فيديو كليب غنائي يثير جدلا حادا في موريتانيا
١٨ أكتوبر ٢٠١٣أثار نشر فيديو كليب غنائي قبل أسبوعين على موقع اليوتيوب، للفنان الموريتاني حمزة براي ردود فعل قوية في الشارع الموريتاني مازالت تداعياتها متواصلة إلى اليوم. فعظم منتقدي الكليب الغنائي الذي حمل عنوان "it started from nouakchott " انتقدوا بشدة المشاهد التي تظهر فيها فتاة الموديل، (ليلى مولاي) حاسرة الرأس وبلباس "غير محتشم" يختلف عن الزى التقليدي للمرأة الموريتانية المعروف بالملحفة. "حركة لا للإباحية" التي تنشط في مناهضة ما تسميه بالتفسخ الأخلاقي في المجتمع الموريتاني وصفت الفيديو كليب بأنه دعوة للخروج على التقاليد الموريتانية الإسلامية واعتبرت الفتاة وسيلة لترويج الانحلال الأخلاقي متوعدة برفع دعوى قضائية ضد الجهة المنتجة والشاب والشابة اللذان لعبا دور العشيقين في الفيديو كليب.
تعاطف المثقفين والمدونين
في المقابل، عبرت مجموعة من المدونين والكتاب والمثقفين عن تعاطفها مع الجهات المنتجة للفيديو واصفة إياه بالعمل الفني الطموح الذي يستحق أصحابه التشجيع. وانتقدت المجموعة ما وصفته بأصحاب الفكر الرجعي الذي يسعى إلى وأد كل تجربة فنية رائدة .
وفي حديث مع DW عربية اعتبر المدون الموريتاني أحمد جدو أنه "لا يجوز" محاكمة الإبداع أخلاقيا، لأن طريقة التعامل معه يجب أن تعتمد على المقاييس الفنية، مضيفا أن "الضجة الحالية مجرد انتصار لثقافة القبائل البيضانية، ولو كانت الفتاة التي ظهرت في الفيديو من فئة الزنوج لما حدثت أية ردة فعل لأن اليوتيوب مليء بفيديوهات تظهر فيها فتيات من الزنوج دون أن يقول أي أحد بأنهن خدشن الحياء أو تصرفن ضد القيم الإسلامية رغم أنهن مسلمات. أيضا تركيز الهجوم على الفتاة دون المغني الشاب يوحي بأننا نعيش في مجتمع منافق".
أما الناشط مزيد الشيخ فرد بالقول "نحن مجتمع يريد إظهار الفضيلة قصد التعتيم على الكثير من الأعمال المنافية لها، فبناتنا يسافرن إلى الخارج بمفردهن ويعشن حياتهن بكل حرية، لكن ثمة منظمات تنصّب نفسها وصية على الأخلاق، ومحاولاتها ستبقى بائسة وفاشلة".
الأغنية ليست للموعظة
في غضون ذلك، التقتDW عربية الطاقم المشرف على إنتاج فيديو كليب لاستطلاع موقفهم من الانتقادات الموجهة لهم، فرد المخرج احمد المختار "مبدئيا لم نقصد إثارة الرأي العام ضدنا ولم تكن لدينا أي أجندة خفية كما يقول البعض. كما لم يكن لدينا تخطيط مسبق لاختيار فتاة تلبس زيا مخالفا للمألوف. كل ما هناك، أن الفتاة ليلى مولاي لديها طريقتها في اللبس وقد اختارت بنفسها أن تظهر في الفيديو بطريقتها الخاصة ونحن من جهتنا نعتبر الموضوع حرية شخصية".
وأضاف المخرج إن بعض مشاهد الفيديو على شاطئ البحر تطلبت من الممثلين لبس زي يلاءم المكان. ولأن القصة عبارة عن يوميات عشيقين، فكان من اللازم أن تظهر واقعية من خلال اللبس. والأغنية في النهاية ليست موعظة". وختم بالقول "مثل هذه القصة تحدث في نواكشوط مئات المرات يوميا ونحن لم نأت بأي جديد، وكل ما قمنا به هو تصويرنا للواقع بطريقة فنية، لكن الناس يتهربون من هذا الواقع ويريدون أن يظل دائما خلف الأبواب".
أما منتج الفيدو كليب، أعلى باريك ely barik، فقد علق لـDW عربية بالقول: "لم نقصد الإساءة للمجتمع الموريتاني، وكنا نتوقع بكل تأكيد بعض ردود الفعل، لكننا لم نتوقعها بهذه الحدة وهذا الحجم. وكانت ثمة أيضا جهات وقفت إلى جانبنا. وهذا كله شيء إيجابي لأن الشهرة تولد عادة من الضجة رغم أننا لا نرى مبررا لمنتقدينا، فنحن لم ننتج فيلما إباحيا وإنما أغنية بسيطة بمجهود شباب طموح لم يكن هدفهم سوى الرقي بالفن الموريتاني دون الرغبة في إحداث أي ضرر معنوي لأحد".
وأوضح المنتج أن الجهة التي تعتزم رفع دعوى قضائية ضدهم، تعبر عن موجة التشدد التي اكتسحت موريتانيا منذ التسعينات، وهدفها فرض نمط من السلوك بالإرهاب والتهديد تارة والتشهير والكذب تارة أخرى.
"استهداف" للهوية الإسلامية
بيد أن "حركة لا للإباحية" التي تعد أبرز جهة منتقدة للفيلم، رأت في هؤلاء الشباب مجرد مجموعة تهدف إلى محاربة القيم الإسلامية في المجتمع الموريتاني بدعم من جهات أجنبية. وفي حديث لـDW عربية قال الشيخ بابا ولد محمد الأمجد الناطق باسم الحركة: "الفيلم يحمل رسالة غير أخلاقية جرحت مشاعر الناس لأنه يظهر امرأة مسلمة شبه عارية، ومن شأنه تشجيع الشباب على التخلي عن الزّي المحتشم وهذا استهداف للثقافة الموريتانية الإسلامية (...) لذا قررنا رفع دعوى قضائية ضد كل من شارك في إنتاج هذا الفيديو".
وقال ولد محمد الأمين "نحن لسنا ضد الثقافة بوجه عام ولكننا ضد الفن غير الملتزم". كما أنه نفا أن تكون الحركة الدينية قد تحركت انطلاقا من خلفية عنصرية قائلا "حركتنا نشأت من رحم المجتمع وهدفنا هو تغيير الظواهر السيئة في كل فئاته وأعراقه وقد نبهنا إلى وجود بعض الممارسات المنافية للإسلام في أوساط بعض فئات الزنوج".
وفي ختام حديثه، طالب ولد محمد الأمين الدولة الموريتانية بتحمل مسؤوليتها كاملة بتطبيق المادة 306 من القانون الجنائي الموريتاني التي تلزم المرأة بالاحتشام في الشارع والأماكن العامة.
بين الدين والثقافة
وفي خضم هذا الجدل، أوضحت الخبيرة الاجتماعية السالكة منت أحمين سالم لـDW عربية بأن البعد الديني للقضية يشكل الجانب الأكبر فيها، مستبعدة أن تكون للثقافة أي دور في صراع التيارات المعارضة للتحرر وتلك المؤيدة له، بل إنه مجرد صراع قيمي ديني بامتياز "لأننا مجتمع لا يولي أهمية كبيرة للثقافة والفن بقدر ما يوليها للدين والعادات والتقاليد ولذا لم ينتقد المجتمع فيديوهات نشرت سابقا لأنها لم تتجرأ على المس بالتقاليد الدينية".
واختتمت منت احمين سالم قائلة: "إن التركيز على زي الفتاة في الفيديو يعود إلى أنه يشكل أحد العادات غير المشتركة بين مكونات الشعب الموريتاني. فلكل فئة زيها الخاص الذي يخضع لمقاييس الاحتشام الخاصة، لكن الفتاة ظهرت بزي مختلف عن كل الأزياء المحلية بطريقة غير محتشمة".