قفة رمضان في الجزائر بين الحاجة وسمسرة المال والسياسة
٢٥ يوليو ٢٠١٢تشهد مختلف البلديات عبر جهات الجزائر الأربعة مع بداية شهر رمضان حالة غليان وتذمر للمواطنين من المحتويات والطريقة المتبعة في توزيع المساعدات الغذائية التي تقدمها الحكومة الجزائرية سنويا على العائلات الفقيرة وضعيفة الدخل، ويطلق على هذه المساعدات إسم "قفة رمضان" التي تحتوي على بعض المواد الأساسية كالدقيق والسكر والقهوة والأرز والحبوب الجافة وزيت الطاولة ومسحوق الحليب، وغيرها من المواد الغذائية الأساسية. وقدر عددها هذا العام بأكثر من مليون و300 ألف قفة، تتراوح القيمة المالية للقفة الواحدة بين 1500 دينار و 7000 دينار تبعا لاختلاف مستوى العيش في بلديات الوطن.
القفة بدل الصك البنكي
وما ميز برنامج "قفة رمضان" هذا العام هو تأخر أغلب البلديات في جرد وضبط العائلات المستحقة للإعانة الغذائية، وذلك بسبب عدم حسم الحكومة مبكراً في صيغة إعطاء ، وتأخر ضخ المبالغ المالية المرصودة للعملية من المحافظات للبلديات، والمقدرة بـ 50 مليون دينار جزائري (5 مليون يورو)، و قد سعت الحكومة إلى تطبيق صيغة جديدة تحفظ بها كرامة المواطن المحتاج بتحويل قيمة قفة رمضان إلى مبلغ مالي في صيغة صك بنكي، كما طالبت العائلات في المرات السابقة، إلا أن ضغط الولاة والمسؤولين على المستوى المحلي حال دون ذلك. وحجتهم في ذلك أن جهات عديدة كانت تسعى لاختلاس مبالغ الإعانات وتحويلها بأسماء وهمية. وهو ما ُفهم منه أن الحكومة عاجزة عن رقابة أعوانها حتى في المساعدات الإنسانية.
دولة غنية بالمال والفقر
وتظل الطوابير الطويلة للمواطنين الراغبين في الحصول على قفة رمضان المشهد المتكرر في أغلب بلديات البلاد في أيام رمضان، وكثيرا ما تحولت هذه الطوابير إلى حركات احتجاجية ساخطة على القائمين على عملية التوزيع سواء بعد إقصائهم أو إهانة العائلات المستحقة للإعانة من طرف المسؤولين أو التماطل في توزيعها.
طوابير الجوع
وعبر مواطنون وناشطون في المجتمع المدني وعبر شبكات التواصل الاجتماعي عن رفضهم للطريقة التي يتم بها توزيع هذه المساعدات الغذائية ويعتبرونها مذلة لكرامة الجزائري، ويقول عبد السلام (52 سنة) الذي وجدناه أمام بلدية الدار البيضاء ينتظر حصته من الإعانة" ما الفائدة من مساعدات ننتظرها أشهر ولا تكفي لأيام، بالإضافة إلى أننا لا نحصل عليها في الوقت المناسب"، ويضيف لـ DWعربية: "لماذا هذا التماطل والتسويف غير مبرر، إنهم يصرون على إذلالنا في "طوابير الجوع" كما أصبحنا نسمى". ويرفض أرباب العائلات المعوزة الحصول على قفة رمضان التي اختار لها وزير التضامن الوطني السعيد بركات هذا العام إسم "طرد رمضان"، لحفظ كرامة مستحقيها -حسب تعبيره-، وحجتهم في ذلك أنهم لن يكونوا مطية لجشع التجار والمنتخبين الذين يبرمون الصفقات، ولا هم لهم سوى المتاجرة بالفقراء والمحتاجين دون أن يعطوهم نصف حقوقهم المقررة.
تلاعبات بصحة الفقراء
وتكشف مصالح الأمن في كل سنة عن تلاعبات كبيرة في صرف قفة رمضان على مستحقيها من الأيتام والفقراء والمساكين، حيث تضمنت بعض قوائم المستفيدين أسماء لموتى ومهاجرين في الخارج، وأشخاص من ذوي الدخول المرتفعة استفـادوا من القفة بطريقة مشبوهـة، هذا بالإضافة إلى تموين القفة بمواد فاسدة ومنتهية الصلاحية تسببت في حالات تسمم خطيرة، وهو ما حاولت أن تتداركه مصالح وزارة التجارة من خلال عملية إنزال واسعة لأعوان مديريات المراقبة وقمع الغش، للاطلاع بداية على سلامة المواد الغذائية والتأكد من مدة صلاحيتها واحترامها للشروط الصحية، بالتعاون مع مصالح الصحة بالبلديات، وهو ما من شأنه الحد من الأخطار التي تسببها قفة رمضان سنويا لصحة الفقراء والمحتاجين.
القفة والاستغلال السياسي
تسعى بعض الأحزاب السياسية عبر "قفة رمضان" إلى تحقيق مكاسب انتخابية وضمان أصوات وولاءات الفقراء الذين قد يحسموا جولاتها الانتخابية في المواعيد القادمة، ويجتهد بعض رؤساء البلديات الراغبين في التجديد للانتخابات البلدية القادمة توفير أكبر كمية من المساعدات الغذائية، للظهور في الأيام الأخيرة بمظهر "المسؤول الإنساني" الذي تهمه مصالح الفقراء قبل الأغنياء، ويقول في هذا السياق الدكتور نصير سمارة لـ dw" يريد الأميار تحويل قفة رمضان إلى واجهة إعلانية لهم في حملة انتخابية مسبقة، وبعد أن عجزوا عن تنفيذ وعهودهم الانتخابية الكاذبة طوال السنوات الخمس الماضية يريدون في الربع ساعة الأخير الحصول على تأشيرة الاستمرارية عبر دغدغة مشاعر الفقراء والمحتاجين والمتاجرة بعوزهم مع أصحاب المصالح والنفوذ".
غياب استرتيجية لمحاربة الفقر
وترى أحزاب المعارضة أن مسلسل قفة رمضان الذي تتضخم ميزانيته كل عام هو دليل على فشل الحكومة في تبني استراتيجية وطنية للقضاء على الفقر، و الإبقاء على السياسات الترقيعية. ويؤكد أمحمد حديبي المنسق الاعلامي لحركة النهضة (إسلامية معارضة)" أن مشروع قفة رمضان و إن تم تغيير إسمه إلى "طرد رمضان" هو إهانة للمواطن الجزائري الذي أصبح مثل المتسول ينتظر رضا وكرم رئيس البلدية عليه لسد جوع أبنائه، في الوقت الذي تعتبر بلاده من أغنى بلدان العالم" ويضيف حديبي لـ dw" إن البرنامج الذي تهول له الحكومة لا يكفى العائلة المحتاجة إلا أسبوعا واحدا فقط، في حين صرفت على مفرقعات عيد الاستقلال ميزانية أكبر من إطعام 5 ملايين مواطن جزائري في شهر الصيام".
توفيق بوقاعدة/ الجزائر
مراجعة: محمد المزياني