الجزائر وتونس والبوسنة والهرسك ومصر والأردن ولبنان ونيجيريا وباكستان والفيليبين وتركيا وسريلانكا التي تشهد حاليًا أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها.
ومن المؤسف أن آثار التضخم تظهر بشكل أوضح وأكثر تأثيراً على الأسر محدودة الدخل التي أصبحت تعاني من ارتفاع قيمة فواتير المياه والكهرباء والبنزين والغاز، إضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ويمتد ذلك التأثير حتى لأفراد الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا والتي تجد يومياً أن قيمة مدخراتها تتراجع نظراً لانخفاض القوة الشرائية لتلك المدخرات في البنوك.
فكيف تحاول الدول العربية التعامل مع الأمر؟ فيما يلي بعض الأمثلة
السعودية
رغم كونها أكبر مصدّر للنفط في العالم، عانت السعودية من التضخّم لكن بدرجة أقلّ بكثير من دول عديدة أخرى، بل إنّ المملكة ربما استفادت من الارتفاع الهائل الذي سجّلته أسعار النفط منذ بدأ الجيش الروسي غزو أوكرانيا.
وفي نيسان/أبريل توقّع صندوق النقد الدولي أن يرتفع إجمالي الناتج المحلّي للمملكة بنسبة 7.6% هذا العام. رغم ذلك، ارتفعت في المملكة - ولا سيّما عبر الفضاء الإلكتروني - أصوات الكثير من المحتجّين على ارتفاع الأسعار، وقد دعا بعض من هؤلاء إلى مقاطعة البيض ومنتجات شركة شهيرة لإنتاج الدواجن والألبان.
وفي أيار/مايو ارتفع مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك في المملكة بنسبة 2.2% بعدما سجّلت أسعار الأغذية والمشروبات ارتفاعاً بنسبة 4.4% وأسعار خدمات النقل ارتفاعاً بنسبة 4%.
ونتيجة لذلك، أمر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بتخصيص 20 مليار ريال (5.1 مليار يورو) لتقديم معونات نقدية مباشرة للأسر والمواطنين من ذوي الدخل المحدود لمساعدتهم على مواجهة تداعيات التضخّم بالإضافة إلى زيادة مخزونات المملكة من المواد الأساسية، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية "واس".
وقالت الوكالة إنّ الأمر الملكي ينصّ على "تخصيص دعم مالي بمبلغ 20 مليار ريال لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار عالمياً، منها 10.4 مليارات ريال كتحويلات نقدية مباشرة لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية، على أن يخصّص بقية المبلغ لزيادة المخزونات الاستراتيجية للمواد الأساسية والتأكّد من توفّرها".
الإمارات
أعلنت الدولة الخليجية أيضاً عن مضاعفة برنامجها المخصص لمساعدة الأسر الإماراتية محدودة الدخل مع ارتفاع الأسعار، بحسب ما أعلنت وكالة أنباء الإمارات.
وقالت الوكالة إن رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وجه بإعادة هيكلة "برنامج الدعم الاجتماعي لمحدودي الدخل" ومضاعفة ميزانيته من 14 مليار درهم إلى 28 مليار درهم (7.6 مليار دولار)، وذلك "لتوفير سبل العيش الكريم لأبناء الوطن من ذوي الدخل المحدود في كل أرجاء الدولة".
وهذا البرنامج الذي يأتي عبر وزارة تنمية المجتمع يشمل دعم الاحتياجات الأساسية مثل المواد الغذائية والماء والكهرباء والوقود. وبحسب الوكالة، فإن البرنامج استحدث أربع مخصصات جديدة وسيقدم أيضا علاوات بدل تضخم الوقود والكهرباء.
وفي نهاية نيسان/أبريل الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية في الإمارات بنسبة 3.7 بالمئة، مقابل 0.2% العام الماضي
وفي ما يتعلق بالوقود، فإن البرنامج سيقدم دعما "للحد من تأثير التقلبات التي تشهدها أسعار الوقود عالمياً" عبر تقديم دعم شهري بنسبة 85% من زيادة سعر الوقود عن 2.1 درهم للتر. وستتحمل الحكومة أيضاً "75% من تضخم أسعار المواد الغذائية وذلك التزاماً منها بتوفير المساعدة اللازمة للأسر الإماراتية لتمكينهم من الإيفاء بمتطلبات المعيشة وتوفير حياة كريمة لهم"، حسب الوكالة.
مصر
تم الإعلان عن سلسلة إجراءات لمواجهة موجة التضخم، من بينها رفع سعر الفائدة البنكية وإعداد حزمة من إجراءات الحماية الاجتماعية بقيمة 130 مليار جنيه، وحزمة أخرى للحفاظ على النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار.
وأكد وزير المالية المصري محمد معيط أن "حزمة الإجراءات المالية والحماية الاجتماعية تم إعدادها للتعامل مع تداعيات التحديات الاقتصادية العالمية وتخفيف آثارها على المواطنين".
وبحسب الوزير، سيتم ضم 450 ألف أسرة جديدة لبرنامج "تكافل وكرامة" الخاص بالدعم النقدي، وصرف كل من الزيادة السنوية في قيمة المعاشات بنسبة 13%، والعلاوة الدورية للمخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية بنسبة 8 % من الأجر الوظيفي، وعلاوة خاصة للعاملين بالدولة من غير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية بنسبة 15 % من الأجر الأساسي اعتباراً من الشهر القادم.
وأشار إلى "زيادة حد الإعفاء الضريبى بنسبة 25% من 24 إلى 30 ألف جنيه للتخفيف عن المواطنين".
وضمت الإجراءات أيضاً مجموعة حوافز للحفاظ على النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، من بينها "تحمل الخزانة العامة للدولة قيمة الضريبة العقارية المستحقة عن قطاعات الصناعة لمدة 3 سنوات"، و"إعفاء صناديق الاستثمار والأوعية المستثمرة في البورصة من الضريبة"، و"إعفاء نسبة من الربح المحقق لحملة الأسهم تعادل معدل الائتمان والخصم الصادر من البنك المركزي في بداية كل سنة ميلادية".
كما تم "تحديد الدولار الجمركى بقيمة 16 جنيها للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج بنهاية الشهر المقبل". في غضون ذلك، حددت الحكومة سعر الخبز الحر، لمواجهة ظاهرة ارتفاع سعره بشكل مبالغ خلال الفترة الماضية.
وأفاد بيان حكومي بأن رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي أصدر قرارا "يحدد سعر بيع الخبز الحر، وتلتزم كافة المتاجر والأفران السياحية وغيرها من منافذ البيع بالإعلان عن الأسعار في أماكن ظاهرة لروادها من المشترين، على أن يستمر العمل بأحكام هذا القرار لمدة ثلاثة أشهر أو لحين إشعار آخر، أيهما أقرب".
المغرب
يتوقع أن يرتفع معدل التضخم إلى 5.3 بالمئة هذا العام في المغرب (في حين لم تتجاوز هذه النسبة 1.4 بالمئة العام الماضي) بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة والمنتجات الغذائية، وفق ما أعلن المصرف المركزي، مؤكداً أيضاً تراجع توقعات النمو إلى 1 بالمئة فقط.
وعزا البنك الأمر إلى "الارتفاع الكبير في أسعار المنتجات الطاقية والغذائية، وتسارع التضخم لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين". وأوضح أن أسعار الاستهلاك شهدت "ارتفاعاً ملموساً خلال الشهور الأربعة الأولى من السنة الحالية".
وفي مواجهة هذه المطالب أعلنت الحكومة مضاعفة مخصصات دعم غاز البوتان والدقيق والسكر، لتبلغ حوالى 32 مليار درهم (نحو 3 مليارات دولار)، كما أعلنت صرف دعم بنحو 1.4 مليارات درهم (حوالى 140 مليون دولار) منذ نيسان/أبريل لمهنيي نقل البضائع والمسافرين.
في المقابل تم استبعاد أي عودة لدعم أسعار الوقود الذي كان معمولاً به لعقود حتى عام 2015، حين تم إلغاؤه بسبب كلفته الباهظة على الميزانية العامة. وجدّد نواب مغاربة الدعوة لوضع سقف لأسعار الوقود، منتقدين أرباحاً "فاحشة" تحقّقها شركات التوزيع التي تعود ملكية أبرزها إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية.
تونس
تشهد البلاد نسباً عالية للتضخم حيث توقع المعهد الوطني للإحصاء أن تصل في نهاية 2022 الى 7.3 بالمئة و 8.3 بالمئة في 2023، وهي مستويات وصفت بـ"المقلقة جداً".
ونبه تقرير نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" في كانون الثاني/يناير الماضي إلى أن تونس "بالكاد تتمكن من دفع رواتب الموظفين وسداد ديونها الخارجية".
ونقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء عن المديرة العامة للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي قولها إنّ "الأوضاع ستزداد صعوبة، وأنه لإرجاع نسب التضخم إلى مستويات مقبولة يتعين التحلي بالتضحية في الوقت الراهن لمكافحة نسب التضخم المقلقة والخطيرة".
وتطلب تونس - التي تشهد أزمة سياسية عميقة - مساعدة دولية بنحو أربعة مليارات دولار هي الثالثة خلال 10 سنوات. وقد حذر الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة الأكبر في البلاد، من انفجار اجتماعي إذا ما تواصلت أزمة الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، بحسب دراسة أعدها مكتب منظمة "فريدريش ايبيرت " الألمانية في تونس.
وتتبع الدولة التونسية سياسة دعم المواد عبر الضغط على موازنتها لكي تتفادى تداعيات ارتفاع الأسعار على المواطنين في بلد يناهز فيه الحد الأدنى للأجور 125 يورو. ولكن تونس تواجه ارتفاعاً غير مسبوق لديونها في مستوى 100%، ولم تتمكن إلى اليوم من الاقتراض من المؤسسات الدولية.
ومؤخراً، أعلنت الحكومة التونسية عن عدة إجراءات بهدف إنعاش الاقتصاد، من أهمها دعم السيولة للمؤسسات المالية، وتيسير النفاذ إلى التمويل من أجل المحافظة على النشاط والتشغيل، بالتوازي مع خلق خطوط تمويل لدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ورقمنة الخدمات، والسعي إلى تحسين خدمات النقل البحري، بحسب ما نشرت صحيفة اندبندنت.
عماد حسن