رشا حلوة: قضية وردة..كرة القدم ليست أهم من النساء وأجسادهن
٤ يوليو ٢٠١٩من القضايا التي أثيرت مؤخرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هي قضية لاعب منتخب كرة القدم المصري، عمرو وردة، وما نُسب له من قضايا تحرّش جنسي. على خلفية ذلك، قرر الاتحاد المصري لكرة القدم استبعاده من منتخب مصر خلال كأس أمم أفريقيا 2019، خطوة، أعجبت البعض وأثارت سخط آخرين.
الردود التي رحبت بقرار الاستبعاد، هي التي تؤمن بضرورة أن يحصل المتحرّش أو المعتدي الجنسي على عقاب، في ظل واقع يهرب الكثير من المتحرشين جنسيًا من عقابهم، سواء على المستوى الاجتماعي أو القانوني. أما الردود التي أغضبها القرار، فبعضها يرى بأن الفريق المصري لكرة القدم سوف يتضرر من إبعاد عمرو وردة، وهو إدعاء يوازي عقليات عديدة ترى بأن هنالك دومًا "مصلحة تفوق مصلحة النساء في المجتمع"، وهذا سأتوسع فيه لاحقًا أيضًا.
لكن بداية، من المهم الإشارة إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي (السوشايل ميديا)، في فضح المتحرّشين جنسيًا، سواء في العالم العربي أو العالم عمومًا. يأتي هذا الدور امتدادًا أيضًا لحركة metoo#، وما عادت هذه الحملة المستمرة به من فائدة على النساء في العالم، ومنهن العربيات، والتي فتحت بشكل أو بآخر، الأبواب للكثير منهن لكسر صمتهن حول ما تعرضن له من تحرّش، وللحديث عن تجاربهن القاسية حتى لو حصلت قبل سنوات عديدة (وللمرأة الحق الكامل في أن تختار التوقيت الذي ترغب فيه الحديث عما تعرّضت له).
كما أن الحديث العلني، عبر صفحات خاصة في فيسبوك أو تويتر، ومشاركة ما تعرّضن له من تحرّش، هو أيضًا الشعور الجمعي الذي تمنحه هذه الإعلانات القاسية للنساء بأنهن لسن لوحدهن في هذا العالم، وأن النساء، أينما كن، يتعرّضن يوميًا لتحرّش جنسي، سواء نفسي أو جسدي، لمرة واحدة أو باستمرار، بداية من البيت، هذا الذي من المفترض أن يكون أمانًا، امتدادًا إلى الفضاءات العامّة، المتجسّدة في الشوارع والأسواق، وكذلك في أماكن العمل، وحتى في فضاءات السوشايل ميديا، التي لا تخلو أيضًا من استخدامها للتحرّش الجنسي.
وعودة إلى الجدل الحاصل حول عمرو وردة، واستبعاده عن منتخب مصر لكرة القدم، مع العلم أن في قرار الاستبعاد، لم يُذكر فيه أي كلمة عن قضايا التحرّش الجنسي. فكان قد صرّح رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم، هاني أبو ريدة، "أن قرار استبعاد اللاعب عمرو وردة جاء في إطار الحفاظ على الانضباط والالتزام والتركيز في صفوف المنتخب المصري". فيأتي السؤال، ما هو المقصود بالحفاظ على الانضباط والالتزام والتركيز؟ وإن لم يحصل أي تحقيق حتى الآن،على الأقل، كان بالإمكان أن يُصرّح بأن اللاعب مُستبعد على خلفية التحقيق، لكن من جديد، فإن مصلحة كل شيء، خاصّة ما يُسمى "بالمصلحة الوطنية"، والتي تتجسّد في هذه القضية في كرة القدم، تفوق النساء، ألمهن، أجسادهن وأرواحهن.
هذه القضية، تذكرني وتُذكر الكثير من النساء والرجال من حولي، الذين يرون في قضايا المرأة أولوية في أي سياق سياسي، بجملة كررها ويكررها الكثيرين في أوقات أزمة ما، أو حتى في منافسة، ككرة القدم، بأن: "هنالك أشياء أهم"، حيث تأتي قضايا النساء دومًا في أسفل سلم أولويات هذه العقليات.
وفي قضية عمرو وردة، فمع استبعاده، أي استعباد لاعب، فإن احتمالات خسارة المنتخب المصري، أكبر، وفي مجتمعات أبوية، بالضرورة ستكون مصلحة منتخب كرة القدم، المتجسّدة بمشاركة لاعب فيها، تفوق مصلحة الضحايا من النساء. هذا الاستبعاد، حتى لو كان مؤقتًا اليوم، ولم تكن أسبابه الرسمية علنية ومذكورة، وفي حالة عمرو وردة تحديدًا، كلاعب كرة مشهور ويشكّل قدوة لدى الشباب المصري على وجه الخصوص والعربي عمومًا، هي أيضًا خطوة مسؤولة تجاه جيل الشباب هذا، في واقع نعيش فيه، للأسف ما زالت فئات عديدة في مجتمعاتنا (بمساعدة سلطات سياسية أيضًا)، تتهم الضحية التي تم التحرّش بها، الاعتداء عليها أو اغتصابها وتلومها، على أنها المسؤولة الأولى عما حصل لها من أذى، وتُبقي الجاني حرًا طليقًا، يواصل حياته باعتيادية، بل في أحيانٍ كثيرة، تصفق له على مهاراته!
مع كل قضية تحرّش جنسي، يعلو السؤال من جديد حول تعريف المتحرّش الجنسي، وتعريف ماهية التحرّش الجنسي. ومن جديد، هنالك أبحاث ودراسات علمية عديدة تضع المعايير الواضحة لمن هو المتحرّش الجنسي، وفي دول عديدة، هنالك تعريف واضح أيضًا لما هو التحرّش الجنسي. بالطبع، فان المرأة أو الضحية في هذا السياق، هي وحدها من تحدد ما هو التحرّش الجنسي، حتى ذلك الشعور الذي تشعر هي به فقط، الناتج عن وضع رجل ليده على كتفها، سواء كان قريب أو غريب.
ختامًا، وامتدادًا للنقطة الأخيرة أعلاه، فإن للمرأة الحق الكامل في أن تُعرّف ما تعرّضت له، لأن منطلقاتها مختلفة تمامًا عن منطلقات الرجل، في واقع نعيش فيه ويرتكز كثيرًا في حقول عديدة، على انتهاك جسد النساء، كأن أجسادنا بمثابة مساحة متاحة لذلك، فتُستخدم من أجل أهداف عديدة، منها مواصلة سيطرة السلطة الأبوية على المجتمعات. وبالتالي، فإن أهم ما فعلته منصات التواصل الاجتماعي اليوم إلى جانب مؤسسات حقوقية نسائية ونسوية عديدة، هو إعادة الاعتبار لأصواتنا، ولما يلائمنا ويلائم مساحاتنا الشخصية، على الرغم من أنه يبدو أن الطريق ما زال طويلًا.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.