في عيدها ميلادها السبعين... ما هو إرث "ماما" ميركل؟
١٧ يوليو ٢٠٢٤قررت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل ترك السياسة قبل عامين ونصف بعد أن شغلت منصبها منذ عام 2005 وحتى عام 2021. ومع احتفالها الأربعاء (17 يوليو / تموز 2024) بعيد ميلادها السبعين، أجرت مؤسسة "يوغوف" (YouGov) استطلاعاً للرأي شمل 2300 شخص في البلاد للوقوف على آراء الألمان حيال إرث زعيمتهم السابقة.
وقال أكثر من 60 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع إن الوضع في ألمانيا قد تدهور منذ تنحيها، فيما أنحى 28 بالمئة من المشاركين باللائمة في ذلك على الأداء السيء للحكومة الحالية التي تولت زمام الأمور عام 2021 وتتكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط)، وحزب الخضر ، وحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي).
وكشف الاستطلاع عن أن ربع المشاركين قالوا إن الظروف المعيشية الراهنة في ألمانيا ظلت على حالها منذ انتهاء حقبة ميركل.
براغماتية ومتحفظة
قد لا تكون ميركل على دراية بنتائج الاستطلاع، لكن من المؤكد أنها على دراية بالأزمات التي تواجهها البلاد بعد تنحيها، بداية من تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وما نتج عنها من تضخم وارتفاع في أسعار الطاقة، والحرب بين إسرائيل وحماس، ومروراً بالبيروقراطية المتفشية في البلاد وسوء أحوال البنية التحتية، وليس انتهاء بتزايد الاستقطاب السياسي في ألمانيا، وتنامي قوة الشعبوية في أنحاء أوروبا.
اشتهرت ميركل بالبراغماتية وعدم الانسياق وراء العاطفة على مدار 16 عاماً منذ توليها منصب الاستشارية عام 2005 وحتى عام 2021.
ومنذ قرار الابتعاد عن السياسية، حافظت ميركل على بقائها بعيداً عن الأنظار. وتعد ميركل أول رئيس حكومة يترك منصبه طواعية في ألمانيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد رفضها الترشح مرة أخرى بعد انتهاء ولايتها الأخيرة عام 2021.
ورغم خروجها من السلطة والتزامها البقاء بعيداً عن الأنظار، إلا أن الكثير من الألمان ما زال يتذكرونها خاصة مع احتفالها بعيد ميلادها. وبمناسبة عيد ميلادها السبعين، أشاد الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير بالمستشارة السابقة، واصفاً إياها بأنها "نموذج يحتذى به وعلامة مميزة في ديمقراطيتنا". وكتب شتاينماير، الذي كان وزيراً للخارجية في حقبة ميركل: "الشيء المميز في عيد ميلادك هو أن سنوات حياتك السبعين يمكن تقسيمها إلى نصفين متساويين. الخمسة والثلاثون عاماً الأولى حتى سقوط الجدار، والخامسة والثلاثون عاماً الأخرى في الحرية التي طال انتظارها".
بداية المشوار
نشأت ميركل وترعرت وعاشت سنوات شبابها في ألمانيا الشرقية أو ما كانت تُعرف باسم "جمهورية ألمانيا الديمقراطية" التي كانت تحت قبضة النظام الشيوعي. وكانت ميركل إبان ذلك بعيدة عن السياسة حيث كانت باحثة في الفيزياء. وعقب سقوط جدار برلين في التاسع من نوفمبر / تشرين الثاني عام 1989 بدأت مشوارها السياسي.
وحظي هذا الجانب من إرث ميركل على اهتمام صناع الفن السابع حيث تجلى ذلك في فيلم "السنوات المصيرية في حياة المستشارة" المؤلف من خمس أجزاء ومن إنتاج القناة التلفزيونية الأولى (أيه آر دي).
وبعد خوضها الغمار السياسي، انتقلت ميركل من منصب نائبة المتحدثة الصحفية باسم آخر رئيس وزراء لجمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى تولي وزارة الأسرة والشباب بين عامي 1991 و1994 ومن ثم وزارة البيئة بين عامي 1994 و1998. وبعد ذلك تقلدت عدة مهام في الحزب المسيحي الديمقراطي لتختم مسيرتها السياسية بمنصب المستشارة الذي شغلته قرابة 16 عاماً.
"أخطاء" و"إنجازات"
منذ تقاعدها، لم تظهر ميركل علناً إلا في مرات معدودة وفي بعض الأحيان على نحو مفاجئ مثل حضورها حفل أقيم في مايو / أيار الماضي بمناسبة حفل تقاعد وزير البيئة الأسبق يورغن تريتين، لكن الحدث الأبرز كان لقاء جمعها بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في برلين في مايو / أيار العام الماضي.
وبخلاف ذلك، حافظت ميركل على بقائها بعيداً عن الأنظار كما تعهدت في السابق. وأفادت وسائل إعلام بأنها مشغولة بكتابة مذكراتها المقرر نشرها في وقت لاحق من هذا العام.
وفيما يتعلق بحزبها الحزب المسيحي الديمقراطي، فلم تشارك ميركل في مؤتمراته منذ ديسمبر / كانون الأول عام 2021. وفي عيد ميلادها السبعين، أشاد نائب زعيم المجموعة البرلمانية للحزب ينس شبان بإرث ميركل، بيد أن هذه الإشادة لم تمنع ينس شبان من توجيه انتقادات لميركل فيما اعتبره "الأخطاء الثلاث الكبرى".
وفي مقابلة مع مجلة "فوكس"، قال وزير الصحة السابق إن "الهجرة الجماعية غير النظامية منذ عام 2015 أدت إلى زعزعة استقرار المجتمع الألماني وأثقلت كاهله. أما الخطأ الثاني طريقة تعاطيها مع الرئيس الروسي، إذ كان يتعين عليها تغيير طريقة تعاملها مع بوتين منذ عام 2014 عندما ضم روسيا شبه جزيرة القرم". وأضاف السياسي الألماني أن الخطأ الثالث الذي اقترفته ميركل - على حد وصفه - تمثل في التخلص التدريجي من الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما عام 2011.
وفيما يتعلق بمسؤولي الحكومة الحالية، فإن جُلهم سيقرون بأن حقبة ميركل كانت تتسم بالمحافظة على الأوضاع الراهنة، استناداً إلى الاعتقاد القائل أن الألمان لا يحبذون التغير. واليوم لا بد من التغير وعلى نحو سريع في مجالات الرقمنة، والتحول في الطاقة، ومعالجة أزمة نقص العمالة الماهرة، فضلاً عن تعزيز قدرات ألمانيا العسكرية في عالم يشهد نمو الروح القومية وصعود الشعبوية.
وحتى خصوم ميركل السياسيين، فما زالوا يشيدون بقدرة ميركل على تجاوز أزمات كبيرة مثل أزمة اليورو، والأزمة المالية العالمية، وأخيراً جائحة كورونا. ومشيداً بتواضعها، كتب نائب المستشار الحالي روبرت هابيك الذي ينتمي إلى حزب الخضر وأحد منافسي ميركل السابقين، في مقال نشرته مجلة "رولينغ ستون"، قائلا: "دائماً ما اتخيل ميركل وهي جالسة في منزلها تقشر البطاطا أو تشاهد المسلسلات البوليسية". ومن الواضح أن نائب المستشار الحالي يعني بكلامه أن أنغيلا ميركل تنفر من كل غرور.
أعده للعربية: محمد فرحان