علاء الأسواني: الفرق بين ثلج فرنسا وسيول مصر
١٧ مارس ٢٠٢٠اذا كنت تزور باريس خلال فصل الشتاء وتساقط الثلج فستجد أن حدائق كثيرة يتم اغلاقها فورا، والسبب في ذلك أن القانون الفرنسي يحمل محافظ باريس المسؤولية عن السلامة الشخصية لسكان باريس وبالتالي فاذا حاول أي مواطن أن يتزلج على الثلج وسقط وأصيب فان من حقه أن يرفع دعوى مباشرة ضد محافظ باريس ويحصل على تعويض كبير، لأن المحافظ لم يتخذ الاجراءات اللازمة لحفظ سلامته الشخصية.. من هنا فان محافظ باريس اذا لم يتأكد من توفير مشرفين في الحديقة لحماية الناس فانه يتخذ قرارا باغلاقها.
قد يسأل البعض ما علاقة المحافظ بشخص تزلج على الثلج وسقط وأصيب؟. الإجابة أن الناس في النظام الديمقراطي ينتخبون المحافظ ويمنحونه الصلاحيات من أجل تحقيق مصالحهم وحمايتهم واذا فشل في ذلك يكون عليه أن يعترف بتقصيره ويدفع تعويضا.
تذكرت هذا المفهوم وأنا أتابع ما حدث خلال الأسبوع الماضى فقد تعرضت مصر إلى سيول شديدة كشفت عن الحقائق التالية :
أولا: فشل النظام المصري تماما في التعامل مع السيول كما حدث من قبل مرارا فلا توجد شبكة لصرف مياه الأمطار والاستفادة منها كما يحدث في الدول الديمقراطية بل وكما كان يحدث في مصر قبل الحكم العسكري. لقد أدى فشل النظام إلى إغراق آلاف البيوت وتدميرها وقطع المياه والكهرباء عن ملايين المصريين لمدة أيام، والأخطر من ذلك أن النظام فشل في عزل أعمدة الكهرباء عن المياه وكانت النتيجة مأساة حقيقية: لقد مات عشرات وربما مئات المصريين صعقا بالكهرباء وبرغم ذلك فان أحدا من المسؤولين لن يحاسب على وفاة هؤلاء البشر.
يبرر المسؤولون تقاعسهم عن إنشاء شبكة تصريف الأمطار بأنها تتكلف مليارات الجنيهات. هذا المنطق المؤسف يعكس عقلية الديكتاتور الذي لايكترث بموت المواطنين وتدمير بيوتهم بينما هو ينفق مليارات من أجل إقامة القصور الرئاسية لنفسه ولأسرته وينفق مليارات أخرى من أجل التفاخر بانشاء أكبر مسجد وأكبر كنيسة في أفريقيا بالاضافة إلى المليارات التي ينفقها السيسي في تشييد مشروعاته العملاقة التي اعترف بنفسه بأنها تتم غالبا بدون دراسات جدوى.
ثانيا: أدت السيول إلى انهيار وتشقق كثير من الكباري التي تم افتتاحها حديثا وكانت تعتبر من ضمن مشروعات السيسي العملاقة. هذا الانهيار يدل على عيوب جسيمة في البناء مما يؤكد أن الاهمال و الفساد وتبديد المال العام من سمات نظام السيسي.
ثالثا: مع تفاقم أزمة السيول شن نظام السيسي حملة جبارة ضد الشائعات وهو الآن بصدد اصدار قانون جديد لحبس كل مروجي الشائعات، وحكاية الشائعات هذه جزء من نظرية المؤامرة التي يزرعها النظام في عقول المصريين ليقنعهم بأن أهل الشر متربصون بمصر ويتآمرون ليل نهار من أجل تدميرها، والواقع أن النظام يريد أن يحتكر الحقيقة وهو يذيع أخبارا كثيرا ما تكون كاذبة، ولايريد لأحد أن يقدم أخبارا مختلفة وهو لا يسمح بأي مصدر مستقل للمعلومات لأنه سيكشف الاكاذيب التي يروجها.
رابعا: الاعلام - الذى تحكمه المخابرات - يسعى إلى امتصاص غضب المصريين وتحويل أنظارهم بعيدا عن الكارثة وهو يستعمل لتحقيق ذلك عدة حجج:
الحجة الأولى، أن السيول قضاء من الله لا نملك ازاءه شيئا، وهذا حق يراد به باطل فالسيول قضاء الله صحيح، لكن فشل المسؤولين في الدولة وفسادهم وقراراتهم العشوائية ليس من قضاء الله وانما من جرائم البشر.
الحجة الثانية التى يستعملها الاعلام ان الحكومة قد أدت واجبها و تنبأت بالسيول قبل هطولها بأيام ومنحت الموظفين عطلة والحق ان التنبؤ بالسيول ليس انجازا باى مقياس وأى متصفح للانترنت يستطيع أن يعرف بموجات الامطار والسيول مسبقا كما ان معرفة الحكومة بالسيول يضاعف من مسئوليتها عن التقصير الذى راح ضحيته مواطنون أبرياء .
الحجة الثالثة، أن السيول تحدث في كل بلاد العالم وتؤدي إلى سقوط ضحايا وهذا نصف الحقيقة لأن السيول عندما تحدث في الدول الديمقراطية تكون هناك وسائل معدة لصرفها وتقليل خسائرها ولا يترك المواطنون وحدهم لكى يواجهوا الصعق بالكهرباء بعد تدمير بيوتهم أما الحجة الأخيرة التى يستعملها الاعلام فهى الخلط بين دور الأهالي وواجب الحكومة فقد تطوع شباب نبيل شجاع لانقاذ ضحايا السيول بقدر استطاعتهم وقد التقط الاعلام هذه الظاهرة ليبدأ في ترديد الأناشيد المعتادة عن عظمة شعبنا المصرى. شعبنا عظيم بالطبع لكن الحقيقة ان المتطوعين يظهرون في كل بلاد العالم عندما تحدث كارثة أضف الى ذلك ان شجاعة المتطوعين مهما بلغت لا يمكن أن تكون بديلا عن دور الدولة بكل امكاناتها وأجهزتها خصوصا انها تتقاضى من المواطنين الضرائب حتى تحمى حياتهم وممتلكاتهم
ان تدمير آلاف البيوت ومقتل الكثير من المصريين مأساة مكتملة الأبعاد ومحزنة والمسؤول الوحيد عنها النظام الاستبدادي الذى يحكم مصر. إن صورة مصر تبدو الآن أوضح من أى وقت مضى: لدينا نظام قمعي استبدادي ومواطن مغلوب على أمره قد يفقد بيته وحياته في أي لحظة وليس من حقه أن يحاسب المسؤولين بل وليس من حقه حتى أن يفتح فمه ليعترض والا سيتم اعتقاله وتلفيق التهم له والقاؤه في السجن سنوات. إلى متى يستمر هذا الظلم وماذا سيخسر المصريون لو ثاروا اذا كانوا يموتون بالفعل وهم مطيعون مذعنون ؟.
مهما كانت آلة القمع جبارة يستحيل أن تصمد اذا قاومها ملايين الناس. إن لحظة محاسبة المسؤولين على كل هذه الجرائم آتية لاريب فيها وأظنها أقرب الآن من أي وقت مضى.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.