كوب 27.. من يتحمل تكلفة "خسائر وأضرار" تغير المناخ؟
٨ نوفمبر ٢٠٢٢لا تستطيع الشابة إريك نجوجونا (20 عاما) إخفاء مشاعر الغضب وهي ترى تأثير ظاهرة التغير المناخي على موطنها كينيا حيث يخسر الكثيرون سبل عيشهم ومنازلهم، وبل وقد يصل الأمر إلى خسارة الأرواح جراء أسوأ موجة جفاف شهدتها البلاد خلال الأربعين عاما الماضية.
وفي مقابلة مع DW من العاصمة الكينية نيروبي، قالت نجوجونا "تداعيات ظاهرة التغير المناخي تجعلنا نشعر بالعطش والجوع. سبب غضبي لا يتعلق بمعرفة ذلك وإنما بتأثيره، خاصة وأننا لسنا من تسببنا في التغير المناخي. لكن ورغم ذلك فإن مجتمعاتنا تتحمل العبء الأكبر وتدفع الثمن الأكبر".
وتعد كينيا من بين البلدان الواقعة في جنوب الكرة الأرضية الأكثر تضررا من ظواهر الطقس المتطرفة الناجمة عن الاحتباس الحراري، لكنها ليست الوحيدة التي تواجه مصيرا مناخيا قاسيا، إذ تسبب الجفاف في دفع ملايين السكان في منطقة القرن الأفريقي إلى حافة المجاعة.
في المقابل، اجتاحت عواصف مدمرة الفلبين، فيما لقي قرابة 1500 شخص حتفهم جراء الفيضانات العارمة التي ضربت باكستان هذا الصيف.
وتقول الشابة نجوجونا إن هناك ظواهر مناخية "يمكن التكيف معها، لكن مع زيادة تفاقم أزمة المناخ، فإن هناك ظواهر لا يمكن التكيف معها. ما يعني حتمية دفع الثمن". وتواجه الدول الأكثر ثراء دعوات متزايدة بضرورة تقديمها تعويضات في صورة صندوق مخصص لتغطية تكاليف الأضرار والخسائر الجسيمة الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي.
ما هي الأضرار والخسائر؟
يعود مصطلح "الأضرار والخسائر" إلى عام 1991 حيث صاغه تحالف الدول الجزرية الصغيرة خلال مفاوضات المناخ في جنيف، مع اقتراح خطة تأمين ضد ارتفاع منسوب مياه البحر بما يشمل تحمل الدول الصناعية التكاليف. بيد أنه لم يتم بحث هذا الأمر بجدية إلا في عام 2013 خلال قمة المناخ التاسعة عشرة في بولندا حيث جرى إنشاء الآلية الدولية للخسائر والأضرار المرتبطة بآثار تغير المناخ بهدف مواجهة ومعالجة هذه القضية.
ورغم مرور أعوام على ذلك، إلا أن لم يتم إحراز سوى القليل في هذا الصدد. وخلال مؤتمر المناخ "كوب 26" العام الماضي في مدينة غلاسكو باسكتلندا، رفض المفاوضون اقتراحا قدمه أعضاء مجموعة الـ77 +الصين، التي تعد كتلة تفاوضية نافذة تضم أكثر من 100 دولة نامية، بشأن إنشاء مرفق مالي رسمي يتعلق بالخسائر والأضرار المناخية.
وبدلا من ذلك، جرى إنشاء "حوار غلاسكو " من أجل تمهيد الطريق أمام مزيد من المناقشات حول التمويل على نحو "شامل ومنفتح، لكنه غير إلزامي".
من جانبها، تقول زوها شاوو، عالمة البيئة والمتخصصة في قضية الخسائر والأضرار بمعهد ستوكهولم للبيئة، إن بعض الدول انتقدت "حوار غلاسكو" باعتباره "ذريعة لإبطاء اتخاذ المزيد من الإجراءات".
تراجع الدول الثرية
تاريخيا، تتحمل البلدان المتقدمة المسؤولية الأكبر عن الانبعاثات المسببة لما يُعرف بالاحترار العالمي، إذ أنه بين عامي 1751 و 2017، كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مسؤولة عن 47 بالمائة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التراكمية، مقارنة بنسبة لم تتجاوز 6 بالمائة من الانبعاثات تسببت فيها دول القارة الإفريقية وأمريكا الجنوبية كاملة.
ورغم ذلك، ما زالت الدول المتقدمة بطيئة في تقديم مساهمات مالية لتخفيف التأثير على البلدان الأكثر تضررا في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. ويشار إلى أنه في عام 2010، تعهدت دول الشمال بتقديم مئة مليار دولار سنويا لمدة عشر سنوات لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع آثار ظاهرة تغير المناخ، بما يشمل تزويد المزارعين في البلدان النامية بمحاصيل مقاومة للجفاف أو دفع تكاليف إقامة منشآت لصد الفيضانات.
وقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي ترصد عملية التمويل، إلى أن الدول الغنية دفعت عام 2020 قرابة 83 مليار دولار في معدل أعلى من عام 2019 بنسبة 4 بالمائة، لكن المساهمة المالية كانت أقل من التعهد المتفق عليه.
بدورها، تقول مارلين أشوكي، المتخصصة في قضية العدالة المناخية في منظمة "كير" الدولية غير الحكومية، إن الدول الغنية التي تسببت في ظاهرة التغير المناخي يتعين عليها "توفير التمويل المطلوب" لأن أشكال التمويل غير الكافية سوف تعمل على زعزعة استقرار البلدان المتضررة من الظاهرة. وتضيف بأنه "بدلا من معالجة قضايا الفقر والتعليم، يتعين علي هذه البلدان اتخاذ خطوات لمعالجة قضايا تغير المناخ، إذ يجب عليها البحث عن موارد مالية في محاولة لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود أمام ظواهر الطقس المتطرفة".
الخسائر ليست مادية فقط!
وفي هذا السياق، ذكرت "جمعية الخسائر والأضرار" التي تضم باحثين ونشطاء وصانعي قرار من جميع أنحاء العالم، أن 55 دولة من بلدان "مجموعة العشرين الأكثر هشاشة" والبالغ عددها 8 دول نامية بينها كينيا والفلبين وكولومبيا، عانت من خسائر اقتصادية مرتبطة بالمناخ تجاوزت نصف تريليون دولار في أول عقدين من هذا القرن.
بيد أنالخسائر لم تكن اقتصادية فقط، إذ تعرضت مناطق ثقافية وأثرية لخطر الزوال. وفي هذا السياق تقول شاوو إن المجتمعات الأكثر "عرضة للتغيرات المناخية هي مجتمعات خاصة بالسكان الأصليين وقبلية وفئات محلية ضعيفة، لكن يتعين عليهم تحمل معظم الخسائر."
ما هي نقاط الخلاف؟
رغم اعتراف الدول المتقدمة بضرورة معالجة قضية الخسائر والأضرار، إلا أن بعض هذه الدول تشير إلى مساهمات في تمويل صناديق مناخية حالية وعمليات إنسانية. وفي هذا الصدد، قال الاتحاد الأوروبي في بيان إنه "منفتح على مناقشة موضوع الخسائر والأضرار، لكنه متردد حيال إنشاء صندوق خاص لمعالجة الخسائر والأضرار".
وفي ردها على ذلك تقول شاوو: "أعتقد أنهم قلقون من أن هذا الأمر قد يمهد الطريق أمام الاعتراف بالحاجة إلى تمويل إضافي لمعاجلة قضية الخسائر والأضرار، وهو ما سيعرضهم لدعوات خاصة بتحمل المسؤولية ودفع تعويضات وهذا الأمر يحمل في طياته تكاليف باهظة". وتضيف أنه في حالة انهيار جسر بسبب فيضان في دولة نامية أو حتى تدمير منازل جراء إعصار، فإن الدول المتقدمة تخشى من أن تتعرض لدعوات تطالبها "بتحمل المسؤولية ومن ثم دفع تكاليف الخسائر".
ورغم ذلك، فقد قررت بعض الدول الغنية أخذ زمام المبادرة، إذ تعهدت الدنمارك في وقت سابق من العام الجاري بدفع أكثر من 13 مليون دولار للبلدان النامية بما في ذلك منطقة الساحل الأفريقي في شكل تعويضات عن الخسائر والأضرار المناخية. وسبق ذلك تعهد اسكتلندا بدفع مليون دولار خلال قمة المناخ العام الماضي.
وتعلق زوها شاوو، عالمة البيئة في معهد ستوكهولم للبيئة، بأن الإجراءات التي تتخذها الدول بشكل فردي تعد طريقة جيدة لمواجهة تزايد دعوات البلدان النامية للدول الثرية بتحملها الخسائر والأضرار الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي.
وتضيف بأنها "طريقة سهلة تُقدم عليها الدول (الغنية) لإظهار أنها تفعل شيئا، لكن من دون أن تلتزم بشيء قد يمهد الطريق أمام تحميلها أي مسؤولية مثل مساهمات مالية".
غير أنه مع ارتفاع درجات الحرارة وفشل الدول الغنية في الحد بشكل كبير من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، سوف تستمر المجتمعات الفقيرة في تحمل وطأة ظاهرة التغير المناخي وظواهر الطقس المتطرفة، وهو ما يثير غضب الشابة الكينية إريك نجوجونا، وتقول "تضيق نافذة العمل، فيما تتفاقم التأثيرات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة وسط غياب أي عمل جاد".
لويز أوزبورن / م ع