عضو "عنابة" قائد الجيش.. أي تأثير على الحراك وعلى خطط تبون؟
٢٣ ديسمبر ٢٠١٩فصل جديد في تاريخ الجزائر الحديث ينتهي بوفاة الجنرال أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، الذي ساهم في هندسة انتقال الجزائر من عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى عهد الرئيس عبد المجيد تبون، رغم أنه الجنرال نفسه، كان محسوباً على النظام القديم وكثيراً ما ارتفعت الحناجر بمطالب ضرورة رفع يده عن المجال السياسي، بل هناك تحليلات كثيرة تصفه بأنه الحاكم الفعلي للبلاد وأحد أبرز المساهمين في دفع تبون إلى واجهة الحكم.
غير أن خلفه في منصب رئاسة الأركان ونيابة وزارة الدفاع (يترأسها رئيس الدولة)، هو اللواء سعيد شنقريحة، الذي يبقى غامضاً بالنسبة للكثيرين، فأكثر ما يعرف عنه أنه عُيّن قبل أكثر من سنة في منصب قائد القوات البرية، المنصب الثاني في الجيش الجزائري، في حملة تغييرات كبيرة مسّت أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية في آخر سنوات بوتفليقة.
شنقريحة.. حاكم "الظل" الجديد
بانتقاله من قيادة المنطقة العسكرية الثالثة إلى قيادة القوات البرية، كان سعيد شنقريحة، يستعد في أيّ لحظة لخلف قايد صالح، خاصة أن التقاليد العسكرية تتيح لمن يقود القوات البرية الوصول إلى قيادة الجيش. يُحسب شنقريحة على "جماعة عنابة"، وهي منظمة جديدة ظهرت في الساحة الجزائرية خلال السنوات الأخيرة بقيادة أحمد قايد صالح، جاءت لمواجهة تفضيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وشقيقه السعيد بوتفليقة، لأبناء الغرب الجزائري في المناصب والمسؤوليات، حسب تقرير على "نون بوست".
تعرّضت "جماعة عنابة" بدورها لانتقادات كبيرة، لأن حملة الاعتقالات التي مسّت رموز الفساد المالي في أعقاب المظاهرات التي شهدتها البلاد لم تمسّ أيًا من المنتمين إلى هذه الجماعة، حسب مقال للصحفي عثمان تزغارت. تضم الجماعة عدة شخصيات، وكان قد عرضت على عمار سعيداني، الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني، الانضمام إليها حسب مجلة جون أفريك، بعد إقالته من منصبه على رأس الحزب الذي كان ينتمي إليه بوتفليقة، بل إن السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، استعان بالجنرال توفيق (رئيس المخابرات السابق الذي حوكم مؤخراً)، لأجل مواجهة نفوذ هذه الجماعة.
وُلد شنقريحة، الأب لستة أطفال، عام 1945 في ولاية بسكرة، وتدرج في أسلاك القوات البرية، ومن ذلك رئاسته أركان فرق مدرعة، كما درّس قواعد سلاح المدرعات، وفق سيرته الذاتية الرسمية، التي تشير إلى أنه شارك في الحربين العربية- الإسرائيلية عامي 1967 و1973، وأنه حصل على رتبة جنرال عام 1998 ثم رتبة لواء عام 2003.
وصل شنقريحة إلى قيادة القوات البرية خلفاً للواء حسن طافر، الذي كان أحد ضحايا حملة الإعفاءات الكبرة التي أعلنها قايد صالح ومسّت كبار المسؤولين في الجيش. ويعدّ شنقريحة الأقدم بين من يحملون رتبة "لواء" في الجيش الجزائري، وهو يتوفر على "الصفات الضرورية" لحيازة منصب رئيس الأركان، كما أنه قد "قام بمهمته على أكمل وجه في المنطقة العسكرية الثالثة"، حسب تقرير لـ"ألجيريا ووتش".
ويعدّ منصب قائد القوات البرية، أهم منصب في الجيش الجزائري بعد قيادة الأركان، وفق ما يؤكده زيدان خوليف، خبير الشأن الجزائري وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة باريس، مشيراً إلى أن القوات البرية هي القوة الأولى في الجيش، وهي الأكثر تعداداً وتسلحا بين كل الوحدات الأخرى، لذلك فمن الناحية التقنية، يكون قائدها أكثر المؤهلين للوصول إلى منصب قيادة الأركان.
وقد انتشرت قبل سنتين، صورة لسعيد شنقريحة في مخيمات اللاجئين الصحراويين، وهو يشيد تحت علم "الجمهورية الصحراوية" غير المعترف بها دوليا، بجبهة البوليسارية، وهو ما خلق حربا إعلامية جزائرية - مغربية، بل إن مواقع جزائرية اتهمت جهات أمنية مغربية بمحاولة الإساءة لصورة شنقريحة وبدفع المتظاهرين الجزائريين إلى التركيز عليه في بعض المسيرات.
أيّ انعكاسات على الحراك؟
رغم تراجع قوته في الأسابيع الأخيرة، إلّا أن الحراك في الجزائر لا يزال يصرّ على تحقيق جميع مطالبه. وقد كان لهذا الحراك دور كبير في دفع بوتفليقة إلى التراجع عن تقديم ترّشحه للانتخابات ثم استقالته، وبعد ذلك حملة الاعتقالات التي مست عددا ممّن يوصفون بأفراد العصابة، وجلهم يُحسبون على جناح الرئيس السابق. لكن الحراك لم يكن قادرا على دفع الجيش إلى تخفيف قضبته، بل نجح هذا الأخير في رهانه الأول، وهو إقامة انتخابات جلبت رئيساً محسوباً على السلطة القديمة.
ويرى خوليف زيدان أن المشهد السياسي في الجزائر يعيش حالة من الارتباك، وأن قايد صالح، ومعه شنقريحة وغيرهم من مسؤولي الجيش، أوقفوا البلاد لأكثر من عشرة أشهر وأنهوا المرحلة بانقلاب على الإرادة الشعبية الراغبة بحكم مدني. لكن وفاة صالح، الذي رُفعت ضده شعارات تطالبه بالخروج من الحياة السياسية، تصبّ في مصلحة الحراك، حسب الخبير الذي يتوقع أن يستمر الحراك في الضغط حتى يعود الجيش إلى ثكناته العسكرية.
غير أن الحراك الجزائري كان منقسماً على ذاته بين جزء مؤيد لتدخل من الجيش وجزء آخر رافض لذلك، وفق ما ينقله شوقي عرجون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة المسيلة، وهو ما سهل استراتيجية الجيش التي ركزت على "مرافقة الحراك" والتضييق الإعلامي عليه، وكذا تحقيق مطالبه "العقلانية"، أي تلك المطالب التي لا تصل حد المطالبة بإبعاد العسكر، ما دامت قوة المؤسسة العسكرية لا تزال حاضرة عكس مؤسسة الرئاسة، حسب تعبير الباحث.
كيف سيناور تبون؟
من أول القرارات التي أصدرها عبد المجيد تبون، هي إهداء وسام الاستحقاق لقايد صالح، تقديراً لـ"مرافقته الشعب في انتفاضاته بسلمية ومسؤولية". كان الإجراء رسالةً أراد من خلالها الرئيس الجديد تبليغ الجزائريين بأهمية الجيش في نسيج الدولة. وفي هذا الإطار، يشير عرجون إلى أن تبون لم يخفِ ولاءه للمؤسسة العسكرية. لكن هل سيستمر هذا الولاء مع وصول شنقريحة؟
يرّد عرجون أنه من المحتمل جداً أن يستمر تحالف مؤسستي الرئاسة والجيش، لأن قايد صالح قام بتطهير الجيش من أتباع التيارات الأخرى ووضع أشخاصاً محلّ ثقة لا يعارضون التوجهات الأخيرة للمؤسسة العسكرية. لكن هذا التحالف لن يكون بين طرفين لهما نفس القوة: "سيكون تنسيقاً بين طرف ضعيف هو الرئاسة وآخر قوي هو الجيش، وسيستمر هذا الأخير في التفوّق على الأقل خلال السنوات القادمة".
غير وإن كان تبون قد "أتى من رحم الجيش"، حسب تعبير خوليف، فقد يستفيد من وفاة قايد صالح. كيف ذلك؟ يجيب خوليف أن تبون، وإن لا زال تحت غلاف العسكر، إلّا أنه انتهى من وصاية قايد صالح، وبالتالي "سيكون له هامش أكبر من الحرية، وسيقوم بمناورة يعتمد من خلالها على الحراك، بحيثُ سيتقرب من المتظاهرين وسينصت لأصواتهم في اختيار أعضاء الحكومة، وذلك لغرض نزع أغلال العسكر التي تقيده وتحسين موقفه".
لكن هل سيقبل الحراك هذه "المناورة"؟ سؤال يبقى من المبكر الإجابة عنه، لكن مأمورية تبون في الأشهر القادمة لن تكون أبداً باليسيرة، في ظل متغيّرات سريعة لم تشهد الجزائر مثيلاً لها منذ مدة طويلة.
الكاتب: إسماعيل عزام