سياسة السويد المتشددة بملف الهجرة ورئاستها للاتحاد الأوروبي
٢٤ ديسمبر ٢٠٢٢في 3 كانون الأول / ديسمبر الجاري، أعادت الحكومة السويدية رجلاً كردياً يُدعى محمود تات إلى تركيا. حسب "إذاعة فرنسا الدولية" RFI، تم طرده رغم أنه كان يعيش في السويد منذ عام 2015.
وحسب الإذاعة، تلقى محمود إنذاراً بضرورة مغادرة السويد منذ عام، بعدما رفض طلبه للحصول على اللجوء. وتقدم محمود بالطلب منذ سبع سنوات، بعد أن أدانته محكمة تركية بالسجن ستة أشهر، وبعدما تم اتهامه بأن له علاقة بحزب العمال الكردستاني المصنف على أنه منظمة إرهابية في تركيا، وهو ما ينكره محمود إلى اليوم.
في السويد أسس محمود حياة جديدة، كان يعمل بجد وأعاد بناء حياته من الصفر، لكن في 22 نوفمبر / تشرين الثاني، ألقي القبض عليه أثناء تفتيش روتيني في الشارع.
بعد أيام، تم إرسال محمود على متن طائرة متجهة إلى اسطنبول مع مواطن تركي آخر. في إطار ما يصطلح عليه الطرد الإداري وليس تسليم المجرمين. ونقلت "إذاعة فرنسا الدولية" نقلاً عن وسائل إعلام مقربة من الحكومة، أنه تم تقديمه للمحاكمة وإيداعه السجن فوز وصوله.
تزايد نفوذ "ديمقراطيو السويد"
وعدت الحكومة السويدية الجديدة برئاسة أولف كريسترسون أنها ستتخذ مواقف أكثر صرامة بشأن الهجرة، واعتبر البعض أن محمود كان أول ضحايا هذا الاتجاه الجديد.
يتكون الائتلاف الحاكم فعلياً من حزب المعتدلين والحزب الديمقراطي المسيحي والليبراليين، ومع ذلك، يحتاج التحالف إلى أصوات من حزب "ديموقراطيو السويد"، المنتمي لأقصى اليمين، من أجل تمرير التشريعات في البرلمان. لذلك، من المرجح أن تقدم الحكومة تنازلات بشأن موضوع الهجرة، وهي إحدى نقاط السياسة الرئيسية لأقصى اليمين.
في العقد الماضي، شهدت السويد أحد أعلى معدلات الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي. سياسة الحكومة الجديدة تحتوي على العديد من بنود هذه السياسات الحمائية التي دعا إليها "ديمقراطيو السويد" في مجال القانون والهجرة. وفقاً لـ"موقع الاشتراكي العالمي" (WSWS)، فإن "ديمقراطيو السويد ضمنوا أن يكون لحزبهم ممثلين في جميع الإدارات الحكومية للإشراف على عمل الحكومة الجديدة".
وحسب الموقع ذاته، قد تتضمن بعض السياسات المعلنة للحكومة الجديدة فيما يتعلق بالهجرة "إنشاء مناطق للمهاجرين، حيث يمكن للشرطة أن تخضعهم للتفتيش بشكل عشوائي دون سبب أو مبرر". كما تدرس الحكومة الجديدة أيضاً موضوع إنشاء "مناطق عبور" خاصة، حيث يمكن احتجاز المهاجرين الذين يتقدمون بطلب اللجوء.
تغييرات كبيرة في ملف الهجرة
ولكن قد يكون هناك أيضاً العديد من التغييرات في السويد تشمل الحاصلين على حق اللجوء والحماية. فقد اقترحت الحكومة الجديدة بدعم من "ديمقراطيو السويد" إلغاء فكرة منح اللجوء الدائم للاجئين. وحسب موقع WSWS، ستقوم الحكومة بحملة من أجل "تخفيض أكثر من أربعة أخماس عدد اللاجئين المسموح به كل عام". كما تعتزم الحكومة مضاعفة الحد الأدنى للدخل المطلوب للهجرة من أجل العمل بمقدار ثلاثة أضعاف، مما سيؤدي إلى استبعاد عدد كبير من العمال الفقراء من القدرة على الهجرة إلى السويد".
كما أنه قد يُطلب من أي شخص يتقدم للحصول على الإقامة السويدية تقديم عينة DNA لسجل الحمض النووي للأجانب. وسيكون مهدداً بالترحيل، كل الذين لا يحملون الجنسية السويدية ويشتبه في أنهم أعضاء في عصابة ما، حتى قبل إدانتهم بارتكاب الجريمة في المحكمة، وفقاً للتقرير ذاته.
تفكر الحكومة في إمكانية مضاعفة المدة المطلوبة للتقدم للحصول على الجنسية السويدية. لا ترغب الحكومة فقط في تمديدها إلى ثماني سنوات، ولكنها تعتزم فرض مؤهلات لغوية ومعرفة ثقافية أكثر صرامة لشروط التجنيس، بما في ذلك قسم الولاء للدولة السويدية.
ما علاقة السياسة الخارجية؟
تسليم مهاجر مثل محمود إلى تركيا في هذه الفترة، له هدف بعيد عن القضايا المحلية، بل يرتبط إلى حد كبير بالسياسة الخارجية، حسب ما ترى "إذاعة فرنسا الدولية". هذه الخطوة يمكن أن تمنح السويد "نقاطاً" إيجابية عند الحكومة التركية فيما يتعلق بطلب السويد عضوية حلف الناتو، وهو قرار يعتمد على موافقة جميع الأعضاء في الحلف بما في ذلك تركيا.
تركيا، التي تتعاون بشكل كبير مع روسيا في سوريا، عارضت حتى الآن طلبي السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في بداية العام.
حسب تقرير RFI فإن محمود كان "هدفاً سهلاً" في اللعبة لأنه لم يكن لاجئاً معترفاً به ولا مواطناً سويدياً. وبعد تسليمه إنذار المغادرة، لم يعد في حوزته أي شيء للدفاع عن نفسه.
التعذيب في السجون التركية
تقول الجالية الكردية في السويد إن طرد محمود تات إلى اسطنبول يبعث بإشارة سلبية. الجالية غاضبة لأن "السويد توقفت عن التعامل مع محنة الكرد على محمل الجد أثناء طلب شخص منهم اللجوء". ويشدد الأكراد في السويد على أن الشعب الكردي يتعرض للقمع الشديد في تركيا، وغالباً ما يواجه التعذيب في السجن.
هناك ثماني دول فقط تعتبرها السلطات السويدية "آمنة"، وتركيا ليست واحدة منها. هذا يعني أنه إذا كنت تنحدر من ألبانيا والبوسنة والهرسك وتشيلي وجورجيا وكوسوفو ومنغوليا ومقدونيا الشمالية وصربيا، فستفترض السلطات السويدية أنك محمي في بلدك، غير ذلك ينبغي تقييم أي مهاجر على أساس حالته الخاصة.
أوكسفام: السويد تعاني من مستوى مرتفع من عدم المساواة
مهما كان السبب الحقيقي لطرد محمود تات، فإن المواقف في السويد تجاه الهجرة قد تغيرت بما يتماشى مع التركيبة السكانية المتغيرة. وفقًا لموقع WSWS "فإن "حوالي ربع المقيمين السويديون ولدوا في الخارج"، وقد أدى ذلك في بعض المناطق إلى إلقاء اللوم على المهاجرين بسبب مشاكل المجتمع. لكن بقليل من التدقيق، يتضح أن الخصخصة في المجتمع السويدي هي ما أدى إلى اتساع الفجوة في مستويات المعيشة بين الأغنياء والفقراء.
كما أن الفقر بين المهاجرين الوافدين حديثاً، يخلق بعض المشكلات الاجتماعية التي غالباً ما يتم تصنيفها على أنها "عنف العصابات". الأحزاب اليمينية تستخدم هذا المعطى لمحاولة تبرير سياسات الهجرة الأكثر صرامة. في المدن التي يعيش فيها العديد من المهاجرين مثل ستوكهولم ومالمو، فإن معدلات البطالة والفقر "أعلى بكثير من المتوسط السويدي".
منظمة أوكسفام الخيرية تؤكد هذه الملاحظات في تقرير حديث عن عدم المساواة. إذ قالت الأمينة العامة لمنظمة أوكسفام، سوزان ستاندفاست، أن "السويد هي واحدة من أكثر دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي زاد التفاوت الاقتصادي فيها في العقود الأخيرة".
السويد رئيسة للاتحاد الأوروبي
بالنظر إلى أنه من المقرر أن تتولى السويد الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في 1 يناير، يبقى أن نرى ما إذا كان موقفها الحالي من الهجرة قد يؤثر على سياسة الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.
وحسب مجلة Politico، قد تحاول الحكومة السويدية الجديدة التأثير على القوانين في الاتحاد الأوروبي. قال جيمي أكيسون، زعيم "ديمقراطيو السويد"، خلال جلسة برلمانية في وقت سابق من هذا الشهر إنه "يأمل في الابتعاد عن الفكرة شبه المجنونة، أي تدخل الاتحاد الأوروبي في السياسات الداخلية للدول الأعضاء".
في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، كتبت زعيمة الاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، إيراتكسي غارسيا بيريز، بعد رحلة إلى ستوكهولم، تغريدة على موقع تويتر أعربت من خلالها عن "قلقها بشأن التأثير السلبي لأقصى اليمين السويدي على الحكومة السويدية، وكذلك على رئاسة السويد للاتحاد الأوروبي".
ومن المقرر أن تناقش بروكسل ميثاق الهجرة واللجوء الذي طال انتظاره في الأشهر الستة المقبلة، على أمل التوقيع عليه وختمه وتسليمه خلال عام 2023 أو أوائل عام 2024. مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي إيلفا يوهانسون، وهي سويدية الأصل، قالت في تصريحات لمجلة Politico إن لديها "توقعات كبيرة من الحكومة السويدية".