شارون يلجأ الى تأجيل الانسحاب والمستوطنون يعدّون انفسهم للمواجهة
يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون الأب الروحي لمشروع الاستيطان الذي بدأه حزب "العمل" بعد حرب الايام الستة في عام 1976 وما نتج عنها من احتلال إسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما أكده بيان مجلس المستوطنات الصادر في مطلع فبراير/ شباط 2003، الذي أشاد بدور شارون في تعزيز الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولكن اضطرار شارون للقبول بخارطة الطريق الدولية التي تتضمن وقف النشاط الاستيطاني، والتصديق عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية في مايو/ أيار 2003، أدى إلى قطيعة أو فراق يمكن وصفه بالمرحلي بينه و بين "أطفاله المتمردين" من المستوطنين نتيجة لإصرار الغلاة منهم على التمسك بمواقفهم النابعة من انتمائهم الإيديولوجي الرافض لأي تخلي عن أي جزء من أرض "إسرائيل الكبرى"، حتى لو اضطر الأمر إلى إلحاق الضرر بالدولة العبرية وعزلتها دولياً. وتمثلت نقطة الخلاف الأساسية بينهما في إصرار شارون على تنفيذ "خطة الانفصال" وما تتضمنها من انسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة في الصيف المقبل، وقبوله إخلاء عدد من النقاط الاستيطانية المركزية في الضفة الغربية، الأمر الذي اعتبره هؤلاء خطيئة لا تُغتفر كونها تمس بروح وكينونة الأيديولوجية الصهيونية.
تأجيل الانسحاب لأسباب "دينية"
على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون رفض حتى الآن كل الدعوات المطالبة بتأجيل الانسحاب من قطاع غزة إلا أنه عقد العزم على تأجيل الانسحاب مبدئيا لمدة ثلاثة أسابيع، وسوف يسعى اليوم إلى لحصول على موافقة اللجنة الوزارية المسئولة عن تنفيذ خطة الانسحاب على ذلك. ويعيد مساعدو شارون قرار تأجيل البدء في إجلاء المستوطنات المقرر أن يبدأ يوم 20 يوليو /تموز المقبل إلى رغبتهم في تجنب الحساسيات الدينية الناتجة عن تزامن السابع عشر من يوليو/ تموز المقبل مع مناسبة دينية يهودية تعرف بـ"أسابيع الحداد الثلاثة" على خراب الهيكل وفقاً للتقويم العبري. ونظراً لهذه "المصادفة" تريد الهيئة المسؤولة عن تنفيذ خطة الانسحاب تجنب إعطاء عملية الانسحاب "بعداً عاطفياً وعقائدياً يزيدها تعقيداً" على حد قولها، وهذا من شأنه إثارة غضب المستوطنين وزيادة التوتر والغليان في الجبهة الإسرائيلية الداخلية. لكن مصادر سياسية تعتقد أن الحكومة الإسرائيلية تريد كسب المزيد من الوقت للتحضير للانسحاب ولتدريب قوات خاصة قادرة على مواجهة المقاومة العنيفة المحتملة من جانب المستوطنين اليمينيين المتشددين.
مخاوف من مواجهات دموية
وعلى النقيض من رؤية المسئولين الإسرائيليين يخشى الكثير من المراقبين من أن عملية تأجيل خطة الانسحاب قد تعطي مجموعات المستوطنين المتطرفة والمعارضة له أيضاً مزيداً من الوقت لتنظيم طرق وأساليب مقاومتها. وتأتي هذه المخاوف بعد رفض المحكمة الإسرائيلية العليا كل محاولات الطعن التي قام بها ممثلو المستوطنين لوقف خطة الانسحاب. ومما يزيد من حدة هذه المخاوف هو اتجاه قادة اليمين المتطرف ونشطاء المستوطنين المسلحين إلى الاختفاء عن الأنظار والعمل بصورة سرية، وهو ما يشكل دليلاً واضحاً على التوتر القابل للانفجار، خاصة وأن هؤلاء المتطرفين لا يعرفون حدود عقلانية لتطرفهم. وخير دليل على هذا الديناميت الذي يخفيه تطرفهم هي رسائل التهديد التي أرسلوها لعدد من الزعماء التقليديين للمستوطنين، والتي وُقعت باسم "كتائب المقاومين" حيث حذروهم فيها من التعاون مع الحكومة، وكتبوا فيها: "إن كل من يتعاون مع الحكومة من اجل تنفيذ خطة الإخلاء ستكون عقوبته رصاصة بالرأس ...".
وعلاوة على ذلك نقلت الصحف الإسرائيلية في الأيام الأخيرة عن مستوطنين قولهم أن هناك "جو من الإرهاب" تمارسه مجموعات من شباب المستوطنين تجاه كل من يتحدث عن الانسحاب، وان عدداً من المستوطنات في الضفة تحولت إلى قواعد سرية للتدريب على كل أنواع القتال والأسلحة تحضيرا لما يطلق عليه المستوطنون "يوم الدين"، وهو يوم إخلاء المستوطنات.
مخاوف من المقايضة الشارونية
وبعد الإعلان عن الخطط الإسرائيلية الرامية لبناء 50 منزلا جديدًا في مستوطنة داخل الضفة الغربية تمتد مسافة خمسة كيلومترات تقريبًا، سارع البيت الأبيض إلى توجيه انتقاد مباشر لإسرائيل بلهجة غير معتادة. ويأتي هذا التطور بعد أسبوع من مطالبة الرئيس الأميركي جورج بوش شارون وقف توسيع المستوطنات. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض مكليلان:"جدد رئيس الوزراء شارون التزامه بخارطة الطريق الأسبوع الماضي في كروفورد، والتزامه برؤية الرئيس (الأميركي) بشان إقامة دولتين". وعلى الرغم من ترحيب القيادة الفلسطينية بالانتقاد العنيف الذي وجهه البيت الأبيض لإسرائيل إلا أن مخاوفها من نية شارون مقايضة التخلي عن مستوطنات قطاع غزة مقابل بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية من أجل خلق حقائق ديمغرافية على أرض الواقع تبقي مبررة، لا سيما في ظل غياب مؤشرات على أن الإدارة الأمريكية تعتزم ممارسة ضغط عملي على إسرائيل لإجبارها على وقف مشاريع الاستيطان.