علاء الأسواني: مشكلة المصري "المبَرمج"..
٢٣ مايو ٢٠١٧سؤال:
هل يمكن أن تحب الجيش المصري وتفخر به وفي نفس الوقت تطالبه بالبعد عن شئون الحكم أو تطالب بالرقابة على مشروعاته الاقتصادية؟
الإجابة عند معظم المصريين بالنفي القاطع. إذا كنت تحب الجيش، في رأيهم، لا يمكن أبدا أن توجه له أي نقد وإذا انتقدت الجيش فهذا دليل على أنك كاره لجيش بلدك وعميل لمخابرات أجنبية هدفها إسقاط الجيش والقضاء على مصر كلها.
سؤال آخر:
هل يمكن أن تكون مسلما معتزا بإسلامك وفي نفس الوقت تنكر فكرة الخلافة الإسلامية وتقدم أدلة تاريخية على أن الإسلام لم يقدم أي نموذج للحكم؟
الإجابة عند معظم الإسلاميين بالنفي. إما أن تؤمن أن الإسلام دين ودولة وتحلم بالخلافة وإما أن تكون في نظرهم علمانيا نجسا وعميلا للصهيونية تريد أن تقضي على الإسلام والمسلمين. الإسلاميون يشتركون مع أنصار الحكم العسكري في احتكار الحقيقة. لديهم نمط وحيد للتفكير لايجوز الخروج عنه. الحكم العسكري والحكم الديني وجهان للفاشية. الفاشية مبدأ سياسي يحتكر السلطات جميعا ويفرض أفكاره بالقوة على الآخرين. الفاشية العسكرية تحتكر الوطنية وتتهم كل من يعارضها بالخيانة، والفاشية الدينية تحتكر الدين وتعتبر كل من يعارضها عدوا لله ورسوله.
الإعلام الفاشي يسيطر على عقول الناس ويرسخ فيها حقيقة واحدة ولا يسمح بالاختلاف إطلاقا.. في النهاية ينتج النظام الفاشي مواطنا أحادي الذهن، مبَرمجا (بفتح الباء)، عاجزا عن التفكير المستقل.
تأمل إعلام السيسي في مصر وإعلام الإخوان في تركيا وقطر. ستجدهما وجهان لعملة واحدة: نفس الأسلوب الدعائي الزاعق الذي يستهدف تعبئة الرأي العام باستعمال الأكاذيب والشعارات العاطفية ونفس البذاءت والاتهامات لكل من يختلف معهم بخيانة الوطن أو العداء للإسلام.
منذ استيلاء الجيش على السلطة في عام 1952 سقطت مصر في الصراع بين الفاشية العسكرية والدينية ونشأت أجيال من المصريين (إسلاميين ومواطنين عاديين) مبَرمجين على نمط وحيد في التفكير تم تلقينه لهم، فصاروا لا يطيقون الخروج عنه أو الاختلاف معه. المصري المبَرمج الذي تنتجه الفاشية لا يستطيع أن يصنع نهضة حقيقية، لأنه محروم من التفكير النقدي وهو يخاف من أي تغيير ويعاديه. الإسلامي المبَرمج لا يستعمل عقله في التفكير المستقل وإنما في تبرير تعليمات شيوخه.
حكى لي شاب سلفي أنه ظل يطارد شيخه تليفونيا ثلاثة أيام ليعرف إذا كان يجوز له أن يشترك في الثورة أم لا.. وعندما سألته لماذا لم يقرر بنفسه. قال ببساطة:
ــ فضيلة الشيخ يعرف أحسن مني حكم الشرع في أي شيء.
أعمل الآن أستاذا زائرا للأدب في كلية "بارد" في نيويورك وهي من أهم الجامعات الأمريكية في الآداب والفنون. طلاب السنة الأولى في الكلية يدرسون إجباريا مقررا خاصا عبارة عن مجموعة كتب مختلفة جدا في الرؤى والأفكار، يدرسون مثلا كتاب الأخلاق لأرسطو ومؤلفات نيتشه الملحد الذى ينكر الأديان ويسخر من المسيحية، ثم يدرسون مذكرات سان أوجستين أحد مؤسسي الكنيسة الكاثوليكية ثم مذكرات الزعيم الأسود مالكولم اكس الذي تحول للإسلام في نهاية حياته. الغرض من تدريس هذا المقرر المتنوع لطلاب لم يبلغوا العشرين من العمر هو تخليصهم من التفكير النمطي الأحادي وتعليمهم التفكير النقدي بحيث يفكرون بعد ذلك في كل ما يطرح عليهم ليكونوا آراءهم المستقلة.
مشكلتنا في مصر تتجسد في المصري المبَرمج سواء كان إسلاميا أو مواطنا عاديا.. في عام 2011 ثار ملايين المصريين ليطالبوا بالحرية والعدالة والكرامة، هؤلاء استطاعوا أن يتخلصوا من التفكير الأحادي ويحلموا ببناء مصر أخرى عادلة ومحترمة. المصري المبَرمج كان موقفه من الثورة مختلفا: السلفي المبَرمج قاطع الثورة واعتبرها "فتنة أشد من القتل" كما قال شيوخه، والإخواني المبَرمج آمن، بناء على تعليمات شيوخه، بأن الثورة منحة من الله لتحقيق الدولة الإسلامية وقام بتبرير تحالف الإخوان مع المجلس العسكري وخياناتهم المتكررة للثورة.. المواطن المبَرمج لم يسترح للثورة ولم يفهمها وراح يبحث عن تفسير لها فوجده في اتهامات الإعلام بأن الثورة مؤامرة أمريكية. الإسلامي المبَرمج هو الذي فوت على مصر كتابة دستور الثورة عندما صوت من أجل تعديل الدستور القديم تنفيذا لتعليمات المجلس العسكري، والمواطن المبَرمج هو الذي صفق للسلطة وهي تقتل المتظاهرين وهو الذي أدان البنات اللاتي تم انتهاكهن أمام مجلس الوزراء وتساءل "لماذا تظاهرن من الأساس؟"، وهو الذي نزل ليضرب الأقباط في ماسبيرو، بينما مدرعات الجيش تدهسهم أمام عينيه. بدون الإسلامي المبَرمج سينتهي الإسلام السياسي وبدون المواطن المبَرمج لا يستطيع الديكتاتور أن يستمر في الحكم يوما واحدا.
صناعة المواطن المبَرمج والاحتفاظ بالسيطرة على عقله أول مهمة لأي شيخ أو ديكتاتور، الإسلامي المبَرمج يعيش في أوهام الخلافة ويعتبر أن العالم كله يعادي الإسلام مع أنه لو فكر قليلا وقرأ قليلا سيدرك خطأه. والمواطن المبَرمج لا يفكر أساسا، وإنما يترك عقله للإعلام وهو قد يغضب من صعوبة الحياة لكنه لايثور أبدا، المواطن المبَرمج يتقبل القمع مقابل الأمان والاستقرار عنده أهم من الحرية ولقمة العيش أهم من الكرامة.
ما العمل إذن؟ إن الزلزال الذي أحدثته ثورة يناير في عقول المصريين لازالت توابعه تتوالى، واجب الثوريين ليس فقط تحرير مصر من الاستبداد، وإنما واجبهم أيضا تحرير المصري المبَرمج من أحادية الذهن وتعويده على التفكير الحر.. قد تكون المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW