شباب حي التضامن بتونس.. إيطاليا أهم من الانتخابات
٢١ أكتوبر ٢٠١٤لا شيء يوحي في حي التضامن في العاصمة تونس، باقتراب موعد انتخابات حاسمة انتظرتها البلاد مطولا، فلا وجود لقوائم انتخابية ولا حديث عن الأحزاب أو البرامج الانتخابية. بدلا من ذلك، يسأل الشاب محمد العموري صديقه عن آخر المستجدات بشأن الرحلات السرية المتجهة إلى السواحل الايطالية، فمحمد ينوي الهجرة إلى أوروبا، لعلّه يتخلص من "بؤس" الحياة التي يعيشها في بلده تونس. محمد، البالغ من العمر 27 عاما، عاطل عن العمل منذ 11 عاما، قضى عقوبة السجن لسبع سنوات، بسبب تورطه عام 2007 في قضية سطو بالعنف، وأفرج عنه ضمن عفو رئاسي في مارس/آذار الماضي بمناسبة عيد الاستقلال.
الهجرة "أجدى" من الانتخابات
وصلت أصداء الثورة إلى محمد وهو في السجن، وقبل ذلك فقد أمه قبل أن يودعها الوداع الأخير. وبعد مغادرته السجن، لم يلحظ تغييرا يذكر بحيه، حي التضامن غرب العاصمة، وهو أكبر حي شعبي بتونس يضم نصف مليون ساكن. يبدو محمد غير معني بتلك الانتخابات التي من المفترض أن تتوج المرحلة الانتقالية لأكثر من ثلاث سنوات بعد الثورة، فهو لم يسجل اسمه ضمن سجل الناخبين ولم يهتم أيضا بالبرامج الانتخابية المطروحة، بل إنه لا يعرف حتى أسماء الأحزاب المتنافسة.
يقول محمد لـDW عربية: "عندما كنت في السجن تحمست كثيرا للثورة. لكنني وبعد ثلاث سنوات لم أرى أي تغيير. الناس يعانون والأمن يضيّق الخناق على الشباب ويعاملهم كمجرمين وليس كثوار". وتابع محمد "لن انتخب ولا تعنيني الانتخابات. سأغادر البلاد وأحتاج فقط إلى المال".
المخاطرة أو السجن؟
في ذروة الانفلات الأمني في عام 2011، شق الآلاف من الشبان التونسيين طريقهم إلى السواحل الايطالية، فوصل 20 ألف منهم إلى جزيرة لامبيدوزا الايطالية عبر "قوارب الموت"، بيد أن الآلاف أيضا لقوا مصرعهم في أعماق مياه المتوسط، دون أن يتاح لذويهم فرصة دفنهم أو التأكد من وفاتهم.
ويروي الشاب فؤاد المرزوقي (31) من "حي 105" بقلب حي التضامن أن أبناء الحي اضطروا لتأدية صلاة جنازة الغائب على أحد شبان الحي بعد أن هاجر على قارب إلى ايطاليا قبل نحو ثلاث سنوات، ولم تعرف عنه عائلته شيئا منذ ذلك الحين. رغم ذلك، ينظر إلى الهجرة غير الشرعية على أنها الحل النهائي لغالبية الشباب المعطل بحي التضامن وغيرها من الجهات الفقيرة والمهمشة.
من جهته، يؤكد عبد القادر النفزي (31 عاما) أحد الشبان القاطنين بحي التضامن، بأنه جرب كل شيء وقدم الكثير من مطالب الشغل ولم يحصل إلى اليوم على رد. ترك عبد القادر مقاعد الدراسة في الخامسة عشر وعمل لسنوات طويلة في أعمال مختلفة لكن وبعد الثورة، "قلت" فرص العمل وازدادت الحياة "تعقيدا"، يقول عبد القادر مضيفا لـDW عربية: "المخاطرة أفضل من أن تبقى سجينا هنا طول العمر".
"فتك" السياسيون بالثورة
وبحسب أرقام حكومية صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في 2013 تبلغ نسبة البطالة 16 بالمائة على المستوى الوطني، وذلك بوجود تفاوتات كبيرة بين الجهات، قد تصل إلى 40 بالمائة في محافظات الشمال الغربي والجنوب التي انطلقت منها شرارة الثورة ضد النظام السابق. أما حي التضامن بالعاصمة تونس، فهو الآخر تسوده البطالة والفقر مع غياب بنية تحتية سليمة. وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الإطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي تبدو مشاعر النقمة متزايدة في أرجاءه، مع عزوف غالبية الشباب عن السياسية رغم أنهم كانوا وقود ثورة 2011.
وأوضح عبد القادر "كثيرون هنا عانوا الفقر والجوع وعرضوا أنفسهم إلى الرصاص أيام الثورة. لكن ماذا حصل بعد ذلك؟ السياسيون فتكوا بالثورة ولهثوا وراء الكراسي". ومع أن مشاعر الغضب تسيطر على أغلب سكان حي التضامن فإن عبد القادر وغيره لا يتوقعون اندلاع ثورة جديدة، بينما يدعو بعضهم إلى عصيان مدني سلمي للضغط على الحكومة لتحسين أوضاعهم.
انعدام الثقة
من جهته، يوضح المحلل السياسي الجمعي القاسمي لـDW عربية أن "فئة الشباب كانت ولا تزال الأكثر تهميشا في تونس، ولا يلوح في الأفق ما يؤشر على أن هذا التهميش سينتهي أو على الأقل سيتراجع خلال مرحلة ما بعد الانتخابات". ويعتقد المحلل السياسي أن السياسيين لا زالوا "ينظرون ويتعاملون مع هذه الفئة على أنها مجرد خزان انتخابي ينتهي الاهتمام به بمجرد انتهاء عمليات الاقتراع". واللامبالاة التي يبديها الشباب بسير الحملات الانتخابية، خير دليل على انعدام الثقة ليس فقط في السياسيين وإنما في العملية الانتخابية بأسرها". ويتابع قائلا "أخطأت الأحزاب السياسية ومازالت تخطئ في تعاملها مع هذه الفئة من خلال تغييبها عن مراكز صنع القرار، وتمكينها من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، ما عمق الإحباط والخيبة في صفوفها".