فك "شيفرة" الصين.. إضفاء الطابع الصيني على الإسلام
٨ يوليو ٢٠٢٤
"السلام عليكم"... بهذه العبارة العربية حظيت بترحاب من عامل يقف أمام المسجد الكبير بوسط مدينة شيان الصينية ثم بادلته برد التحية "وعليكم السلام".
وبعد ذلك، قال العامل: "أنت مسلم.. الدخول بالمجان"، لكني أبلغته "لست مسلما، لكنى أريد دخول المسجد" الذي بات أحد المعالم السياحية الشهيرة في المدينة التي تعني بالصينية "السلام الخالد" وكانت عاصمة الصين سابقا.
وربما كان دافع العامل عن سؤالي عما إذا كنت مسلما، الوقوف حيال هل سوف أدفع رسوم دخول المسجد أم لا؟
وتفرض السلطات على الزوار غير المسلمين دفع ما يعادل 5 يورو للدخول فيما يعد المبلغ باهظا بالنسبة لسكان المدينة.
ورغم كوني غير مسلم، إلا أن العامل كان سعيدا بأني بادلته التحية باللغة العربية، إذ يبدو أن الزوار الصينيين يردون عليه التحية باللغة الصينية فقط.
أول مسجد في القرن السابع
وكانت مدينة شيان المحطة النهائية في "طريق الحرير" القديم وهو ما جعلها بمثابة نقطة تجمع للكثير من التجار من مختلف العرقيات منذ القرن السابع الميلادي. وإبان عهد أسرة تانغ، جرى تكليف الراهب شوانزانغ بإحضار نصوص بوذية من الهند إلى الصين وترجمتها إلى اللغة الصينية. وعلى غرار الإسلام، لم تكن الصين مصدرا للبوذية.
وتقول مصادر تاريخية إن وصول الإسلام إلى الصين يعود إلى الصحابي سعد بن أبي وقاص الذي قام ببناء أول مسجد في الصين بعد موافقة الإمبراطور في تلك الحقبة عام 651. ويُقال إن مسجد شيان الكبير الذي يقع قرب مقر الإمبراطور، جرى بناؤه في نفس الفترة.
وانطلاقا من آسيا الوسطى، قصد تجار عرب المدينة لبيع السلع الفاخرة وتعريف السكان بالإسلام فيما يقع المسجد في الوقت الراهن بجوار السوق بوسط الحي الإسلامي بالمدينة.
السيطرة على الأديان
وقدر مركز "بيو" للأبحاث ومقره واشنطن، عدد المسلمين في الصين بقرابة 17 مليونا أغلبهم من الشيعة، ويبلغ تعداد قوميتي الأيغور و الهوي (الخوي) بثمانية ملايين نسمة لكل منهما.
وعلى غرار الكنائس، لا يُسمح للمسلمين في الصين بالحفاظ على اتصالات مباشرة مع الدول الأجنبية حيث تنص القوانين على "السماح بنشاط الجمعيات الدينية الوطنية فقط داخل معابدها وكنائسها ومساجدها وأماكن اجتماعاتها المسجلة".
وفي ذلك، قالت الوكالة الفيدرالية للتربية المدنية في ألمانيا إن الجمعيات الدينية في الصين "يتوجب عليها التكيف مع الدولة الاشتراكية"".
وقد ذكرت صحيفة "الغارديان" بأن مسجد شاديان الكبير، الذي يعد آخر مسجد كبير في الصين بُني على الطراز العربي، قد فقد قبابه في فبراير / شباط الماضي، مضيفة أنه جرى تغيير مآذن المسجد الذي يقع في مقاطعة يونان الجنوبية الغربية، لتصبح متوافقة مع الطراز المعماري الصيني.
وفي ذلك، قال المؤرخ والفيلسوف تشين غوشانغ، إن التاريخ الصيني "يسرد قصصا عن حكام ورجال دولة ركزوا على فرض السيطرة الكاملة على الناس. وهذا ما يعد السبب وراء جهودهم في وضع جميع الأديان تحت إشراف الدولة".
وأضاف أن الحكومة الصينية الحالية مازالت تسير على ذاك المنوال، قائلا: "لقد اتخذوا إجراءات لإضعاف تأثير السلطة الإلهية من خلال قمع الأفكار والمعتقدات الدينية الجديدة وتقديم الأديان التي تحظى بمراقبة الدولة فضلا عن تقييد الأنشطة الدينية".
الإسلام "مقبول"، ولكن؟
ويمتاز مسجد شيان الكبير بمظهره البصري الرائع، لكن يختلف طرازه عن الطراز المعماري الإسلامي التقليدي إذ جرى بناء مئذنته على شكل باغودا فيما يشبه صحن المسجد الطراز المعماري الصيني التقليدي.
وتقول منظمات إن رغبة الحكومة في إعادة تصميم المساجد تظهر مدى القيود المفروضة على حرية الدين في البلاد.
وفي محاولتهم تسليط الضوء على إجراءات السيطرة على الممارسات الدينية، يستشهد مؤرخون بمقولة صينية تقول إن كل تسعة أشخاص من عرقية الهوي (الخوي) يحملون لقب "ما" في إشارة إلى اسم النبي "محمد" في الصين.
وأضاف المؤخرون أن تشو يوان تشانغ، الإمبراطور الأول من أسرة مينغ الذي حكم البلاد من 1328 وحتى 1398، قد رأى أن لقب "مو هان مو دي" - الذي يرمز للنبي محمد - لم يكن صينيا بدرجة كافية. ولذلك قام الإمبراطور بإصدار مرسوم يفرض على أتباع الديانات الأخرى التسمية بألقاب صينية والزواج من السكان المحليين والتخلي على عاداتهم وملابس التقليدية.
تأقلم عرقية "الهوي" وإذلال "الإيغور"
ويتعين على أصحاب الأديان الأخرى تعديل معتقداتهم بما يتماشى مع قوانين الدولة وهو الخيار الذي لجأ إليه بعض أبناء قومية "الهوي" الذين التقيت بهم في شيان.
ولا يختلف أبناء قومية الهوي، التي تعد واحدة من 56 قومية أو عرقية معترف بها رسميًا في الصين، كثيرا عن السكان الهان الذين يشكلون الأغلبية في البلاد.
وبحسب فراوكه درويس، التي أجرت أبحاثا عن الإسلام في الصين في جامعة مونستر الألمانية، فإنه لم يتم إقصاء عرقية الهوي بسبب معتقداتهم الدينية. وأضافت "يمكن القول بأن أبناء عرقية الهوى قريبون جدًا من الهان الذين يشكلون الأغلبية، بل ربما كانوا الأقرب من أصحاب الديانات الأخرى".
في المقابل، يتعرض أبناء أقلية الإيغور - الذين يشكلون القومية المسلمة الأكبر في الصين مع عرقية الهوي - "للإذلال والعقاب والتعذيب بشكل منهجي"، بحسب تقارير صدرت عن منظمة العفو الدولية.
الجدير بالذكر أن الحكومة الصينية قد أنشأت ما أطلقت عليه اسم "مراكز التدريب المهني" في منطقة شينجيانغ ذات الحكم الذاتي حيث يقطن غالبية الأيغور.
وأدعت الحكومة أنها تمنح المسلمين حق الوصول إلى هذه المراكز حيث يتم تلقينهم الأيديولوجية الصينية والأفكار الشيوعية فيما قالت منظمات حقوقية إن هذه المراكز أشبه بكونها معسكرات اعتقال.
وأفادت حكومة إقليم شينجيانغ عام 2019 بأن جميع "الطلاب" الذين التحقوا بمراكز التدريب قد "تخرجوا" الآن ما يعني إطلاق سراحهم، لكن بيورن ألبيرمان، المتخصص في الشؤون المتعلقة بالصين في جامعة فورتسبورغ، قال إن الأمر لم ينته بعد.
وقال ألبيرمان في تقرير صدر عن الوكالة الفيدرالية للتعليم المدني في ألمانيا، إن الحكومة الصينية "تواصل السعي من أجل استيعاب الأقليات العرقية حيث ترتكب إبادة ثقافية في شينجيانغ. يحدث القمع في الوقت الراهن لكن في الخفاء"، حسب تعبيره.
وأضاف "جرى استبدال حواجز التفتيش بكاميرات مراقبة فيما لا يزال الهدف يتمثل في دمج الأقليات العرقية الأخرى داخل قومية الهان بما يعني السيطرة عليهم في كافة جميع مجالات الحياة."
ويفيد أحدث تعداد سكاني بأن أكثر من 11 مليون شخص من الأيغور يعيشون بإقليم شينجيانغ في مقابل 11 مليون صيني من قومية الهان.
الإيمان "غير مقبول" علنا
وعلى وقع ذلك، قرر العديد من الأيغور الهجرة عن مناطقهم الأصلية حيث يجد الكثير منهم وظائف تدر عليهم أجورا أفضل من الأجور التي يحصلون عليها في إقليم شينجيانغ.
ويعمل الكثير منهم في مطاعم الأكل الحلال في المدن الصينية الأخرى، لكنهم يضطرون إلى إخفاء إسلامهم حيث التقت خلال شهر رمضان بنادلة من شينجيانغ تعمل في مطعم صيني بمنطقة سانليتون التي تشتهر بأنها تضم الكثير من الحانات في بكين.
وكان اللافت أنه جرى تعليق لافتة على المطعم باللغة الصينية كُتب عليها عبارة: "ممنوع الدخول بأي طعام. لحم الخنزير ممنوع!"
ولم أكن أعرف هل حان موعد الإفطار؟ بيد أن النادلة نظرت إليّ بغضب في بادي الأمر ثم همست في أذني، قائلة: "أرجوك لا تزعج الزبائن الآخرين. هناك 13 دقيقة حتى غروب الشمس."
وبالنسبة لقومية الهان، فإن المصطلح الصيني "تشاي يو" أو "شهر الصيام"، لا يرتبط تلقائيا بالامتناع عن الطعام والشراب إذ أن كلمة "يو" تعني الشهر فيما تعني كلمة "تشاي" الطعام النباتي عند البوذيين وأبناء الديانة الطاوية.
أعده للعربية: محمد فرحان
*هذا التقرير يأتي في إطار سلسلة تقارير تنتجها مؤسسة DW تحت عنوان "فك شيفرة الصين" تتمحور حول مواقف الصين من القضايا الدولية الراهنة من وجهة نظر أوروبية-ألمانية نقدية.