تجارة السيارات الجديدة في الجزائر... أسهل الطرق نحو الثراء
١٠ نوفمبر ٢٠١١يُرجع كثير من الجزائريين سبب ارتفاع أسعار السيارات إلى قرارات الحكومة المتتالية للحد من عدد السيارات المستوردة، دون الأخذ بمصلحة المواطن البسيط. ويقول عبد الهاني "إن قرار الحكومة بمنع استيراد السيارات أقل من ثلاث سنوات هو السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار السيارات الجديدة والمستعملة" ويضيف لدويتشه فيله "جاء القرار في مصلحة وكلاء السيارات الذين ارتفعت مبيعاتهم بشكل كبير في السنوات الأخيرة، والكثير منها عجز عن تلبية الطلبات المتزايدة على علاماتها". غير أن سفيان مجدان يرى أن السبب الحقيقي هو إلغاء القروض الاستهلاكية التي كانت الوسيلة الوحيدة التي مكنت العائلات ذات الدخل المتوسط من امتلاك السيارات الجديدة، ويضيف "لقد ضيع قرار الحكومة في جويلية 2009 حلم الكثير من الموظفين من أصحاب الدخول المتوسطة من امتلاك وسيلة نقل مريحة تجنبهم أهوال النقل العمومي المهترئ".
وتشترط الحكومة لعودة القروض الاستهلاكية لاقتناء السيارات الجديدة، بروز صناعة وطنية للسيارات بالشراكة مع بعض الشركات المصنعة، وقال كريم جودي، وزير المالية: "يوجد حاليا عدد معين من مشاريع مصانع السيارات طور التحادث بين الحكومة الجزائرية والمنتجين. وبما أن هذه المشاريع ستنجز ينبغي علينا مرافقة ذلك بوضع قرض للاستهلاك لاقتناء سيارات مصنوعة على مستوى السوق الداخلية".
الوكالات المعتمدة خارج القانون والرقابة
وفي ظل غياب رقابة مستمرة على وكالات بيع السيارات في الجزائر، يشتكي مئات الزبائن يوميا من التلاعب الذي تقوم به هذه الوكالات، وخاصة ما يتعلق بمواعيد التسليم. ويرى كمال أن هناك تلاعبات كثيرة يقوم بها أصحاب الوكالات، الذين همهم الوحيد جيوب الزبائن دون تقديم الخدمات اللازمة، وأقلها الالتزام بالمواعيد المحددة للتسليم.
ويحكي كمال لدوتشيه فيله معاناته مع إحدى هذه الوكالات التي لا تزال تؤجل كل مرة موعد تسليم سيارته التي اشتراها ودفع ثمنها كاملا في شهر آذار مارس الماضي على أن تسلم له في غضون 20 يوما، إلا أنه لم يستلمها لحد الآن، وقال لدوتشيه فيله "لقد طالبت باستعادة أموالي من أجل شراء السيارة من السوق الموازية لكنهم رفضوا ذلك، وما زلت انتظر".
السماسرة يحولون الأسواق إلى وكالات غير معتمدة
وأمام معاناة الزبائن في وكالات البيع المعتمد،ة يلجأ الكثير من المواطنين إلى اقتناء سيارات جديدة من السوق الموازية، لكن بأسعار تفوق بكثير سعرها الحقيقي في قاعات عرض الوكالات المعتمدة. وللوقوف على الظاهرة توجهنا إلى أشهر سوق سيارات في الجزائر،"سوق تيجلابين" بولاية بومرداس (شرق العاصمة)، وما لفت انتباهنا ونحن ندخله هو وجود عدد كبير من السيارات الجديدة، من مختلف العلامات والأحجام، على غير العادة في هذه السوق المعروفة لبيع السيارات القديمة والمستعملة.
تقدمنا من أحد الباعة الشباب وسألناه عن سعر سيارته التي لم يسجل عدادها إلا 250 كلم، وكانت المفاجأة، فالسعر الذي يعرضه يفوق سعر ذات السيارة في قاعة العرض ب70 ألف دينار جزائري. وبرر عباس هذه الزيادة بالقول "هذه الزيادة مقابل عدم الانتظار ثلاثة أو أربعة أشهر، نحن نقدمها لك سيارة جديدة وعلى الفور"، وتكررت ذات العبارة من أغلب الباعة الذين سألناهم في السوق، ويقول عمار، صاحب سيارة ذات علامة آسيوية، لدوتشيه فيله: "لقد أصبحت السمسرة في السيارات الجديدة مهنتي المفضلة، لأن ربحها مضمون، ويعتمد في الأساس على ندرة السيارات في مخازن الوكلاء المعتمدين".
وحول طريقة حصوله على هذه السيارة المفقودة -حسب تعبيره-، يضيف عمار "أقوم بتقديم طلبات شراء السيارات على فترات متباعدة، وكلما أبيع سيارة أطلب أخرى، وهكذا احصل على دخل معتبر جدا بدلا عن بيع السيارات القديمة التي نخسر في سيارة ما نربحه في أخرى".
اليد الخفية تسيطر على السوق
تكرر مشهد السيارات الجديدة في سوق الحراش بالجزائر العاصمة، بعد أن عاد الانتعاش لهذه السوق التي عرفت قبل ثلاث سنوات حالة ركود شبه تامة، حيث يندر أن تعقد بها صفقة بيع وشراء، لكننا وجدنا السوق هذه المرة مزدحمة بآلاف الزوار، ولا تكاد أسعار السيارات الجديدة تختلف عن سوق تيجلابين، وكأن هناك هيئة معينة تضع تسعيرة موحدة لمختلف أصناف العلامات، غير أن حالة تذمر لمسناها لدى بعض البائعين والمشتريين على السواء من هؤلاء السماسرة الجدد (بزناسية 00)، الذين أضحوا يسيطرون على السوق، ويفرضون منطقهم فيها ويتلاعبون بأسعارها كما يشاؤون.
السوق الافتراضية .. الخيار الأمثل
وطور السماسرة الجدد من وسائل الترويج لسياراتهم فلجئوا إلى السوق الافتراضية على شبكة الانترنت، ويعتبر موقع واد كنيس أشهر المواقع الجزائرية المتخصص في إعلانات الشركات والأفراد، ويقول السمسار عبد الحفيظ الذي اتصلنا به كزبائن لشراء سيارته المعروضة بالموقع "لقد وجدنا ضالتنا في هذا الموقع المجاني، حيث نقوم بصفقات البيع ونحن في بيوتنا بدل معاناة الأسواق وتكاليفها". وبعد دردشة قصيرة مع عبد الحفيظ، تبين لنا أنه يملك خمس سيارات وكلها جديدة، وبدون وثائق التأمين التي تفرضها الوكالات على الزبائن قبل خروج السيارة من المستودع، وعند استفسارنا عن الأمر قال عبد الحفيظ، "لدينا شركاء يعملون في هذه الوكالات، ويقدمون لنا التسهيلات الكفيلة بتحقيق أكبر نسبة من الربح، ومنها استلام السيارة مباشرة بعد دفع ثمنها دون انتظار".
حاولنا الاستفسار لدى وكالات بيع السيارات عن سبب طول مدة التسليم، فتحجج أغلبهم بعوامل خارجة عن إرادتهم، ومنها طول إجراءات الجمركة، وبعد المسافة بين موانئ الوصول بشرق الجزائر وغربها ومراكز التخزين بالعاصمة، ونفى المسؤولون بهذه الوكالات وجود أي محاباة أو تواطؤ بينهم وبين السماسرة، في الوقت الذي يؤكد فيه شركاؤهم ذلك.
و يتوقع خبراء اقتصاديون استمرار ارتفاع أسعار السيارات بالسوق الموازية التي لا تزال غير منظمة وتحت رحمة المضاربين ومافيا السوق، بالإضافة إلى عدم قدرة وكلاء السيارات الأربعين المعتمدين في الجزائر تلبية حاجيات السوق المتزايدة، وتؤكد إحصائيات المركز الوطني للإعلام والإحصاء، ارتفاع واردات الجزائر من السيارات بنسبة 33.66 بالمائة خلال النصف الأول من العام الجاري لتبلغ 176901 سيارة بقيمة إجمالية قدرت بـ 2.3 مليار دولار أمريكي.
الجزائر- توفيق بوقاعدة
مراجعة: عبد الرحمن عثمان