فريدريش ايبرت وسياسة الممكن
ولد فريدريش ايبرت في هيدلبرغ عام 1871 لأب كان يعمل خياطا. التحق صبياً بمحل لصنع الأسرجة ليتعلم المهنة، حتى طرده معلمه إثر شجار بينهما، فانتهى إلى الشارع بدون عمل. وكانت لتلك الخبرة أثر كبير في تفتح وعيه على حقوق العمال المهدرة فتعرف على إتحادات العمال، وسرعان ما انخرط في صفوف التنظيمات النقابية الخاصة بهم. ثم ما لبث أن انضم إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) عام 1889.
حاز ايبرت على شهرة واسعة في صفوف الحزب بفضل قدرته الفائقة على التوفيق بين الأطراف المختلفة وروحه العملية حيث كان ينأى بنفسه عن الخطط النظرية البراقة، كما كان يدافع عن توثيق العلاقة مع الاتحادات المهنية المختلفة. نجح عام 1912 في الحصول على مقعد في البرلمان الرابع الألماني الرايخستاغ. وبعد وقت قصير من وفاة اوغست بيبل، خلفه ايبرت في منصبه كرئيس للحزب الديمقراطي الاشتراكي.
فن الممكن
بزغ نجم ايبرت ضمن منصبه لرئاسة الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD) في البرلمان الرابع (وهو المنصب الذي أقتسمه مع فيليب شيديمان بين 1916 إلى 1918) كرمز للاشتراكية الديمقراطية الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى. وشهدت فترة ما الحرب العالمية تقلبات شديدة، فعلى الصعيد العالمي اشتعلت الثورة البلشفية واستول الشيوعيون على السلطة في روسيا، مفتتحةً بذلك عصراً سياسياً جديداً، وفي داخل ألمانيا القيصرية تعالت أصوات من الحزب الاشتراكي للحاق بركب الثورة والقضاء على حكم القيصر، في المقابل نشطت جماعات مسلحة موالية للقيصر وأعلنت عن وجودها في الشارع عسكرياً، ووسط كل ذلك شعر أصحاب المصانع بالخطر على رؤوس أموالهم. وفي هذا الوقت العصيب استطاع ايبرت أن ينتهج سياسة "فن الممكن" القائمة على إتباع خطوات صغيرة واقعية نجحت في تعزيز فكرة الانتخابات البرلمانية العامة المتعددة الأحزاب.
وكللت جهود الديموقراطيين بتشكيل حكم جمهوري يخلف الحكم القيصري وأطلق عليها جمهورية فايمر لكتابة دستورها في مدينة فايمر. وقد تشكلت الجمهورية الجديدة خلال السنوات الأولى من أغلبية برلمانية تتكون من الحزب الديمقراطي الاشتراكي والحزب الديمقراطي الألماني، وحزب المركز. وتخلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني بقيادة ايبرت عن الأفكار الثورية التي كانت لديه في السنوات الأولى. وتم القضاء على المحاولات الهادفة لقلب نظام الحكم والاندفاع صوب الوجهة الاشتراكية. وظلت الملكية الخاصة في المجال الصناعي والزراعي دون مساس، واحتفظ غالبية الموظفين والقضاة من مناهضي فكرة الجمهورية بمناصبهم.
رئيس ومؤسسة
وفي 11 شباط 1919 انتخبت الجمعية العمومية في فايمر ايبرت لرئاسة الجمهورية. وخلال سنوات الأزمة التي ألمت بالجمهورية أوائل العشرينات قادت الروح التوفيقية غير المنحازة التي كان يتخذها ايبرت سفينة الجمهورية إلى مرفأ الأمان بعيداً عن خطر المتطرفين اليساريين واليمينيين الذي كان يتهددها على حد سواء. وبعد الأزمة الاقتصادية ومشكلة التضخم حل الانتعاش الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تهدئة الوضع السياسي. فحققت ألمانيا المهزومة مكاسب على صعيد السياسة الخارجية من بينها استعادة مكانتها الدولية المساوية للدول الأخرى، وذلك من خلال اتفاقية لوكارنو عام 1925، والانضمام إلى عصبة الأمم 1926.
وقد ساهم الحزب الاشتراكي الديموقراطي في إكمال حلم ايبرت بتأسيس مؤسسة تأخذ على عاتقها مساعدة الشباب الذين يأتون من خلفية عمالية في تكميل تعليمهم العالي. ونشأت المؤسسة التي تحمل اسم "مؤسسة فريدريش ايبرت" عام 1925 حيث وضع ايبرت نفسه نظامها الداخلي قبل وفاته. وتتركز نشاطات المؤسسة على تعزيز الثقافة السياسية والاشتراكية استنادا إلى مبادئ الديمقراطية والمساواة، كما انها تدعم الأكاديميين الشباب المتميزين في ألمانيا والخارج. ولقد امتدت نشاطات المؤسسة إلى أكثر من 100 دولة في عام 2000.
توفى ايبرت قبل فترة وجيزة من إنهاء دورة رئيس الجمهورية عام 1925 إثر مضاعفات عملية جراحية أجريت له في برلين.