سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان يخضع لمراجعة دولية وسط انتقادات غربية
١٤ فبراير ٢٠٠٩بدأت الأمم المتحدة قبل يوم الاثنين الماضي (2 من فبراير/شباط) الدورة الرابعة للمراجعة الدورية الشاملة في جنيف والتي تنظر في وضع ست عشرة دولة على مدى أسبوعين، حيث تبحث سجلاّتها في مجال حقوق الإنسان وتسجل انتقاداتها. فبعد أن خضعت ألمانيا وروسيا والصّين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف لمراجعة عامة لسياساتها في مجال حقوق الإنسان، أتى دور مراجعة سجل المملكة السعودية في هذا المجال. وتأتي هذه الخطوة بعد أن تزايدت الانتقادات الدولية للسعودية بسبب وضع المرأة فيها، التي يصفها مراقبون بأنها تعامل على أنّها مواطن من الدرجة الثانية.
كما أن السعودية مازالت تطبق عقوبة الإعدام، كما عرف عنها أن هذه العقوبة تشمل القاصرين أيضا، إضافة إلى تطبيقها للعقوبات الجسدية وغيرها من المُمارسات التي تعتبرها الأمم المتحدة انتهاكا لحقوق الإنسان.
"الشريعة الإسلامية فوق حقوق الإنسان"
وعلى الرغم من ذلك فقد فشلت كل المراجعات الدولية لسياسات حقوق الإنسان حتى الآن من إثبات انتهاكات لحقوق الإنسان في السعودية. وعلى عكس ذلك فقد تمكّنت المملكة أيضا الحصول على أغلبية أصوات الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة لانتخابها عضوا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وفي مطلع الأسبوع الحالي شملت آلية مراجعة سياسات حقوق الإنسان السعودية استعراض وضع حقوق الإنسان فيها.
ويُشار في هذا السياق إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي أنشئ في عام 2006، وضع آلية يتم بمقتضاها مراجعة سياسات حقوق الإنسان لكل دولة من الدول الأعضاء مرة كل أربعة أعوام. كما تنصّ هذه الآلية على أنه، وبعد تقديم الدولة المعنية تقريرها، يتعين على كل الدول الأعضاء (47 دولة) والدّول المشاركة بصفة مراقب التعليق على التقرير.
ومن جهته، أعرب تيودور راتغيبر من "منتدى حقوق الإنسان"، الذي يشكل رابطة المنظمات غير الحكومية للدفاع عن حقوق الإنسان، عن اعتراضه لعضوية السعودية داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدّة مشيرا إلى وجود تناقض كبير، ومشدّدا على أنه لا مكان السعودية داخل المجلس.
ولفت تيودور راتغيبر إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرّت بأن أعضاء مجلس حقوق الإنسان يجب أن يكونوا من الدول، التي تتبع سياسات تحترم حقوق الإنسان بحسب المعايير الدولية المُتعارف عليها. وأكّد راتغيبر في الوقت نفسه على أن ذلك يعني أنه "ليس من حق أي دولة انتهاك حقوق الإنسان بحجّة الدفاع عن الأمن والسلام في البلاد". وأضاف الحقوقي الألماني أن "السعودية ترى الأمن في خطر، عندما يتم انتقاد الشريعة الإسلامية وما استلهم منها من حقوق محدودة للمرأة". وقد أكد السعوديون هذا الأمر خلال مراجعة سياسات حقوق الإنسان، التي خضعت لها السعودية. فقد شدّد المندوبون السعوديون أمام مجلس حقوق الإنسان على أن حقوق الإنسان تحتل مرتبة ثانوية بعد الشريعة الإسلامية.
ممارسات فردية؟
وفي هذا الإطار صرّح زيد الحسين، نائب رئيس جمعية حقوق الإنسان السّعودية، أن بلاده تتبعه تعاليم القرآن بحذافيرها وبالتالي فإنه ليست هناك مشاكل تتعلّق بحقوق الإنسان، مؤكّدا على أن الانتهاكات الموجودة لحقوق الإنسان إنّما ناجمة عن "ممارسات فردية" في المملكة. ولم يكن في جنيف أي صوت سعودي لمعارضة هذا التصريح، ذلك أنه تم تسجيل غياب ممثلين عن منظمات حقوقية سعودية غير حكومية خلال مراجعة سياسات حقوق الإنسان المتبعة في السعودية.
وعدّدت المفوضية العليا التابعة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الدولية غير الحكومية انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، حيث أشارت المفوضية إلى ارتفاع عدد عقوبات الإعدام وإلى ممارسات التمييز التي تعاني منها المرأة في السعودية وإلى انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة. كما أعربت المفوضية العليا عن قلقها حول ممارسات التعذيب وسوء المعاملة في العديد من الحالات بالإضافة إلى وجود إجراءات تعسفية في إلقاء القبض على مشتبه بهم وسجنهم من دون تقديمهم لمحاكمة قضائية. وتعتبر قائمة انتهاكات حقوق الإنسان طويلة، كما تعد هذه الانتهاكات شديدة لحقوق الإنسان مقارنة بالدول الأخرى.
تقديم النصح لتحسين سياسات حقوق الإنسان
وتم اختيار ألمانيا، إلى جانب دولتين عضوين داخل مجلس حقوق الإنسان، عن طريق القرعة لمراجعة التقرير حول وضع حقوق الإنسان في السعودية والتثبت من توازنه وعدالته. ويقول ميشائيل كليبش عن الممثلية الألمانية لدى الأمم المتحدة في جنيف إن مراجعة سياسات حقوق الإنسان في السعودية تمتّت في أجواء هادئة، كما كانت هناك "تعليقات ودّية مشجّعة وأسئلة ونصائح"، خاصّة من الدول المجاورة للسعودية.
وأضاف كليبش أن الأسئلة ذات الطابع الانتقادي كانت قد طرحت خاصة من الدول الغربية. وأكّد كليبش على أن "الهدف من المراجعة لا يكمن في إدانة أحد ما، وإنّما في طرح أسئلة وتقديم نصائح، على أمل أن يتبنى البلد، الذي يخضع للمراجعة، نصيحة ما من بين النصائح التي تم تقديمها".
يشار في هذا السياق إلى أن الأمم المتحدة تسعى من خلال هذه المراجعة إلى إنشاء حوار مبني على التواصل، بيد أن تيودور راتغيبر من "منتدى حقوق الإنسان" يرى أنه لم يكن هناك أي تواصل حواري خلال المراجعة التي خضعت لها السعودية. ولفت راتغيبر إلى أن هذه المراجعة كانت "روتينية" وتطغى عليها نزعة "تزويق الحقائق"، مشيرا إلى أن طريقة تقديم النصائح وطرح الأسئلة تركت للمندوب السعودي مجالا كبيرا للتأويل.
وقال تيودور راتغيبر إنه تم فقط "الدعوة إلى تعليق مؤقت لعقوبة الإعدام"، وأضاف أنه تمت "مطالبة السعودية عن الفترة الزمنية التي تعتزم فيها تعليق عقوبة الإعدام بصفة مؤقتة"، مؤكّدا على هذه المطالب "مثّلت استثناء كبيرا" خلال المراجعة.