ألمانيا تسعى لتحسين أدائها في استقبال الكفاءات المهاجرة
١٦ يونيو ٢٠١٣ورد في الأرقام الأخيرة التي قدمها المكتب الفيدرالي للإحصاء أن نحو مليون شخص قدموا إلى ألمانيا في عام 2012، وأن عدد الإسبان واليونانيين الذي استقروا في البلاد قد تضاعف مقارنة بالعام الذي سبقه. ووفق دراسة حديثة لمؤسسة بيرتلسمان، فان نصف المهاجرين الجدد حاصلين على شهادات عليا وهم خريجو الجامعات أو المعاهد التقنية وغيرها. وهو ما يعتبره المختصون تطورا يتطلب التعامل معه بمسؤولية أكبر.
وهناك أسئلة مفصلية تفرض نفسها على الوافد الجديد: كيف يمكن الحصول على فرصة عمل؟ وأين؟ هل سيتم في ألمانيا الاعتراف بشهاداتي الجامعية؟ هل سأستطيع البقاء؟ أسئلة تؤرق الضيف. وإذا لم يتمكن من حلّها سيختار العودة، وستفقد بذلك ألمانيا أناسا كثيرين، قادرين على مساعدتها على مواجهة النقص المتزايد في عدد السكان، وعلى شيخوخة ساكنتها والخصاص الكبير في اليد العاملة المتخصصة. وهو ما يخشاه السياسيون والباحثون على حد سواء.
ثقافة الاستقبال عوض الرفض
وبين أروقة مقر اتحاد "الاقتصاد الوسطي" يجري الحديث حول التعقيدات القانونية التي تتسم بها النصوص المنظمة لإجراءات الإقامة وغيرها، والتي تتضمن شروطا تعجيزية كثيرة. فضلا عن ذلك يتم انتقاد مظاهرالتداخل بين مؤسسات الدولة في مجال الصلاحيات، سواء كان ذلك بين مؤسسات تابعة للحكومة الفيدارلية أو تلك التي تخضع إلى حكم الولايات. وهو تداخل بلغ درجة من التعقيد حتى بات، أحيانا، من الصعب تحديد الجهات المسؤولة.
ومن هذا المنظور، يقر كاتب الدولة في وزارة الاقتصاد الألمانية، إيرنست بورغباخر في حوار لـDW، أن بلاده لطالما اعتمدت ثقافة الرفض عوض الاستقبال، مضيفا "علينا أن نشعر الناس من مختلف أقطار المعمورة بأنه مرحب بهم". ووعد كاتب الدولة بمواصلة النهج الحكومي في تخفيض معدل سقف الدخل، الذي يعتبر شرطا أساسيا لمنح تراخيص العمل، بينما ردت المعارضة بالقول إنها وعود واهية لا تخدم سوى الحملة الانتخابية، ولا تهدف سوى لكسب الأصوات. بيد أن إيرنست بورغباخر عاد ليؤكد على الخطوات "الإيجابية التي حققتها الحكومة ولا زالت" في هذا المجال.
قانون العمل الجديد
في الأول من شهر تموز/ يوليو القادم، يتم اعتماد قانون التشغيل الجديد الذي يسمح لحاملي الشهادات من دول خارج الاتحاد الأوروبي العمل بألمانيا. ومن المفترض أن تعطى الأولوية للقطاعات التي تعاني خصاصا كبيرا في الأطر المؤهلة.
ويتوجب على الباحثين عن العمل من المهاجرين تقديم شهاداتهم إلى المراكز المختصة للإعتراف بها رسميا ومقارنتها بالشواهد الوطنية. ولهذا الغرض افتتح موقع BQ الإلكتروني الذي يقدم خدمات المصادقة على الشواهد والاعتراف بها.
ولأنه من المجدي بالنسبة للأجانب جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات قبل مغادرة أوطانهم، أنشأ موقع آخر يحمل اسم „make-it-in-germany" . وأفاد بورغباخر كاتب الدولة في وزارة الاقتصاد الألمانية، أن 1,7 مليون شخص استخدموا هذا الموقع، الذي يتضمن أيضا إعلانات للوظائف الشاغرة. يضاف إلى كل هذا، أنه تم تعيين موظفيين مهمتهم تقديم الإرشادات عبر الهاتف.
مصالح موحدة
وفور وصوله إلى ألمانيا، من المفترض أن يصادف المهاجر من حاملي الشهادات إجراءات مخففة للحصول على الإقامة وترخيص العمل وغيرها. فالمخطط يقضي باختزال كثرة المصالح المختصة، أو حتى نقل الاختصاصات إلى مصلحة مركزية واحدة مستقبلا.
وهذا ما سعت إليه مدينة هامبورغ حين أسست مركزا أطلق عليه "welcome-center" عام 2009. تشرف عليه بيرته ستيلار التي تعتبر المهاجرين من حاملي الشهادات "زبائن قيّمين"، من الواجب أن "تقدم لهم استشارات فردية، تهتم بخصوصية وضعهم، وذلك في قالب لطيف جدا". وبكل فخر تضيف السيدة ستيلار أنه "طرح عليها مرارا، سؤال حول ما إذا ما كان المركز فعلا حكوميا، نظرا للاهتمام الكبير الذي وجدوه من لدن أعضاء الفريق". وهي ميزة بطبيعة الحال لا تنطبق على المؤسسات الحكومية عادة.
وينظر إلى مركز هامبورغ كمسؤسسة رائدة في هذا المجال، ويراد تعميمه على باقي المدن الألمانية، بدء من مدينة ميونخ التي ستشهد افتتاح مركز مماثل الصيف الجاري.
مبادرات خاصة بالمدن
بلدية لينغن وفونزيدل بولاية بافريا اختارت طريقة أخرى في تعاملها مع الوافدين الجدد ومعضلة النقص المسجل في الأطر المتخصصة في الشركات الصغرى والمتوسطة. وقد اجتمع ساسة البلديتين بالشركات المتواجدة في المنطقتين، وذلك للبحث عن يد عاملة أوروبية.
وقد حصل ديتر كرونه، عمدة مدينة لينغن من المصالح المختصة في مدينة سالت الإسبانية على بيانات شبان يبحثون عن عمل؛ علما أن نسبة البطالة في المدينة بين أوساط الشباب بلغت 50% بالمائة. غير أن الشباب المرشحين لا يتوفرون على المؤهلات المطلوبة.
وتتضمن آليات البحث المعتمدة تقديم "قائمة واضحة لشروط التشغيل المطلوبة من قبل الشركات، وبعدها نتوجه إلى إسبانيا"، يقول ديتر كرونه، "للقاء زملائنا الإسبان الذين يقدمون لنا اقتراحات بخصوص مرشحين"، مؤكدا أنه "لا يمكننا، استقدام شبان أجانب فقط لأنهم عاطلون عن العمل، أو استغلال الأزمات الكبيرة التي تواجهها تلك البلدان والتي أسفرت عن تفشي البطالة". هل هذه السياسية القويمة نهج تتبعه المدن المجاورة والبلديات، سؤال لا يستطيع ديتر كرونه الإجابة عليه.
وعلى أمل أن يكون الأمر كذلك، يقول كرونه، تبقى المناطق الريفية في ألمانيا الأكثر قدرة على تقديم أفضل فرص العمل، وشروط الحياة الهنيّة.