عائلة سورية في ألمانيا: معايشة يومية وتضامن بلا حدود مع أبناء الوطن
٢٩ يونيو ٢٠١١مصطفى يعمل طبيباً في ألمانيا، وزوجته ألمانية الجنسية بريغيته تعمل محامية، ويشكلون مع أبنائهم الثلاثة عائلة سعيدة تعيش بهدوء وطمأنينة. إلا أن العائلة عاشت خلال الأشهر الثلاثة الماضية بشكل مختلف عن السنوات الطويلة التي قضتها. "لم يكن أحد يحلم أن تحدث هذه الثورات في الدول العربية، لأن الناس هناك فقدت الأمل بالتغيير، فأي تغيير نرجوه من حاكم صار له ثلاثة عقود أو أربعة في الحكم، أو من حاكم جاء إلى الرئاسة بالوراثة"، يقول مصطفى عبد الرزاق، الذي زار سوريا لآخر مرة العام الماضي، في بداية حديثه لدويتشه فيله.
ويصف مصطفى معايشته لثورات الحرية العربية بقوله: "بعد أن رأيت التغيير الذي أحدثه شباب تونس ومصر، كنت واثقاً أن الثورة ستبدأ في سوريا، لأن تاريخ الشعب السوري يشهد بأنه ناضل ضد المستبد دائماً". مصطفى غادر سوريا من أجل دراسة الطب في ألمانيا قبل أكثر من عشرين سنة، وبعد أن أنهى دراسته بقي في ألمانيا ليفتتح عيادة خاصة يمارس فيها مهنة الطب.
"العمليات التجميلية لا تفيد"
يبدأ مصطفى يومه بمتابعة سريعة للقنوات الإخبارية، عسى أن يكون هناك خبر جديد يجلب له الفرح، ثم يذهب إلى عمله، وهناك يأتي إليه المرضى وتدور أحاديث بينهم. قبل انطلاق الحركة الاحتجاجية في سوريا، كانت الأحاديث تتميز بالعمومية وتتناول مواضيع يومية مختلفة، ولكن بعد بدء الاحتجاجات ضد النظام الحاكم في سوريا لم يعد هناك حديث مع المرضى إلا عن موضوع واحد، وهو ما يؤكده مصطفى بقوله: "يسألني المرضى عن أخبار أهلي في سوريا، فأقول لهم أن كل سوريا أهلي".
وعن الإصلاحات المعلن عنها في سوريا، يقول مصطفى:"هذه ليست إصلاحات، وإنما عمليات تجميل لا تفيد. فبعد أربعين عاماً من القمع والظلم، يستحيل أن يتغير الأمر. فعناصر الأمن تعتقل أي مواطن متى تريد، فكيف نستطيع أن نغير عقلية رجال الأمن في سوريا في يوم وليلة".
كما يروي لنا مصطفى، كيف أن المرضى أصبحوا يهتمون بأخبار سوريا كثيراً، حتى أنهم يجمعون له كل ما يجدونه في الجرائد الألمانية مكتوباً عن سوريا. الطبيب السوري يحاول الاجابة على أسئلة مرضاه حول أسباب قيام الثورة في سوريا، وهنا يتفاجأ الكثيرون منهم بذلك ويقول البعض منهم أنها تذكرهم بما عاشوه في ظل الحكم الشيوعي في ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين.
وكذلك الأمر بالنسبة لبريغيته، زوجة مصطفى، التي تخبرنا بأنها نشأت ودرست في ألمانيا الشرقية، فتقول: "عاش الناس هناك فترة صعبة، لكن الأمر لم يعد يطاق، فخرجنا بمظاهرات كبيرة، ضد النظام الشمولي لألمانيا الشرقية، وما أشبه هذا بالأوضاع في سوريا الآن".
بريغيته تعرفت على زوجها قبل عقدين من الزمن، وقامت بزيارة سوريا كثيراً، وأعجبتها طبيعة البلاد وأعجبها الناس هناك، "فهم كرماء ولطيفون جداً، وعائلة مصطفى تقبلت الزواج دون أية مشاكل"، وأكثر ما سحر بريغيته هو "تلك الثقافة العريقة الموجودة في سوريا والتي ليس لها مثيل في أوربا".
"اشتقنا للوطن الحبيب"
وخلال زيارتنا لعائلة عبد الرزاق يأتي محمد، صديق العائلة، إلى بيت مصطفى بعد أن أنهى عمله هو الآخر، فيقاطع حوارنا، ويروي أنه خرج من سوريا قبل أكثر من ثلاثين سنة بهدف دراسة الطب أيضا، وبعد ذلك يفاجأ بأنه ملاحق سياسياً في سوريا، بتهمة الانتماء إلى تنظيم محظور. ويتابع عبد الرازق حديثه معنا قائلاً: "كان عمري 18 سنة عندما غادرت سوريا، ولم أكن أتابع أي شيء له علاقة بالسياسة، ولكن في تلك الفترة تم اتهام الكثيرين بالإنتماء لتنظيمات سياسية معارضة، لمجرد وشاية وصلت من هنا أو هناك".
وبعد فترة من وجوده في ألمانيا أراد محمد زيارة أهله، غير أنهم نصحوه بأن لا يأتي، لأنه متهم بالانتماء إلى تنظيم محظور. ولذلك لم يستطع أن يزور سوريا إلى الآن، مع أن نيته كانت غير ذلك، كما يؤكد لنا: "عندما خرجت من سوريا، لم أكن أتصور أني سأبتعد عن سوريا، لقد كان هدفي أن أعود إليها بأسرع وقت ممكن، لكي أساهم في بنائها وتطويرها وخدمة شعبها".
مصطفى ليس ملاحقاً في سوريا مثل محمد، ولكنه يتمنى أن"يكون المستقبل أفضل، وأن تتغير الأحوال"، فهو يريد لأولاده حياة أفضل من حياة جيله، وجيل والديه. منذر (15 عاماً) يسأل أباه مصطفى دائماً: "هل سنذهب إلى سوريا هذا الصيف؟"، فيكون الجواب: "إن شاء الله، سنذهب". يدرك منذر أن الأمر صعب، ولكنه اشتاق إلى سوريا، فهو تعود أن يذهب كل سنة إلى سوريا، خلال العطلة الصيفية.
الرحلات متوقفة حتى إشعار آخر
منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والعائلة تعيش وضعاً استثنائياً. لم يعد هناك زيارات عائلية، ولا رحلات استجمام للأطفال. "تسألني ابنتي ناديا باستمرار: هل سنخرج في عطلة نهاية الأسبوع للتظاهر تضامناً مع سوريا؟" يحكي لنا مصطفى بحماس، كيف أصبح الأولاد يركزون جل تفكيرهم على الأوضاع في الوطن الأم. ناديا (13 سنة) تتوقع أن يتغير كل شيء في سوريا، ولكن ليس بالسرعة التي تتمناها، فهي تخشى "أن يستمر هذا الوضع لسنة كاملة، وربما أكثر".
وفيما يتعلق بموقف المجتمع الدولي ودوره تجاه الأوضاع في سوريا، يرى مصطفى أن المجتمع الدولي "متخاذل حيال الوضع في سوريا، وخاصة الموقف العربي". ويستثني مصطفى الموقف التركي، ويتمنى أن "يحذو العرب حذو تركيا في موقفها من الأحداث في سوريا".
أما زوجته وأم أطفاله بريغيته فلا تهتم كثيراً بالمواقف الدولية تجاه سوريا، لأن جل ما يشغل اهتمامها في هذه الأيام هو الناحية الإنسانية هناك وأن "تتوقف عمليات قتل الأطفال في سوريا"، لأنها تريد "أن ترى أطفال سوريا كلهم سعداء مثل أطفالها".
أحمد محمود
مراجعة: لؤي المدهون