فضيحة الكمامات تهدد بانهيار معسكر المحافظين قُبيل تنحي ميركل
٢٤ مارس ٢٠٢١يبدو أن التكتل المسيحي (الحزب الديموقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي) بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل يعيش حالة انهيار بشأن مصداقيته لدى الناخبين الألمان. وتراجعت شعبيته من 37 بالمائة في بداية فبراير/ شباط إلى 28.5 حاليا حسب استطلاعات الرأي. والسبب يعود لفضيحة "صفقات الكمامات" التي تورطت فيها عدد من قيادات التكتل، ولكن أيضا بسبب إدارة الحكومة الكارثية لأزمة كورونا. أزمة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في ألمانيا على بعد أشهر من مغادرة ميركل للسلطة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" الصادرة في سويسرا (العاشر من مارس 2021) مُتسائلة "ألا يزال التكتل المسيحي حصنا واقيا ضد الأزمات وعدم الاستقرار في المشهد السياسي الألماني؟. يبدو أن الزمن الذي كانت السلطة فيه تعود بشكل تلقائي للتكتل المحافظ قد ولى وارتحل (..) بعد ما يقرب من ستة عشر عامًا من تولي الحكم، أصبح التكتل بطيئًا. البيروقراطيات الوزارية والأجهزة الإدارية باتت تحت السيطرة، وأصبحت ممارسة السلطة سهلة نسبيًا. في الوقت نفسه، ضعفت القواعد الأخلاقية وضبط النفس لدى بعض المسؤولين".
فضيحة مُدويًة تهدد بالإطاحة بإرث ميركل
لا شك أن المستشارة ميركل كانت تأمل مغادرة سدة الحكم وهي في أوج شعبيتها، غير أن المؤشرات الحالية ترسم صورة مغايرة، فآمال سيدة أوروبا القوية تصطدم بسلسلة من الفضائح المتوالية التي انفجرت داخل حزبها الديموقراطي المسيحي وحليفه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي. فقد اضطر نائبان من الحزبين إلى الاستقالة للاشتباه بتقاضيهما مئات الآلاف من اليوروهات لقاء قيامهما بوساطة في عقود أبرمتها السلطات لشراء كمامات واقية من فيروس كورونا المستجد.
وفي قضية منفصلة، قدم النائب المحافظ مارك هاوبتمان استقالته من منصبه بعد تقارير اتهمته بشأن إعلانات ترويجية لأذربيجان نشرت في صحيفة محلية يديرها. وسبق أن راجت شبهات بشأن برلمانيين من حزب ميركل بتقاضي أموال من أذربيجان الغنية بالمحروقات، ورفعت الحصانة مؤخرا عن أحدهم. قيادات التكتل المسيحي استشعرت المخاطر المحدقة بشأن تداعيات هذه الفضائح. وهكذا دعا الحزبان الحليفان نوابهما للتصريح عن أي أرباح مالية حققوها جراء الوباء، تفاديا لمفاجآت جديدة قد تزيد تفاقم الوضع.
من الصعب تحديد الخيط الفاصل بدقة بين الحدود التي تمنع نشاطا مهنيا ثانويا أي مسؤول سياسي، من التركيز على المهام التي خولها له الناخبون بشكل لا يجعل من وظيفته السياسية أداة للتربح الشخصي. ولهذا السبب هناك قواعد سلوك خاصة بأعضاء البرلمان الألماني لضمان حد أدنى من الشفافية. وتنص تلك القواعد على الإبلاغ عن أي أنشطة مُدرة لإيرادات مالية تحتمل الاستفادة من امتيازات غير قانونية، إلى رئيس البرلمان "بوندستاغ" ونشرها للبيانات ذات الصلة. بالإضافة إلى ذلك، يجب الإبلاغ عن جميع الإيرادات الثانوية التي تتجاوز مبلغ 1000 يورو شهريًا أو 10.000 يورو سنويًا.
انفجار هذه الفضائح جاء في أسوأ توقيت للمحافظين على بعد أشهر من استحقاقات تشريعية مصيرية ستقرر أيضا في اسم الشخصية التي ستخلف ميركل في منصب المستشارية. ويسعى أرمين لاشيت المنتخب حديثا على رأس الحزب الديمقراطي المسيحي لقيادة المعسكر المحافظ في الحملة الانتخابية، غير أنه يبدو أن رئيس حكومة بافاريا ماركوس زودر يقاسمه نفس الطموح، ما ينذر بمنافسة شرسة قد تضعف "الإخوة الأعداء" قبيل المعركة المصيرية. فضيحة الكمامات تزامنت مع سياق جائحة كورونا التي يعاني الألمان من قيودها منذ أكثر من عام وباتوا يعربون عن شكوكهم تجاه استراتيجية الحكومة للقضاء على الوباء كما تظهر ذلك آخر استطلاعات الرأي، حيث ازدادت مشاعر الاستياء بعد اندلاع الموجة الثالثة وصعوبة التزود باللقاحات. وبهذا الصدد قال تورستن فراي، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتكتل المسيحي لموقع "بيلد لايف" (15 مارس 2021) "في العشرين عامًا الماضية، كانت هذه بالتأكيد واحدة من أخطر الأزمات التي تواجهنا كتكتل".
أولى التداعيات ـ معسكر ميركل يتكبد انتكاسة تاريخية
تكبّد المحافظون الألمان انتكاسة غير مسبوقة في الانتخابات المحلية التي أجريت في ولايتين رئيسيتين، (بادن فورتمبرغ وراينلاند بفالتس). وسجّل الحزب الديمقراطي المسيحي أسوأ نتيجة انتخابية له في الولايتين. حزب ميركل لم يحصد سوى 23.3 بالمئة من الأصوات في بادن فورتمبرغ، مقابل 27 بالمئة قبل خمس سنوات، فيما حصل على 26 بالمئة من الأصوات في راينلاند بفالتس، في مقابل 31.8 بالمئة عام 2016. صحيفة "دي فيلت" المحافظة كتبت تحت عنوان كبير "وقت عصيب" للحزب الديمقراطي، فيما وصفت أسبوعبة "دير شبيغل" ما حدث بـ"الهزيمة الانتخابية". واعتبر معظم المعلقين هذه النتائج نذير شؤم بشأن ما ينتظر المحافظين في الانتخابات التشريعية العامة المقررة في 26 سبتمبر/ أيلول.
بول زيمياك الأمين العام لحزب ميركل أقرً أن فضيحة الكمامات أثّرت على نتيجة الانتخابات ووعد بعدم التسامح حيال المتورطين في ارتكاب اختلاسات مالية أو حققوا ثراء مستغلين أزمة الجائحة. وبهذا الصدد تساءلت صحيفة "أوغسبورغر ألغماينه" في عددها ليوم (21 مارس 2021) "هل تغير فضيحة الكمامات كل شيء؟ منذ سنوات، وعد الحزب الديموقراطي المسيحي بالالتزام بقواعد سلوك أخلاقية صارمة، غير أن الوعود ظلت حبرا على ورق، لأن أحد لم يهتم بها حقًا (..) بعد الفضائح الحالية، بات الكل يدقق النظر بعناية في تلك القواعد. لا يمكن أن تكون البداية الجديدة ذات مصداقية (التي وعد بها المحافظون) إلا إذا كان قادة الحزب يسعون حقًا للتدقيق من الآن فصاعدًا (في سلوك المسؤولين) بعد انتهاء هذه القضية ".
الفضيحة تهدد حظوظ لاشيت في خلافة ميركل
الهزائم الانتخابية المحلية تُلقي بظلالها على حظوظ أرمين لاشيت المنتخب حديثا على رأس الحزب الديموقراطي المسيحي كمرشح لمنصب المستشارية. غير أن نتائج استطلاع حديث للرأي أظهرت أن ماركوس زودر، رئيس حكومة ولاية بافاريا، يتقدم على لاشيت في نسبة التأييد الشعبي لخلافة المستشارة ميركل. استطلاع لمعهد يوغوف لصالح وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أظهر أن 41% من الألمان يؤيدون ترشح زودر، فيما أعرب 14% فقط عن تأييدهم لأرمين لاشيت. وأوضحت النتائج تفوق شعبية زودر داخل التكتل المسيحي وبفارق كبير عن لاشيت، بنسبة تأييد وصلت لـ 63% للترشح للمستشارية مقابل 12% فقط للاشيت.
صحيفة "فرايه بريسه" الصادرة في كمينتس (الثامن من مارس آذار) كتبت معلقة "بالنسبة لأكبر تكتل حاكم في برلين، تزامنت هذه القضية مع استياء واسع تجاه سياسة الحكومة إزاء جائحة كورونا. وبغض النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بإدارة التلقيح أو استراتيجية الاختبارات ضد الفيروس، فإن سهام النقد مرتبطة دوما بسياسيين من الحزب الديمقراطي المسيحي، أولهم وزير الصحة ينس شبان. لهذا السبب فإن الهدف الأسمى للحزب والتكتل بأكمله هو التخلص من قضية الكمامات في أسرع وقت ممكن".
ارتدادات الفضيحة تصل وزير الصحة ينس شبان
وزير الصحة الألماني ينس شبان آخر من وصلته ارتدادات الزلزال الذي يهز المعسكر المحافظ، فقد كشف تقرير لموقع "شبيغل أونلاين" (21 مارس 2021) مزاعم فساد تخص دانييل فونكه، شريك حياة شبان الذي يبدو أنه كان له دور كبير في إحدى الشركات التي باعت نصف مليون كمامة لوزارة الصحة خلال الموجة الأولى من الإصابات بفيروس كورونا في أبريل / نيسان 2020. وقالت الشركة واسمها "بوردا" التي يرأس فونكه مكتبها في برلين إنه "لم يتم إبلاغه أو مشاركته بشأن الصفقة في أي مرحلة من مراحلها". وذكرت بوردا أيضا أنه تم بيع الكمامات بسعر الشراء وأن البيع كان محاولة لمساعدة الوزارة في ظل النقص في الكمامات.
فضيحة الكمامات أدت لاستقالة كل من نيكولاس لوبيل من الحزب الديمقراطي المسيحي وجورج نيسلين من الحزب الاجتماعي المسيحي (البافاري)، بعد اتهامهما بتلقي مبالغ مالية للمساعدة في التفاوض على عقود الكمامات. وفي الوقت ذاته، استقال وزير العدل السابق في ولاية بافاريا ألفريد ساوتر من منصبه في الحزب الاجتماعي المسيحي بعد أن داهم المحققون مكاتبه بسبب نفس الفضيحة. صحيفة "شتوتغارته تسايتونغ" علقت بهذا الشأن وكتبت (12 مارس 2021) أن "أعصاب التكتل المسيحيين على حافة الانهيار. فلطالما قاوم الحزبان قواعد الشفافية الأكثر صرامة لأعضاء البرلمان.
الآن، وبعد أن ساد الانطباع بوجود فضائح فساد وجشع محتملة في صفوفهم، تحول الأمر فجأة إلى سباق ضد الزمن (...) يقاتل التكتل المسيحي من أجل سمعته ومن أجل السلطة. إذا ساءت الأمور ستبدأ دوامة الهبوط والتي بالكاد يمكن إيقافها حتى موعد الانتخابات الفيدرالية في الخريف القادم. لقد تمكنت أنغيلا ميركل من الاحتفاظ بمنصب المستشارية لمدة 16 عامًا لأن الألمان يعتبرونها سدا منيعا ضد الفساد" وهذا معطى كافي يستحق التأمل".
حسن زنيند