علاء الأسواني: من يقنع المواطن المستقر..؟
١٣ يونيو ٢٠١٧في يوم 28 سبتمبر 1961 حدث انقلاب عسكري في سوريا أدى إلى انفصالها عن الجمهورية العربية المتحدة التى كانت تضمها مع مصر. في اليوم التالي ألقى جمال عبد الناصر خطابا أمام مئات الألوف من المصريين، استعرض فيه ما اعتبره مؤامرة استعمارية ضد الوحدة بين مصر وسوريا ثم قال بحماس :
- ولذلك فقد أصدرت أوامري للقوات المسلحة بالتحرك إلى سوريا فورا للقضاء على المؤامرة
هللت الجماهير بشدة لقرار الزعيم وظلوا لعدة دقائق يهتفون باسمه لكنه استطرد قائلا - ثم عدت وسألت نفسي. هل يقتل العربي أخاه العربي ..؟ لن أسمح بذلك أبدا فأصدرت أمرا إلى القوات المسلحة بالعودة فورا الى القاهرة.
وهنا، مرة أخرى، هللت الجماهير فرحا وهتفت باسم الزعيم بحماس. كلما شاهدت تسجيل هذه الخطبة تساءلت: هؤلاء المهللون ماذا كانوا يريدون بالضبط ؟ لقد هللوا بنفس الحماس لقرارين متناقضين في زمن لا يتعدى دقائق. الاجابة أنهم كانوا يحبون الزعيم لدرجة أنهم يؤيدونه دائما بلا تفكير مهما تكن قراراته وقد اتضح هذا التأييد الأعمى مرة أخرى بعد الهزيمة المنكرة التى منيت بها مصر في عام 1967 عندما أعلن عبد الناصر تنحيه عن الحكم فنزل ملايين المصريين إلى الشوارع يرجونه أن يبقى في الحكم ورقص بعضهم فرحا عندما تراجع عبد الناصر عن الاستقالة. بعد وفاة عبد الناصر حكم مصر من هم أقل منه أمانة وكفاءة واخلاصا لكن علاقة معظم المصريين بالسلطة لم تتغير .منذ أن تولى العسكريون السلطة في عام 1952 انقسم المصريون إلى ثلاثة أنواع:
معارضون وهؤلاء تعتبرهم السلطة خونة وعملاء وتنكل بهم بلا رحمة، ومؤيدون (ومعظمهم منافقون وأفاقون) وهؤلاء يحتكرون المناصب والمزايا أما القطاع العريض من الشعب فينتمى إلى النوع الثالث "المواطن المستقر" الذى يفضل الاستقرار على أي شيء آخر، هذا النوع يظهر دائما في البلاد التي يحكمها ديكتاتور. انه مواطن منزوع الاهتمام العام، خدام أكل عيشه، لايعنيه اطلاقا الا تربية أولاده. أن يحصل ابنه على مجموع كبير في الثانوية أو عقد عمل في الخليج أهم عند ألف مرة من الدستور والانتخابات وهو لا يهتم اطلاقا بالقمع والتعذيب مادام يحدث لأولاد الآخرين. المواطن المستقر يعتبر الرئيس هو القائد الأب الذى يعرف ما لا نعرفه ومن حقه كرئيس أن يفعل بنا ما يشاء.
بالطبع كانت هناك أجيال من المناضلين الذين دفعوا ثمنا باهظا من أجل الحرية لكن العلاقة بين المواطن المستقر والديكتاتور ظلت كما هي بلا تغيير. ان قرارات مصيرية أثرت بشدة في حياة المصريين مثل اتفاقية كامب دافيد والانفتاح الاقتصادي واشتراك مصر في حرب تحرير الكويت، لو أنها اتخذت في دول ديمقراطية لكانت قد خضعت إلى نقاش طويل واستفتاءات حقيقية لمعرفة رأى الشعب. أما في مصر فان الحاكم يتخذ ما يريده من قرارات وهو مطمئن لأن المعارضين قليلون يستطيع أن يلقى بهم جميعا في السجون بينما المواطن المستقر سيظل خدام أكل عيشه. الثورة المصرية قامت أساسا من أجل تغيير علاقة الشعب بالحاكم من علاقة اذعان إلى علاقة مشاركة لكن نظام السيسي الذى يمثل الثورة المضادة وينتقم من كل من اشترك في الثورة لازال يطبق الطريقة القديمة.
فوجئ المصريون ذات يوم بالرئيس السيسي يخبرهم بأنه اكتشف ان تيران وصنافير جزيرتان سعوديتان وقد قرر ان يعطيهما للسعودية لأن والدته (والدة السيسي) علمته ألا يأخذ شيئا من أحد ثم أنهى السيسي خطابه قائلا إن الموضوع انتهى ولايريد أن يسمع فيه كلاما آخر. السيسي يمارس مفهومه الديكتاتوري للحكم وهو يعتقد أنه دائما يعرف مصلحة المصريين أكثر منهم و من حقه أن يعطى من يشاء ما يشاء من أرض مصر. لم تكن القضية تحتاج إلى بحث كثير اذ أن السعودية قد أٌنشئت في عام 1932 بينما الجزيرتان تظهران في خرائط مصر من مئات السنين. لابد للسعودية اذن أن تظهر عقد البيع الذى اشترت به الجزيرتين وهي لم تفعل وحتى لو أظهرت شيئا كهذا فهو باطل اذ لا أحد يملك بيع أي جزء من مصر. ناضل شباب ثوريون حتى انتزعوا حكما قضائيا نهائيا بأن اتفاقية السيسي مع السعودية لاغية ومنعدمة وأن الجزيرتين مصريتان لكن السيسي أعلن قانون الطوارئ وأحال الاتفاقية إلى برلمان يسيطر عليه بالكامل.
مناقشة البرلمان لاتفاقية ألغيت بحكم قضائي نهائي هو انتهاك للدستور لكن السيسي يعتبر انه صاحب الحق الوحيد في التصرف في مصر ومن عليها وهو يحظى بتأييد الرئيس الأمريكي ترامب ودول غربية عديدة توقعا لدور غامض سيقوم به في تسوية الصراع العربي الاسرائيلي.
قضية تيران وصنافير تطرح السؤال: هل يملك الحاكم أن يتصرف في الوطن باعتباره ملكيته الخاصة؟. الصراع الآن بين منطق السيسي الذى يعتبر من حقه أن يعطي أي جزء من مصر لمن يشاء ومنطق الثورة الذي يؤكد أن الشعب وحده مصدر السلطة لكن المواطن المستقر لازال يتفرج وكأن الأمر لايعنيه. المواطن المستقر لم يجد في السيسي الزعيم الذى كان ينشده وهو لا يعيش في استقرار وانما يعاني بشدة من ارتفاع الاسعار وصعوبة المعيشة لكنه لازال صامتا في انتظار معجزة لن تحدث. . علينا أن نقنع المواطن المستقر حتى يخرج من انكفائه وسلبيته. عندئذ فقط ستتحرر مصر من ديكتاتورية حكمتها طويلا حتى أوصلتها للحضيض.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.