صدمة وفاة مرسي ـ هل يتغير تعامل الغرب مع نظام السيسي؟
١٨ يونيو ٢٠١٩ردود فعل إقليمية ودولية واسعة أحدثتها وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تاريخ مصر عن عمر ناهز 68 عاماً. وترافقت هذه الوفاة الصادمة مع عودة الحديث عن أوضاع مروعة داخل السجون المصرية على خلفية اتهامات للنظام المصري بتعمد إهمال الحالات الصحية للسجناء، خاصة السياسيين، منهم بجانب انتهاكات أخرى.
قبل وفاته .. مرسي يحذر
وخلال إحدى جلسات محاكمته في عام 2017 كان مرسي قد اشتكى من ظروف سجنه السيئة. ورغم حصوله على موافقة المحكمة على تلقي العلاج على نفقته الخاصة إلا أن مصلحة السجون المصرية رفضت تنفيذ قرار المحكمة وفق ما قالت أسرته ومحاميه.
ويؤكد عمرو مجدي، الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش، في مقابلة له مع DW عربية أن "هناك تقارير رسمية صادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان (مؤسسة حكومية) تتحدث عن أوضاع مزرية في أماكن الاحتجاز منذ عام 2014، كما تتحدث عن أوضاع أخرى مزرية عموما في السجون المصرية".
وتشير تقارير حقوقية دولية إلى أن عدد المعتقلين الذين توفوا بسبب الإهمال منذ الإطاحة بمرسي، في الثالث من يوليو/تموز2013، بلغ 687 معتقلا، منهم 15 حالة وفاة في عام 2019 فقط، وهي الأرقام التي شكك العميد خالد عكاشة في مصداقيتها.
مصر.. توسع "مرعب" في بناء السجون
منذ عام 2013 وبعد الإطاحة بمرسي، شهدت مصر توسعاً غير مسبوق في بناء السجون، كان آخرها قرار وزير الداخلية المصري في الرابع من فبراير/شباط 2019 بإنشاء "السجن المركزي للمنطقة المركزية بأسيوط" جنوبي القاهرة، ليصل عدد السجون التي تم إنشاؤها منذ عام 2013 إلى 22 سجناً. وليصبح عدد السجون في مصر 66 سجناً، عطفا على وجود أكثر من 350 مقر احتجاز ما بين أقسام ومراكز شرطة ومعسكرات للأمن المركزي إلى جانب السجون السرية.
وفي هذا الإطار، يشير جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إلى تقرير نشرته الشبكة بعنوان "هناك متسع للجميع" جاء فيه أن عدد السجون قبل ثورة يناير بلغ 43 سجناً، وفي فترة المجلس العسكري بني سجن واحد، أما في فترة حكم مرسي فتم بناء سجنين وفي فترة عدلي منصور والسيسي تم بناء 19 سجناً.
ويضيف عيد في حديثه لـDW عربية أن "فكرة التوسع في بناء السجون جاءت نتيجة زيادة عدد السجناء والذين هم في أغلبهم معارضون سياسيون؛ إذ يبلغ إجمالي عدد المعتقلين في مصر نحو 110 ألف شخص، منهم نحو 60 ألف سجين سياسي". ويشير عيد إلى أن "النظام المصري يرى أن كلفة بناء السجون أكثر توفيراً من الحرية والديمقراطية".
"أنواع مختلفة من الانتهاكات"
ويشير الحقوقي عيد إلى أن أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء، خصوصاً السياسيون منهم، تتمثل في "الحبس الاحتياطي الطويل الذي أصبح بحد ذاته عقوبة حتى أن بعض السجناء تعدت فترات حبسهم احتياطاً المدد القانونية، إلى جانب الإهمال الطبي، والحبس الانفرادي والحرمان من الزيارة".
ويضيف عيد أن "أسرة مرسي حرمت من زيارته لعامين، وكذا الحرمان من تلقي طعام من الخارج وارتفاع أسعار المواد الغذائية داخل السجون ـ على قلتها ـ ما حول سجون مصر إلى ما يشبه المقابر أو أداة للقتل البطيء"، حسب وصف الحوقي المعروف.
بيد أن الخبير الأمني المصري العميد خالد عكاشة يشدد خلال حديثه لــ DW عربية على أن "وزارة الداخلية وقطاع مصلحة السجون ليس لديهما أدنى مشكلة في متابعة الحالات الصحية للسجناء بل على العكس تماماً فإنه من مصلحة الأجهزة الأمنية والقضائية في مصر أن يحتفظ المتهمون بصحتهم لأن معظم هؤلاء متهمون في قضايا تهم الدولة المصرية، ويهمها أن يكونوا على قيد الحياة لتتم محاسبتهم بالقانون إذ أن وفاتهم ربما تفسد هذه القضايا"، يقول عكاشة المقرب من نظام السيسي.
"دعايات مغرضة"
كما يوجه عكاشة انتقادات شديدة لمنظمات حقوق الإنسان قائلا إنها "لم تعد فوق مستوى الشبهات وأنها تستخدم التقارير المسيسة بوجود انتهاكات في السجون كسلاح للهجوم السياسي" على النظام المصري. ويواصل عكاشة هجومه قائلا إن "المؤسسات الأجنبية أصبحت اليوم في أغلبها مخترقة بشكل كبير ويتم استغلالها من محاور كثيرة تعمل ضد مصر"، دون أن يسمي هذه المحاور.
في المقابل يرد عمرو مجدي، الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش، قائلاً: "إن من يتحدثون عن فقدان هيومن رايتش ووتش وغيرها من المنظمات الحقوقية للمصداقية يحتاجون إلى مراجعة أنفسهم، فنحن نعمل في 90 دولة حول العالم ولدينا وضع استشاري في الأمم المتحدة بل لدينا تعاون مع حكومات بعضها عربية أيضا".
ويرى مجدي أن تهمة فقدان المصداقية تنطبق على "الحكومة المصرية التي لا تسمح بوجود إعلام مستقل وتمنع عمل المنظمات الحقوقية أو تضيق عليها". ثم يتساءل قائلا: "لو كنا فاقدين للمصداقية فلماذا تم حجب موقعنا في مصر ومنع ظهورنا في وسائل الإعلام المصرية طالما يمكن دحض وتكذيب ما نقول بهذه السهولة؟".
ضغوط دولية.. هل تسهم في تحسين الأوضاع؟
وكانت عدة جهات دولية – حقوقية في أغلبها – قد حذرت من خطورة الوضع الصحي للرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن بعد الوفاة انطلقت مطالبات من عدة جهات شملت الأمم المتحدة ودولا وحكومات ومنظمات حقوقية تطالب بالتحقيق في ملابسات وفاة أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر.
هل يمكن أن تتسبب تلك الضغوط في دفع النظام المصري لتغيير الوضع في سجونه سيئة السمعة؟ يستبعد العميد خالد عكاشة الخبير الأمني المصري حدوث أمر كهذا، مشيراً إلى أن علاقات مصر بالفاعلين الدوليين قوية للغاية ".
ويتفق عمرو مجدي، الباحث بمنظمة هيومن رايتس ووتش، مع فكرة عدم وجود جدوى لهذه الضغوط – وإن كان من زاوية أخرى. ويرى مجدي أن الغرب يتعامل ببراغماتية مفرطة مع نظام السيسي، "خاصة في ملفات الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب ومبيعات السلاح ليتم في المقابل التغاضي عن انتهاكات نظام السيسي الخطيرة لحقوق الإنسان وسحقه للديمقراطية وحرية التعبير".
ويحذر مجدي من أن "وجهة النظر هذه قاصرة للغاية وليس فيها نظرة للمستقبل ولا اعتبار لما يمكن أن ينجم عن هذه الممارسات والتي أدت بالفعل لانهيار الأوضاع في مصر ودول أخرى في المنطقة وأدت لفقدان الشعوب لأي أمل في التغيير السلمي".
أما الحقوقي جمال عيد فيشير إلى أن "تلك التصريحات لن تتحول إلى فعل إلا إذا رأى من يضع هذه الضغوط أن مصالحه متعارضة مع ما يفعله نظام السيسي، "فما تفعله القوى الدولية ما هو إلا قصر نظر بدعمها لنظام ديكتاتوري وعلى المدى البعيد سيصبح الوضع كارثياً". بيد أن عيد يرجح رغم ذلك حدوث "تحسينات طفيفة ولفترة وجيزة في وضع السجون حتى تمر أزمة وفاة مرسي لتعود الأوضاع كما كانت قبل وفاة مرسي".
ع.ح/أ.ح