كرة القدم الألمانية: ضحية أخرى من ضحايا الحقبة النازية
كثيراً ما تعرض الاتحاد الألماني لكرة القدم لانتقادات لاذعة نتجت عن تواجد فصل أسود ضمن سجل تاريخه الطويل. أورخت أول صفحات هذا الفصل بفاجعة 1933، عندما تسلم الدكتاتور أدولف هتلر زمام الأمور في الرايخ الثالث، أما أخرها فزينت ببشرى انهيار الحكم النازي في ألمانيا عام 1945. ما بين هذين العامين كانت ألمانيا مازالت ترزخ تحت نير العنصرية والتعسف، التي التهمت في معسكرات الاعتقال النازية الملايين من خيرة أبناء الشعب الأبرياء، وأغلبهم من ذوي الأصول اليهودية. وقبل ارتكاب هذه الجريمة النكراء تم إقصاء اليهود من شتى مجالات الحياة العامة في ألمانيا. وكان مرجع ذلك هو تواطئ العديد من المسئولين في مختلف المجالات مع النظام الحاكم. واليوم وبعد مرور 65 عاماً على سقوط ألمانيا النازية قام الاتحاد الألماني لكرة القدم بتقصي الحقائق، التي سطرها التاريخ عما وقع للاعبين وللمدربين اليهود من ظلم واضطهاد خلال تلك الفترة.
"الكرة النازية"
"كرة القدم في ظل الصليب المعقوف" هو عنوان الدراسة، التي قام بإجرائها عالم التاريخ نيلس هافيمان بتكليف من اتحاد كرة القدم الألماني. وُنشرت نتائج هذه الدراسة، التي تناولت أوضاع الاتحاد أثناء الحقبة النازية، يوم الـ 13 من أيلول/سبتمبر
2005 في العاصمة برلين. وعن الإسلوب العلمي الذي تم إتباعه في البحث عن الحقائق التاريخية يقول هافيمان: "ككل علماء التاريخ تركت المصادر التاريخية وحدها تقودني إلى الحقيقة. لقد قمت بدايةً بجمع كل ما يزخر به ما يزيد عن 40 أرشيف داخل ألمانيا وخارجها. كما قمت بعد ذلك بتحليل المعلومات التي تحتوي عليها ما وجدته من وثائق. وعلى ضوء ذلك توصلت إلى النتيجة."
الانتهازية هي السبب
نتيجة هذه الدراسة تثير الفزع، فبالرغم من تبني عدد قليل من أعضاء الاتحاد الألماني لكرة القدم للإيديولوجية النازية إبان حكم أدولف هتلر، إلا أن الكثير منهم قد ساهموا بشكل أو بأخر في دعم استقرار الحكم النازي في ألمانيا، وذلك بسبب الإهمال أو الجهل المتعمد أو الانتهازية المطلقة أو انطلاقاً من دوافع شخصية، منها الرغبة في اعتلاء المناصب داخل الاتحاد. كل ذلك يجعل من القائمين على كرة القدم في تلك الفترة مشاركون في حمل أوزار ما وقع لليهود من اضطهاد وملاحقة وابادة، على حد تعبير هافيمان.
احتقار أدمية الإنسان
سجل باحث التاريخ هافيمان تصرفات المسئولين الكرويين في الفترة ما بين 1933 و 1945 على هيئة قصص وسير ذاتية. ومن أولئك المسئولين المدرب الأسبق للفريق القومي أوتو نيرتس، كان نيرتس من أشد المحرضين النازيين سوءاً. فلقد اشتهر نيرتس بكتابته المشينة والمعادية للسامية التي نشرت عام 1943. وبعد أن خلف سيب هيربيرغر النازي أوتو نيرتس في تدريب الفريق لم يتغير الحال كثيراً. لم يتبن هيربيرغر إيديولوجية ما، ولكنه قدم عن طيب خاطر خدماته للإيديولوجية (النازية)، التي احتقرت أدمية الإنسان، على حد قول هافيمان. والجدير بذكره في هذا السياق أن هيربيرغر قد استمر في تدريب الفريق الألماني حتى عام 1964. وفى عهده فاز الفريق القومي الألماني لأول مرة ببطولة كأس العالم عام 1954.
تهاون ملموس
ظل هذا الفصل الأسود من سجل تاريخ الاتحاد الألماني لكرة القدم مختفياً في طي النسيان، ولكنه لم يعد كذلك بفضل تيو تسفانتسغير، الرئيس الحالي للاتحاد. تسفانتسغير غير مندهش لما أسفرت عنه الدراسة من نتائج، إذ يقول: "إنه من الواضح أن الاتحاد لم يشهد خلال الحقبة النازية شخصيات قيادية ترغب في مقاومة التعسف، حيث أنه كان من الممكن استغلال الفرصة وحث الجماهير على مقاومة النازيين من خلال رياضة كرة القدم، التي تتمتع بشعبية فائقة."
يوليوس هيرش ضحية التعصب
أما أجلى مثال على الاضطهاد والقهر ومعانة اللاعبين اليهود جراء ذلك، فهو ما تعرض له يوليوس هيرش. كان هيرش اليهودي الديانة لاعباً في الفريق القومي. وبعد أن تسلم النازيون مقاليد الأمور في ألمانيا وتحت الضغط الهائل اضطر هيرش إلى ترك فريق كارلسروهه لكرة القدم، والذي كان من أحد أهم لاعبيه. بعد ذلك بأيام قليلة زُج باللاعب اليهودي في السجن، وقتل في معسكر الاعتقال والإبادة في أوشفيتس. هذه القصة، وغيرها من المآسي تم نشرها في إطار دراسة نيلس هافيمان التي صدرت على شكل كتاب مكون 473 صفحة.
علاء الدين سرحان - دويتشه فيلّه