زيغفريد لينس: الكاتب المُعبر عن معاناة الإنسان
٢ مارس ٢٠٠٦يعد زيغفريد لينس، الذي سيبلغ في السابع عشر من شهر آذار/مارس القادم الثمانين من العمر، أحد الأدباء المشهورين في الحياة الثقافية الألمانية. وبالتأكيد فان للاحتفاء بلينس أسبابه. فقد كتب قبل سنوات طويلة: "في عالمنا يصبح الكاتب هو الآخر عارفاً بحقائق الأمور-عارفاً بالظلم والجوع والمطاردة والأحلام الخطرة (...) يبدو لي ان عمله لا يمكن ان يستحق القبول إلا عندما يعلن عن معرفته تلك، وعندما يتخطى الصمت الذي يُدان به الآخرون.."
ولد لينس في مدينة لوك عام 1926 واضطر عام 1939 إلى الالتحاق بشبيبة هتلر، لأنه لم يكن قد أتم دراسته بعد في ذلك الحين. عاد لينس فيما بعد الى مقاعد الدراسة ليحصل على الشهادة الثانوية في عام 1943. ولكنه سرعان ما تركها مجدداً للالتحاق بسلاح البحرية في الوقت الذي كانت فيه الحرب العالمية الثانية على أشدها. قبيل نهاية الحرب استطاع لينس الهرب من الخدمة العسكرية حاله في ذلك حال الكثير من رفاقه، بعد توالي الهزائم العسكرية الألمانية وانتشار الفوضى بين صفوف القوات المحاربة. لكن هربه هذا لم يكلل بالنجاح إذ سرعان ما وقع أسيرا في يد القوات البريطانية. وبعد ان أطلق سراحه، عاد للالتحاق بجامعة هامبورغ ودرس الفلسفة والأدب الإنكليزي وتاريخ الأدب. إلا انه سرعان ما فقد رغبته في الدراسة، فتركها عام 1950 واتجه للعمل في صحيفة "دي فيلت" اليومية الألمانية. أصبح بعدها كاتباً متفرغاً وكتب روايته الأولى "كانت هنالك صقور في الهواء". التحق بـ"جماعة الـ47" الأدبية التي كان من أعضائها هاينرش بول وغونتر غراس وباول سيلان وانغبورغ باخمان. دعم مع غونتر غراس سياسة المستشار الألماني السابق فيلي برانت (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، الذي تولى منصب المستشارية للفترة من 1969 حتى 1974، في إقامة علاقات مع الكتلة الشرقية. فتمت دعوتهما إلى وارسو عند التوقيع على المعاهدة الألمانية البولونية.
بقايا الإنسانية المعذبة
توالت بعدها أعماله الأدبية فأصدر عام 1955 مجموعته القصصية " كانت زوليكين رقيقة جداً". تم منحه جائزة الأدب لمدينة بريمن عام 1961. تتناول أعمال لينس الإنسان الذي يدافع عن بقايا انسانيته في ذاته في زمن أضحت تموت فيه هذه الإنسانية كل يوم. أبطال أعماله أناس وحيدون ينبضون بالتفاؤل رغم غرقهم في سوداويتهم. الامر الذي جعل من أحداث أعماله العابقة بالحزن والسوداوية تتطور لتطرح دائماً السؤال عن مخرج فيه عزاء لمن فقد إنسانيته. من أهم أعماله رواية "درس في اللغة الألمانية" التي يتناول فيها فترة ما بعد الحرب ومعادلة الذنب والواجب في فترة الحكم النازي، حيث ينتقد القول الذي يتكرر دائماً "لقد فعل واجبه". يقسم لينس روايته تلك من الناحية الشكلية الى مستويين زمنيين مختلفين. المستوى الأول يتناول الزمن الحاضر للأحداث التي يرويها زيغي يبسن، والثاني يجري في الزمن الماضي ويسترجع فيه زيغي قصته من خلال مقال يكتبه حولها. تم إخراج بعض أعماله الروائية على شكل أفلام وتمثيليات إذاعية.
توازن نابع عن الرضا
حصل لينس عام 1970 على جائزة غيرهارد-هاوبتمان الأدبية عن مسرحيته "وقت الأبرياء" التي تم إخراجها هي الأخرى على شكل فيلم. يحاول لينس في أعماله الى إيجاد نوع من التوازن النابع عن الرضا، فهو لم يخفي أبدا تأييده وحبه للحياة ولم يخجل من عاطفته ومن لطف الإنسان الذي في داخله. الأمر الذي يمكن للقارئ الشعور به في أي عمل من أعماله الروائية والمسرحية وحتى في مقالاته. لكن هذا الأمر يبدو جلياً للعيان في قصصه القصيرة وهي الجنس الفني الأحب إلى قلبه. يرى الناقد الألماني مارسيل-رايش رانيسكي ان قصصه القصيرة جعلت منه قاصاً بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. ولكن مما لاشك فيه فأن لينس لم يكن عارفاً ومرتبطاً بموروث فن الأقصوصة الألمانية فحسب، بل وبموروث القصة القصيرة التي ترجع في نشأتها الى الأدب الإنكليزي والأمريكي. ويضيف رانيسكي "ان لينس تعلم من أعلام أدب القرنين الـتاسع عشر والعشرين، ولكنه لم يقلدهم أو ينسخ عنهم." من الجوائز الأخرى التي حاز عليها لينس جائزة غوته لمدينة فرانكفورت عام 1999 وجائزة فاليلهايمر عام 2001 وتم تكريمه من رئيس حكومة ولاية بافاريا عام 2001.
أعمال أدبية مترجمة إلى العربية
قام لينس بكتابة العديد من الأعمال الأدبية المشهورة لعل أهمها: "مبارزة في الظلام" (رواية 1953)، و"أجمل أعياد العالم" (قصة 1956)، و"صائد السخرية- قصص من هذا الزمان" (رواية 1958) و "خبز وألعاب" (رواية 1959)، و"أصوات البحر" (قصص 1962). كما تم ترجمة العديد من أعمال لينس إلى اللغة العربية في بعض البلدان العربية. فترجم له مصطفى ماهر قصة "العقوبة" في كتابه ألوان من الأدب الألماني، دار صادر بيروت 1974. كما ترجمت له المترجمة العراقية إقبال أيوب قصة "سباق المتباينات" عام 1984. وترجم له مصطفى ماهر مسرحية "وقت الأبرياء" الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1987. وترجم له المترجم العراقي زياد طارق العاني قصة "ليلة في فندق" في مجموعته التي تحمل نفس الاسم والصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1995.