الطلاب السوريون في ألمانيا- مصاعب وآمال
١٠ مارس ٢٠١١ابتسامة عريضة ترتسم على وجه الكثير من الشباب الخارجين من مبنى السفارة الألمانية في دمشق، القابع في أحد أرقى أحياء العاصمة السورية. وذلك بعد أن تتم الموافقة على منحهم تأشيرة السفر إلى ألمانيا لبدء الدراسة فيها. ابتسامة قد تجد تفسيرها في الآمال والأحلام المختلفة لهؤلاء الشباب حول مستقبلهم، الذي يحاولون جعله بشكل أفضل -ربما- مما يسمح به الواقع الصعب في بلدهم سوريا.
ما قبل السفر
"كان السفر إلى ألمانيا الفرصة الوحيدة أمامي بعد أن وصلت في سوريا إلى طريق مسدود. فمجموع علاماتي في الثانوية لم يؤهلني لدراسة أكثر من معهد هندسي، ومن غير الممكن هنا إيجاد عمل لخريجي هذا الفرع"، يقول أكرم حزوري (28 عاماً)، الذي أنهى منذ أسابيع قليلة دراسة الهندسة الكهربائية، موضحاً أسباب اختياره الدراسة في ألمانيا. ويضيف حزوري بالقول إنه أختار ألمانيا بالتحديد، لأن "المتعارف عليه أن سمعة الشهادة الألمانية أفضل من مثيلاتها في أوروبا الشرقية، وهذا ما يزيد من فرص إيجاد عمل مناسب في المستقبل".
أما باسل فردي (35 سنة)، الذي درس أيضاً الهندسة الكهربائية في مدينة هامبورغ الألمانية، لينال بعدها شهادة الدكتوراه من جامعة كمنتس التقنية: "إلى جانب السمعة الجيدة، فإن انخفاض تكاليف المعيشة نسبياً في ألمانيا عن غيرها من دول أوروبا الغربية، يشكل أحد أهم العوامل التي تجذب الشباب السوري للدراسة في ألمانيا".
وتقدم الجامعات السورية وبعض المؤسسات الحكومية منحاً دراسية للعديد من حاملي الشهادة الثانوية والخريجين الجامعيين المتفوقين، لمتابعة الاختصاص في ألمانيا أو لدراسة اختصاصات لا تتوافر في الجامعات السورية. إلا أن حظ المنحة الدراسية قد لا يطال كل الراغبين بالدراسة في ألمانيا، ويُضطر هؤلاء إلى الاعتماد على أهلهم في تأمين نفقات السفر والمعيشة، والتي تعد مرتفعة بالنسبة إلى مستوى الدخل في سوريا. وعن ذلك يقول الحزوري: "قيل لي أني لا بد أن أعتمد على مساعدة أهلي خلال السنة الأولى ريثما أتمكن من تدبر عمل إلى جانب الدراسة أعيل به نفسي ولو جزئياً".
تعلم اللغة هو الأساس
لعل القاسم المشترك الذي يجمع معظم الذين يقفون على أعتاب السفر بهدف الدراسة في ألمانيا هو شعورهم بالأمل والتفاؤل بالمستقبل، بما لا يخلو من بعض التخوف من "الفشل الدراسي والتوجس من المجهول" كما عبر بعضهم. يتفق معظم من استطلعنا آراءهم على أن عامل اللغة يمثل العائق الأول الذي يصطدم به الطلاب الجدد بعد وصولهم إلى ألمانيا. عن ذلك يقول حزوري: "إن جهلي باللغة الألمانية في البداية شكل بالنسبة لي صدمةً حالت دون الانخراط في المجتمع الألماني، فضلاً عن أثر ذلك في تصعيب التحصيل العلمي وبالتالي إطالة فترة الدراسة".
من جهته يرى طالب الدكتوراه عمار عباس (33 سنة) في مشكلة اللغة "حافزاً ودافعاً للتعلم لدورها الكبير في تجاوز صعوبات المجتمع والثقافة الجديدين". كما أن اللغة ليست عامل الصعوبة الوحيد الذي يقف أمام الدارسين، فغياب دور المؤسسات - كالسفارة السورية مثلاً- في تبني مشاكل الطلاب الجدد وتوجيههم، بالإضافة إلى صعوبة إيجاد عمل مناسب إلى جانب الدراسة، تمثل معوقات أخرى يعاني منها طالبو العلم السوريون في ألمانيا.
الجامعات الألمانية وعناصر النجاح
وحول ما يميز الدراسة في الجامعات الألمانية عن نظيراتها في سوريا يقول عباس، الذي عمل لعدة سنوات في التدريس الجامعي في جامعة تشرين السورية، قبل أن يوفد إلى ألمانيا لدراسة الدكتوراه: "بالرغم من التشابه في طرق التعاطي مع الطلاب، إلا إن ما يميز الجامعات الألمانية هو وجود إمكانيات وتجهيزات للبحث العلمي، الأمر الذي يجعل هذه الجامعات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسوق العمل، وهذا ما تفتقده الجامعات السورية".
وهذا ما يؤكده باسل فردي، الذي مارس التدريس في جامعة كمنتس الألمانية، بقوله: "تهيئة الطالب للانخراط في سوق العمل تبدأ خلال فترة الدراسة، عبر فترات تدريبية إجبارية تصل مدتها إلى عدة شهور في أحد المصانع، للاطلاع عن كثب على آخر الأبحاث الصناعية".
كما يضاف إلى ذلك المزايا التي يستفيد منها الطلاب في ألمانيا بشكل عام، كالتخفيضات والحسومات على العديد من التذاكر والخدمات المختلفة، وكذلك الإعفاء من الضرائب، مما يخفف إلى حد ما من العبء المادي في حياة الطلبة.
وتختلف وجهة السوريين بعد إنهاء دراستهم في ألمانيا، فمنهم من يتوجه للعمل خارج ألمانيا، غالبا في سوريا أو أحد البلدان الخليجية. كما أن الكثيرين استطاعوا شق طريق نجاحهم في ألمانيا نفسها. ومثال ذلك باسل فردي، الذي عمل بعد دراسته للدكتوراه، على تأسيس شركة لأبحاث الذكاء الصناعي ومعالجة الصورة في العام 2005، ومن ثم التوسع عن طريق تأسيس شركة جديدة في العام 2010، والبحث عن ربط مشاريعه بالسوق العربية. وعند سؤاله عن المقومات التي ساعدته على تحقيق نجاحه يقول:" الإرادة الذاتية والانضباط هما أساس العمل الناجح. وهما لا بد أن يرتبطا بالجهد العملي في جميع المراحل، حتى يصل المرء إلى أهدافه".
مأمون صليبي
مراجعة: عماد م. غانم