كردستان- الاستقلال يعني الانهيار الاقتصادي!
٣٠ سبتمبر ٢٠١٧شركات الطيران توقف رحلاتها إلى أربيل والسليمانية بأمر من بغداد. وإيران تغلق حدودها مع إقليم كردستان العراق بسبب الاستفتاء الذي أجرته حكومته بهدف الاستقلال عن بغداد، والذي أيده حسب مصادرها أكثر من 92 بالمائة من الأصوات. أما الرئيس رجب طيب أردوغان فوصل به الأمر إلى حد تهديد سكان الإقليم بالمجاعة عبر منع الشاحنات والنفط من العبور عبر الأراضي التركية. كما أعلن أن بلاده لن تسمح مستقبلا بتصدير النفط العراقي إلا عن طريق الحكومة المركزية في بغداد وأنها ستسلم المعابر الحدودية المشتركة مع الإقليم إلى بغداد وستلجأ إلى إجراءات عسكرية إذا لزم الأمر. تُرى ما هي التبعات المرتقبة لذلك على الإقليم الذي شهد حتى 2014 ازدهارا شبهه البعض بالمعجزة الاقتصادية؟
لا اقتصاد بدون نفط!
ما يزال إقليم كردستان العراق بمساحة 40 ألف كيلو متر مربع وعدد سكان بحدود 5 ملايين نسمة يعتمد في موارده على النفط كباقي مناطق العراق الأخرى بنسبة تزيد على 95 بالمائة من إيراداته. وتذهب معظم التقديرات إلى أن صادراته اليومية لا تقل عن نصف مليون برميل يوميا يضخها من حقول ضمن أراضيه ومن نفط منطقة كركوك المتنازع عليها مع الحكومة المركزية في بغداد. وعلى ضوء أسعار النفط الحالية تتراوح قيمة مبيعاته اليومية بنحو 50 إلى 60 مليون دولار يوميا. وتمر جميع صادرات الإقليم النفطية عبر الأراضي التركية إلى ميناء جيهان على البحر المتوسط. ويقدر حجم التبادل التجاري بين الإقليم وتركيا بنحو 6 مليارات دولار سنويا. ومن هنا فإن قيام تركيا بقطع علاقاتها معه ووقف تدفق النفط الذي يصدره الإقليم عبر أراضيها يعني تجفيف موارده وحصول شلل شبه كامل في قطاعاته الاقتصادية التي تعتمد على النفط.
من أين الطعام واللباس؟
ولا تقتصر مشكلة كردستان العراق على لعنة الجغرافيا المتعلقة بمسار صادراته النفطية، بل أيضا باعتماده الكبير على المنتجات التركية والإيرانية في توفير متطلبات أسواقه من الأغذية والألبسة والمنتجات الاستهلاكية الأخرى. كما أن المنتجات المستوردة من الصين ودول أخرى تمر عبر حدود وأجواء ومرافئ تركيا وإيران. وتشير جميع المعطيات المتوفرة عن اقتصاد الإقليم أن نسبة اعتماده على الاستيراد من الخارج لا تقل عن 90 بالمائة من احتياجاته الاستهلاكية. وعلى الرغم من أن الأغذية والأدوية والسلع الإنسانية الأخرى ستكون مستثناة من المقاطعة الاقتصادية التي بدأت فعليا مع توقف حركة الطيران المدني من وإلى أربيل والسليمانية، فإن إيصال ما يكفي منها لن يكون بالأمر السهل، الأمر الذي يهدد بنقصها وارتفاع أسعارها بشكل جنوني لقلة العرض. ويحرم توقف حركة الملاحة الجوية الإقليم من رسوم سفر وسياحة تقدر بملايين الدولارات شهريا.
تنمية بنكهة البرستيج
شهد الإقليم حتى عام 2014 فترة ازدهار بفضل التدفقات المالية الضخمة التي حصل عليها من مبيعات النفط ومن حصته التي تصل إلى 17 بالمائة من الميزانية المركزية التي يزيد حجمها على 60 مليار دولار سنويا. غير أن الازدهار تركز على العقارات والخدمات المستوردة دون تنمية ذاتية لقطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي المحلية. وهو الأمر الذي أبقى اقتصاده يعتمد في صادراته على ريع النفط وفي واردته على استيراد كل شيء تقريبا. ومن هنا فإن قرار سلطات الإقليم بإجراء الاستفتاء والتوجه إلى الاستقلال عن العراق ليس له مبررات قوية من الناحية الاقتصادية مقارنة بالسياسة والتاريخ. ويزيد من قوة هذا الاستنتاج المشاكل المالية المتزايدة بسبب تراجع أسعار النفط والفساد الذي ينخر مفاصل إدارات الإقليم التي تهيمن عليها بشكل واسع عائلتين تقليديتين هما عائلة برزاني في إربيل وطالباني في السليمانية. ويزيد الوضع سوءا بطء الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الإقليم لمكافحة المحسوبية والرشوة والاستيلاء على المال العام. يضاف إلى ذلك أن برزاني يواجه معارضة داخلية متزايدة بسبب تمسكه بالسطلة بشكل غير دستوري، وهو الأمر الذي يعكر المناخ السياسي ويسمم المناخ الاستثماري.
مكاسب اقتصادية مهددة
كرس إقليم كردستان خلال فترة حكمه الذاتي الكثير من الامتيازات السياسية والاقتصادية. على الصعيد الاقتصادي تتمتع المنطقة في الوقت الحالي بأكثر من حكم ذاتي وأقل وضع دولة مستقلة. فالإقليم الذي يترأسه مسعود برزاني دون انقطاع يصدّر بشكل مستقل عن بغداد أكثر من نصف مليون برميل نفط من الحقول المكتشفة ضمن أراضيه ومن كركوك المتنازع عليها دون العودة إلى الحكومة المركزية في بغداد. كما تجمع حكومته التي يترأسها نيجيرفان البرزاني، وهو ابن اخ مسعود الرسوم البلدية والجمركية وتعقد الاتفاقيات وتصدر التراخيص وتأشيرات السفر. يضاف إلى ذلك حقه الدستوري في الحصول على 17 بالمائة من أموال ميزانية الحكومة المركزية التي تعرقل ضخها جزئيا منذ فترة ليست بالبعيدة بسبب الخلافات على توزيع عائدات النفط بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم. ولا ننسى أيضا أن سلطات الإقليم تتلقى مساعدات ألمانية وغربية سخية على مختلف الصعد. ومن هنا يطرح السؤال نفسه، لماذا الاستفتاء الآن على الاستقلال الذي يحلم به غالبية الأكراد طوال تاريخهم الذين تعرضوا خلاله لحقب سوداء من الاضطهاد؟ هل تستحق هذه الخطوة التي يرفضها جميع الجيران التضحية بامتيازات اقتصادية يمكن تعزيزها بعد سيطرة القوات الكردية/ اليبشمركة على كركوك التي تضم أراضيها احتياطات نفطية هائلة؟ وتقد هذه الاحتياطات بنحول 45 مليار برميل، أي ما يعادل ثلث احتياطات العراق النفطية.
المراهنة على المستقبل
تقر الغالبية الساحقة من الخبراء المنتمين للنخب الكردية أمثال روز هلكوت، الخبير والمتحدث باسم حركة التغيير المعارضة في البرلمان الكردي أن الوقت الحالي غير مناسب لاستقلال الإقليم، غير أن هيلكوت يراهن على المستقبل كما عبر عن ذلك في حديث مع DW عربية، "لأن كردستان تتمتع بثروات زراعية وطبيعية وسياحية وبشرية تضمن مستقبلا اقتصاديا زاهرا له في علاقات حسن جوار مع العراق وتركيا وإيران وسوريا". ويؤيد وجهة النظر خليل غازي بيسفكى، الاستشاري في المجلس الاقتصادي للإقليم وأستاذ الاقتصاد بجامعة دهوك، لاسيما وأن الإقليم يتمتع "بقوة شرائية عالية واستقرار أمني يضمن تدفق الاستثمارات الأجنبية إليه".