قنينة الغاز في الجزائر - عنوان محنة يومية في شتاء قارس
٢٨ فبراير ٢٠١٢لا تزال الجزائر تعيش تحت أزمة البرد الناتجة عن العاصفة الثلجية التي اجتاحت معظم أرجاء البلد منذ أسابيع، وهي أعنف موجة برد منذ عشرين عاما طالت حتى المناطق الصحراوية، وتسببت في وقوع عشرات القتلى ومئات الجرحى والمفقودين وشلل تام لمعظم الطرق الرئيسية للبلاد. وعمق من هذه الظروف الجوية التي فرضتها الطبيعة الطريقة التي تعاطى بها المسؤولون في بداية الأزمة التي كان عنوانها الأبرز ندرة قنينات غاز البوتان المستمرة إلى اليوم.DW قامت بجولة إلى مراكز التوزيع ورصدت أراء الجزائريين حولها.
أزمة برد في بلد ينام على الغاز
كان جالسا على ركبتيه جنب قنينة الغاز وهو يرتعد من شدة البرد، ينفخ في يديه بين الفينة والأخرى، ينظر بقلق كبير إلى الطابور الطويل الذي يقف فيه، ويتمتم بين شفتيه بكلمات غير مفهومة. اقتربنا من مسعود (43 سنة)، وسألناه عن توقيت قدوم شاحنة توزيع غاز البوتان، ودون أن يتكلم رفع يده في إشارة أنه لا يدري. كان الجو ما زال مكهربا بعد مشاجرة كلامية وقعت بين المواطنين وأحد المسؤولين بمحطة التوزيع نفطال ببرج الكيفان في الجزائر العاصمة، يقول مسعود "منذ الصباح الباكر ونحن على هذا الحال، ننتظر شاحنة التوزيع التي قد تأتي أو لا تأتي كما كان الحال أمس.. بقينا في الطابور أكثر من 7 ساعات ليفاجئنا في آخر النهار مدير المحطة قائلا لنا أن الشاحنة لن تأتي لأنه تم تحويلها إلى جهة أخرى"، ويضيف جمال (20 سنة) بقلق كبير "لسنا ندري ما يحدث، كيف يعقل أن نعيش أزمة غاز ونحن أول بلد إفريقي في إنتاج الغاز".
طوابير وتطاحن من أجل قارورة غاز
تركنا برج الكيفان وسكانها ينتظرون قدوم الفرج مع الشاحنة واتجهنا إلى مركز تعبئة قنينات غاز البوتان بسيدي رزين، ببلدية براقي جنوب العاصمة، الذي وجدنا فيه جميع قوى الأمن من شرطة ودرك وطني في حالة استنفار قصوى نتيجة تدفق مئات الشاحنات تحمل ترقيم مختلف ولايات الوطن، على غرار تيزي وزو، المدية، بومرداس، العاصمة، البليدة، تيبازة، وعندما اقتربنا أكثر من البوابة الرئيسية للمركز تفاجئنا بالطوابير الطويلة لمواطنين من مختلف الأعمار يحملون قنينات الغاز أمام البوابة الرئيسية، وتحت حراسة وتنظيم رجال الدرك الوطني، وعندما استفسرنا عن سبب وجود الدرك هنا قال أحد الأعوان "الدرك هو من ينظم عملية التوزيع، ولولا وجوده لكانت الكارثة، حيث ورغم التواجد المكثف لهم، تحدث بين الحين والآخر مشادات عنيفة بين المواطنين، يتدخل الدرك لتفريقها".
الحطب بديلا إلى أجل غير مسمى
يقول عبد الرحمان (36 سنة) من حي باش جراح بالعاصمة إنه منذ الثامنة صباحا وهو هنا، "لقد سعيت بكل الوسائل للحصول على قنينة الغاز لكني فشلت، ودلني صديقي على هذا المكان فجئت باكرا لعلي أحصل على واحدة"، ويضيف عبد الرحمان لـ DW "حتى في السوق السوداء لم أجد بالرغم من سعرها الجنوني الذي تجاوز 2000 دينار جزائري في بعض الأحياء (سعرها الأصلي 200 دج)".
كانت الساعة تشير إلى الرابعة و النصف مساءً حين اقتربنا من رجل تجاوز العقد الخامس، سألناه عن المنطقة التي جاء منها، فقال عمي البشير "أنا من الشفة (ولاية البليدة)، جئت هنا بعدما يئست من وعود رئيس البلدية بتوفير قنينة الغاز، فمنذ أربعة أيام ونحن نطبخ ونتدفأ بالحطب، (يضحك) لقد أجبرتنا هذه الأزمة على العودة إلى الزمن الماضي...لكن صراحة إننا نعاني".
الجزائريون يتهادون قنينة الغاز في عيد الحب
معاناة الجزائريين مع قنينات الغاز تحولت إلى رسومات كاريكاتورية ونكتا، تفنن أصحابها في توصيف الواقع والمأساة ليصنعوا دفئا خاصا ينسيهم قساوة البرد القارص. وتحولت قنينة غاز البوتان لموضوع جدل عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وأبرز ما تناوله الجزائريون خلال هذه الفترة من نكت تلك المتعلقة بعيد الحب الذي صادف لـ 14 فبراير، حيث تظهر إحدى الصورة الكاريكاتورية رجلا يهدي زوجته قنينة غاز يحملها على كتفه وهو يقول "عيد حب سعيد يا حبيبتي"، وتبرز الصورة علامات الفرح والسرور على وجه الزوجة بهذه الهدية القيمة. كما نجح مشاغبو شبكات التواصل الاجتماعي في عرض مئات الصور ومقاطع الفيديو التي تظهر معاناة المواطنين مع قارورة الغاز والطوابير الطويلة، الكثير منها مأساوي ويدين الحكومة في عدم قدرتها على مواجهة هذه المشكلة.
ومن ناحيتهم يرفض مسؤولو شركة نفطال الموزعة للغاز الإقرار بوجود أزمة تزود بالمادة، ويرجعون السبب إلى الطرق المقطوعة وموجة البرد غير المسبوقة التي تعرفها البلاد، ويؤكدون بأن نسبة الإنتاج تضاعفت بشكل لم تعرفه المؤسسة من قبل، حيث ارتفع الإنتاج من 400 ألف قنينة يوميا في الفترات العادية إلى 700 ألف وحدة يوميا في هذه الأسابيع.
جهود في الوقت بدل الضائع
وتكشف تقديرات وزارة الطاقة أن معدل اقتناء غاز البوتان في الجزائر يتراوح بين 350 و400 ألف قارورة غاز يوميا، أي بمعدل 12 مليون قارورة شهريا، و الرقم يرتفع حسب الحالات الاستثنائية مثل هذه التي تعرفها البلاد. وتقدر حظيرة قارورات الغاز في الجزائر بما بين 22 إلى 23 مليون قنينة غاز، أي بمعدل يقترب من 63 بالمائة من إجمالي عدد السكان، مقابل تغطية بالغاز الطبيعي بنسبة ربط قدرت مع نهاية سنة 2011 بحوالي 48 بالمائة فقط، وهو ما جعل أغلب السكان يعتمدون على غاز البوتان.
دخول المضاربين على خط الأزمة في ظل الغياب المطلق لرقابة الدولة للسوق ضاعف من معاناة الفقراء الذين لا يستطيعون دفع ثمن قارورة الغاز بـ2000 دج، ومن أجل حصار موجة الغضب والاحتجاجات لجأ رؤساء بعض البلديات إلى طريقة بيع قارورة الغاز ببطاقة التعريف الوطني (بطاقة الهوية)، من أجل ضمان إيصال المادة لأكبر عدد من السكان، وهي الفكرة التي لقيت استحسان الجميع.
وأظهرت أزمة الغاز في الأسابيع الماضية تكرر الغياب المطلق للجان الأحياء ومؤسسات المجتمع المدني، في التكفل بمثل هذه المشكلات والأزمات، ويقول المكي 33 سنة، "أين هي هذه الجمعيات لمساعدة الناس في محنتهم، أم أنهم يظهرون فقط في الحملات الانتخابية عندما يجعلون أصواتنا جسر التقرب للسلطة".
توفيق بوقاعدة/ الجزائر
مراجعة:طارق أنكاي