"فسحة حرية" في تعبيرات لغوية غريبة يتداولها الشباب الجزائري
١٣ يوليو ٢٠١٢عبد القادر لديه ولدان في مقتبل العمر، يقول أنه لا يفهم كثيرا كلمات يتلفظ بها ابنه فيصل، وهي كلمات غريبة تعلمها عن طريق احتكاكه برفقائه في الحي أو في المدرسة. ويروي انه عندما يتحدث في البيت مع إخوته الصغار يقول مثلا كلمة "شريكي" لأخيه بدر الدين، 6 سنوات، فقط وهي تحوير لكلمة الشريك وتعني الشخص الذي أتفاهم معه، وهي كلمة يضيف عبد القادر "دخيلة على اللهجة الجزائرية" وربما يستعملها الشباب فيما بينهم كدليل على الصداقة الحقيقية . ولا يقتصر الأمر عند كلمة شريك فهناك "أنتيك" يعني لاباس انا بخير، ولو تمعن المرء في الكلمة ربما لا تعطي المعنى الحقيقي لكلمة بخير، يضيف عبد القادر .
أولياء لا يفهمون كلام أولادهم
سألنا فيصل إبن عبد القادر عن مصدر هذه الكلمات فقال انه تعلمها من أصدقائه في الحي و أعطى فيصل الكثير من الأمثلة عنها، مثل كلمة "انوش" والتي تستعمل عند الحديث عن المثليين في الجزائر فبدل استعمال الكلمة باللهجة الجزائرية وهي قريبة للغة الفرنسية بالقول" لاي زومز سكسوال" نقول" انوش" احتراما للغير يعني هي عبارة عن كلمة مشفرة. وإلى جانب هذه الكلمة هناك كلمات عديدة مشفرة، عديدة مثلا يقول فيصل لفظة "مقروط" وهو نوع من أنواع الحلويات لكن هذه الكلمة اصبحت تستعمل عن الحديث عن شخص كثير الأكاذيب فيقال" قتلتنا بالمقروط" يعني تستعمل كثيرا الأكاذيب فكفاك، إلى ذلك من الألفاظ.
ويفهم من كلام فيصل أن الألفاظ الجديدة ليست سوى كلمات مشفرة تستعمل بين الشباب كتعبيرعن معاني لا يمكن للكبار فهمها أو لإخفاء ما ينوون فعله أمام أوليائهم وهذا ما أكده لنا ياسين 40 سنة. ويقول ياسين "انه لا يستعمل هذه الكلمات عدا القليل منها إلا انه يفهم هذه اللهجة الجديدة جيدأا. ويعتقد ياسين ان الانترنت والدردشة الإلكترونية هي التي جعلت الشباب يخلق مثل هذه الكلمات سواء مركبة بين لغات عدة كالفرنسية والإنجليزية أو جديدة مصدرها التشات(الدردشة) على شبكات التواصل الاجتماعي .
والمثير في الأمر ان الشباب الجزائري بات يستعمل كلمات عبرية ايضا، وفي كثير من الأحيان لا يعرف مصدره هذا ما يقوله سمير 30 سنة ، فقد لاحظ ان كلمة "هوبلة "متداولة بين الشباب الجزائري وتعني لديهم رائع او ما يعرف بالإنجليزية كوول.
تعبيرات تستمد معانيها من الدردشة الإلكترونية
وتعد شبكة الانترنت من أهم الأسباب وراء اتجاه الشباب الجزائري لاستخدام لهجات أخري، خصوصا وان ظاهرة "التشات" منتشرة كثيرا بين الأوساط الشبابية، إذ يتبادل الشباب أطراف الحديث عبر "المسنجر"، وهكذا فإن هذه الكلمات تنقل من منطقة لأخرى، وعند سؤالنا عمّا إذا كان هؤلاء الشباب يحدثون أولياءهم بهذه اللغة المشفرة، أخبرونا أنهم لو خاطبوهم بتلك العبارات لما فهموا شيئا، بل يحاولون تبسيط الأشياء والتكلم كما قالوا بطريقة عادية وبسيطة.
تقول فضيلة معلمة في الطور الثانوي أن التلاميذ في المدارس تركوا اللغة العربية الاصيلة واللهجة الجزائرية المألوفة، وقدمت مثالاعن تلميذ تدرسه، كل كلامه شفرات، فمثلا بدلا أن يستأذن بالخروج، يقول لها "أستاذة نقدر نهرب" في حين أن الهروب هو فرار في اللغة العربية، ليصبح في لهجة الشباب مرادفا للذهاب أو الخروج.
اما وسيلة 19 سنة قدم العديد من الكلمات التي يستعملها شبابنا اليوم، نذكر منها "سنكوحة" تعني خمسون دينارا و"نهف" تعني أكل "تشيبا" تعني فائدة، "تقرقيبة" تعني فائدة صغيرة.
لغة الانترنت محل لغة المستعمر الفرنسي والانتداب التركي
وتمتزج هذه العبارات المشفرة في كثير من الأحيان باللهجة العامية الجزائرية. فبعد 5 عقود على استقلال البلاد يستعمل الجزائريون لغة تخاطب يومي هي مزيج يشبه مزيج تاريخهم وهويتهم، التي طبعت بالحضارات الفينيقية والرومانية و البيزنطية و التركية و الفرنسية، و حتى الاسبانية خاصة في الجزائر و مدينة وهران في الغرب التي خضعت للاحتلال الاسباني قرنين وثمانين عاما .
يتحدث الجزائريون لهجة، هي مزيج من العربية و الامازيغية ( البربرية ) و الفرنسية و احيانا التركية، و هو مزيج لا يفهمه أغلب العرب، و ان كان مألوفا بالنسبة الى الجارتين تونس و المغرب. غير ان فهم العامية الجزائرية لن يكون سهلا، ففي جملة واحدة قد يكون الفاعل بالعربية والفعل بالفرنسية وتتمة الجملة بالامازيغية او بالتركية او حتى بالاسبانية . فجملة " سيارة دهست محمد و قد نقل إلى المستشفى" تتحول في العامية الجزائرية الى " محمد درباتو طوموبيل، اداتو ديريكت لسبيطار " . السيارة هي طوموبيل ( تحوير اللفظ الفرنسي automobile سبيطار هي المستشفى بالتركية، و درباتو ( تحوير لضربته ) و اللكنة هي لكنة الامازيغية التي يتحدث بها أهل منطقة القبائل.
رتيبة بوعدمة - الجزائر
مراجعة: منصف السليمي