شمال سيناء..تهريب وتطرف وسط غياب أفق حل سياسي
١٤ نوفمبر ٢٠١٢الوضع الأمني الموجود حاليا في محافظة شمال سيناء، هو الأكثر توترا في مصر. وتعتبر هذه المنطقة، المحاذية لإسرائيل، معقلا لمهربي الأسلحة والمتاجرين بالبشر والجهاديين المتطرفين، حيث فقدت الدولة سلطتها تقريبا على أنحاء كثيرة من هذه المنطقة. وتتكرر في هذا الإقليم الهجمات على قوات الأمن، وكان آخرها مقتل ثلاثة من رجال الشرطة برصاص مجهولين، مطلع الشهر الجاري.
أسباب هذا الوضع الخطير متعددة، كما يرى عبد المعطي زكي إبراهيم، العضو في حزب الحرية والعدالة الحاكم، وهو الذي تعامل عن قرب مع الوضع في شبه جزيرة سيناء: "مبارك أهمل سيناء كليا، ليس الأرض فقط، ولكن الناس أيضا. ولم يسمح لسكان سيناء بالانضمام إلى الجيش أو تملك الأراضي".
أسباب اقتصادية أيضا
ولهذا بقي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للسكان مأساويا حتى يومنا هذا: لا توجد مدارس كافية وفرص العمل نادرة جدا. مما اضطر بعض البدو الذين يعيشون هناك إلى اللجوء إلى العنف والجريمة لتأمين لقمة عيشهم. ونشأ اقتصاد حقيقي يعتمد كليا على التهريب: ففي سيناء يتم بيع وشراء أسلحة لتصل إلى السودان وليبيا وقطاع غزة. إضافة إلى أموال الفدية التي يبتزونها بخطفهم للاجئين أفارقة. ومن خلال الفراغ الأمني الذي نشأ بعد الثورة زاد انتشار هذا الوضع. شتيفان رول، خبير الشؤون المصرية في المعهد الألماني للدراسات الأمنية والدولية في برلين، يؤكد على أهمية البعد الاقتصادي للمشاكل في سيناء بالقول: "أعتقد أن جزءا كبيرا من الحوادث له خلفية اقتصادية. الأمر مرتبط بطرق التهريب وطرق النقل، وهم لا يريدون أن تعرقلهم قوات الأمن".
كما ولد التصرف العنيف لرجال الشرطة، الكراهية ضد قوات الأمن. فالتعذيب والاعتقالات التعسفية في سيناء، وكذلك في بقية أنحاء مصر، ليست أمرا غير مألوف. بل وحتى يجري اعتقال قريبات إناث للشخص المطلوب حتى يتم الضغط عليه ليسلم نفسه. ولكن في سيناء تحديدا، فإن تأثير مثل هذه الأساليب يكون كارثيا بصورة خاصة، كما يقول زكي إبراهيم: "لماذا؟ لأن المجتمع في سيناء محافظ جدا. فهناك لا يمكن للرجل الغريب حتى أن ينظر للمرأة، عندما تكون منقبة". وينبغي، بحسب رأيه، على قوات الأمن المحترفة أن تتعرف جيدا على العادات والتقاليد، وما هو مقبول اجتماعيا، قبل أن تنفذ أي عملية للشرطة.
صلات بتنظيم القاعدة
كل هذا يشكل في النهاية أرضية خصبة للإسلاميين المتطرفين. زكي إبراهيم يعتقد أن نفوذهم نما في سيناء. وبعضهم لهم صلات بتنظيم القاعدة. "إنهم يعتبرون من يحكمون البلاد غير مؤمنين". وتفسيرهم المشوه للإسلام يسمح لهم في نهاية المطاف قتل هؤلاء "الحكام الكفرة". وهدفهم النهائي هو إقامة دولة دينية في سيناء.
وحتى الآن، كانت كل المحاولات، لحل المشاكل في سيناء، عسكرية بالدرجة الأولى. شتيفان رول يقيم هذا الإجراء على النحو التالي: "أعتقد أن العمل العسكري لم يحقق الكثير، ولكن العملية، وهذا ما يقلقني، لم تكن جدية بما يكفي". لقد نقلوا إلى سيناء وحدات عسكرية أكبر. ولكنهم لم يتصرفوا بشكل فعّال ضد التنظيمات المحلية الموجودة هناك. كما يقول رول.
لماذا يتحفظ الجيش؟
الخبراء لا يملكون الآن معلومات دقيقة حول سبب تحفظ الجيش المصري في التعامل مع الوضع بجدية أكبر، وكل ما يقدمونه هو مجرد تكهنات وتحليلات. من الواضح أن العثور على العصابات الإجرامية والجهاديين في سيناء، التي تتميز بكونها منطقة جبلية، هو أمر صعب. بالمقابل فإن شن عملية عسكرية واسعة النطاق ستؤدي إلى وقوع إصابات بين السكان المحليين، وبالتالي إلى تفاقم المشكلة. إذن فهناك حجج عقلانية لإحجام الجيش. ولكن رجال الشرطة، الذين يحتجون في سيناء مطالبين بأسلحة أفضل وبتواصل أفضل بين الشرطة والجيش، يشيرون إلى مشاكل قابلة للحل بسهولة. ولكنها بقيت حتى الآن دون معالجة كافية. عدم كفاءة بعض المسؤولين، أو تربح بعض الفاسدين منهم من عمليات التهريب، قد تكون تفسيرا لهذا الوضع. ولكن حتى هذا يبقى مجرد تخمين.
تفسير عدم وجود برنامج شامل للتنمية في سيناء، كما يرى زكي إبراهيم، يعود في المقام الأول إلى السبب التالي: "ليس هناك برلمان، حتى يتمكن من انتقاد الإجراءات، كل على حدة. لدينا رئيس، ولكنه لا يريد استخدام حقه في التشريع إلا في حالة الضرورة، لأنه وعد بذلك".
وكان الرئيس مرسي، بعد تسلم السلطة من المجلس العسكري الحاكم، قد تولى صلاحيات ذلك المجلس أيضا، والتي من بينها سلطة التشريع، بما أنه جرى حل البرلمان. ولتجنب إعطاء انطباع بوجود ديكتاتور جديد، أعلن مرسى بأنه لن يستخدم سلطة التشريع هذه، إلا في حالات الضرورة القصوى. فهل سيبقى الوضع هكذا حتى انتخاب برلمان جديد، وهذا لن يتم قبل منتصف العام المقبل.