عبر الإنشاد الصوفي والترانيم الكنائسية، فرقة "سماع" تتحف جمهور ميونخ
٢٠ يونيو ٢٠١٣لم يكن أحد من الحضور يتخيل أن أغنية مثل "طلع البدر علينا"، ذات الطابع الإسلامي العميق، يمكن أن تشدو بها فرقة موسيقية في اعرق كنائس ميونيخ. لكن لغة الموسيقى الراقية الجميلة التي توحد القلوب وتهدئ النفوس وتنتصر على كل الفوارق والخلافات، كفيلة بتحقيق ذلك. جاء ذلك في العرض الفني المميز الذي أقامته فرقة "سماع" الموسيقية المصرية في كاتدرائية "ماكسمليان" بميونخ.
وكلما أنهت الفرقة أنشودة إسلامية أو مسيحية زاد تصفيق المشاهدين واستحسانهم. وفي تبادل جميل مع الجمهور، لم تبخل الفرقة عن إعادة بعض المقطوعات التي طلبها الحضور. وعن ذلك يقول قائد الفرقة انتصار عبد الفتاح، "إن الاستقبال الحار الذي حظيت به الفرقة في ميونيخ رائع ومبهر، فقد شعرنا بسعادة بالغة من احتفاء الجماهير". ويأتي العرض المقدم في ميونخ ضمن جولة فنية شملت عددا من المدن الألمانية المختلفة.
ويري عبد الفتاح أن الفن الذي تقدمه الفرقة يستطيع الوصول إلى المشاهدين بكل سهولة وصدق، وذلك بشكل مباشر وبدون تفسير أو توضيح، لأن الناس تشعر بالروحانيات والأحاسيس دون معرفة المعاني. والألمان مثلا "يستمعون إلينا رغم أنهم لا يعرفون معنى أناشيد مثل نور النبي ولا الصلاة والسلام على الأنبياء باللغة العربية، لكنهم يشعرون بأحاسيس الروحانيات العالية عند سماعهم الإنشاد الذي تصاحبه الآلات الشرقية مثل الناي والعود".
رسالة سلام
تقدم الفرقة في حفلاتها روائع الإنشاد الصوفي مثل "بردة البوصيرى" و"نهج البردة" برؤية معاصرة. وهي تسعى إلى الحفاظ على هذا التراث القيّم عبر إحياء القوالب القديمة مثل التواشيح والمقامات النادرة والطرائق التراثية المختلفة. وبعد الاندماج الذي حدث بين فرقة "أكابيلا" المصرية للترانيم الكنائسية وفرقة "سماع" أصبح هدف الفرقة واحد وهو الحفاظ على تراث الإنشاد الديني بشقيه الإسلامي والمسيحي في مصر.
تأسست الفرقة في مصر عام 2007 على يد الفنان انتصار عبد الفتاح. وتوضح المديرة سهام إسماعيل، أن فكرة الفرقة تقوم "على فلسفة السلام بين الأديان وبين البشر، ومنهجها واحد هو رسالة السلام. وعلى عكس ما يتصور البعض، لا تنادي الفرقة بوحدة الأديان، وإنما هي تتحدث بلغة الموسيقى، اللغة الإنسانية والكونية الراقية، التي نحاول بها ومعها التواصل مع كل الطوائف الإنسانية من منطلق فلسفة حوار ثقافات الشعوب. ما يعني أنه حوار فني يجمعنا مع الآخر، ويتم عبر المستوى الإنساني وليس الديني والعقائدي". وأشارت سهام إسماعيل أنه عندما يحدث أحيانا "سوء فهم في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر، فإن ذلك يقوّي من أهمية رسالة الفرقة، لأن الأخيرة تجسد بناء الأمة الواحد الذي يجمع بين الأقباط والمسلمين".
نجاحات متكررة
من جهة أخرى، تطرقت المديرة الفنية إلى النجاحات المتتالية للفرقة، وإلى الشهرة التي اكتسبتها على المستوى الأوروبي والأسيوي. وأوضحت سهام إسماعيل أن الفرقة قامت بجولات فنية في عدة دول مختلفة كفرنسا والنمسا والصين وألمانيا والجزائر ثم المغرب. كما أشارت أنها تضم ستين عنصرا من الهواة المتميزين، يتطلعون إلى توسع دائم وتطور مستمر. اليوم، بات ينظر إلى الفرقة على أنها مكتملة، وذلك بعد أن ضمت أربع فرق هي فرقة الترانيم الكنائسية، والترانيم القبطية، وسماع للإنشاد الصوفي، ومجموعة اندونيسيا للإنشاد المكونة من الطلبة الاندونيسيين الذين يدرسون في جامعة الأزهر ويعيشون في مصر. وكان الغرض من ضمهم حسب المديرة الفنية تعزيز قنوات "الحوار مع الآخر"، لأن لغة الموسيقى "لا تعرف الحدود ولا الحواجز".
أغنية نور النبي على إيقاعات السيمفونية التاسعة لبيتهوفن
وكان من أبرز مميزات عرض ميونخ، تقديم هرموني موسيقي يعرض لأول مرة، يجمع بين الإنشاد الديني لأغنية "نور النبي" وبين سيمفونية بيتهوفن التاسعة الحركة الرابعة عن الفرح والحب والسعادة. وحول ذلك قالت سهام إسماعيل "إنها أجمل رسالة يمكن أن تصدرها أمة، وهي أقوى من المظاهرات السياسية، لأنها تصل إلى قلوب الناس بشكل سريع. فالسماع للإنشاد والموسيقى الروحية هو طريق اتصال سهل بين القلوب، يخرج من القلب إلى القلب".
تفاعل الجماهير كان حماسيا يقول المهاجر المصري: الدكتور توفيق المنصوري الذي يعيش في ألمانيا منذ أكثر من أربعين عاما، وقد حرص على مشاهدة الفرقة التي قدمت عملا ًعظيماً، حسب قوله. أما راعي الكنيسة القبطية في ميونيخ الكاهن ديسقورس فاعتبر أنها أدت أداء عظيم وأن رسالتها للسلام وصلت إلى كل القلوب.
في نهاية الحفل أنشدت الفرقة بعض الأغنيات المصرية الحماسية التي تفاعل معها المصريون بقوة مثل أغنية " قوم يا مصري مصر دايما بتناديك، قوم لنصري نصري دين واجب عليك"؛ قبل أن تؤدي في الختام النشيد القومي المصري والألماني وسط تصفيق حاد ورغبة جماهيرية عارمة في عودة قريبة للفرقة إلى ألمانيا.
صلاح سليمان