رشا حلوة: حين يحقق فضاء الحرية رغبة النساء في الطلاق
٢٥ أبريل ٢٠١٩كأني مع مرور الوقت بدأت أسمع أكثر عن حالات طلاق بين الأزواج، وفي حديثي عن ما أسمع، أقصد من المحيط الذي أعرفه في العالم العربي. وبالعودة إلى ذاكرتي القديمة، ألمس أكثر مشاهد لأزواج مرّوا بمشاكل زوجية، وهي متنوعة، لكنهم، سواء هم بشكل مباشر أو المحيط القريب منهم المتجسّد بالعائلة أوّلًا، عملوا جاهدين للحفاظ على الزواج، وعدم الوصول إلى قرار الطلاق.
في حديثي أعلاه الذي يربط بين المشاكل الزوجية والطلاق، لا يعني أن حالات الطلاق جميعها سببها مشاكل زوجية، هناك حالات طلاق تنتج عن أسباب أخرى، منها عدم رضا أحد الطرفين في العلاقة الزوجية، وغيرها.
لكن في هذا المقال لن أناقش الطلاق وأسبابه، بل سأحكي عن الطلاق والنساء تحديدًا، في سياق مجتمعي "يقدّس" غالبًا المرأة المتزوجة، ويرسم لها طريقها منذ ولادتها كي تصل إلى ما يُسمى بـ "عش الزوجية"، ويعمل ما بوسعه على إبقائها في علاقتها الزوجية، حتى لو كانت تعاني كل يوم من هذه العلاقة وأشياء أخرى، وبأن دورها يكمن بـ "حماية" هذه العلاقة، كما العائلة والبيت، حتّى لو كانت غير سعيدة وتتذمر من ذلك. وإن أصبحت "امرأة مطلقة"، سواء باختيارها أو لا، عندها ستتحوّل، بنظر هذه العقليات، إلى متهمة.
ومن هنا، تشكّل منظومة الزواج المبنية على هذه المعايير، نوعًا من قمع المرأة، فكم من مرة سمعنا قصصًا عن نساء أردنَ الطلاق ولاقين الرد نفسه، بكلمات أخرى: "معليش يا بنتي.. تحمّلي عشان أولادك". وكم من النساء عشن ضحايا هذا "الحمل"، على حساب حيواتهن ونفسياتهن وأجسادهن؟
لكن هل يتغيّر هذا الواقع يومًا بعد يوم؟ وطبعًا أقصد يتغيّر بشكل بسيط، لكن حتى التغيير البسيط هو المهم، في واقع تعيش فيه عدد من النساء بلا قدرة على الاختيار، لأنهن سيقعن ضحايا تنميط وأحكام مسبقة ونظرات قاسية واتهامات دائمة لأنهن تحوّلت من متزوجات إلى مطلقات. وجميعنا نعرف، كيف تنظر العقليات الذكورية إلى المرأة المطلقة.
مؤخرًا، ازدادت القصص التي أسمعها لنساء، منهن صديقات، طلبنا الطلاق وحققنَ رغباتهن. بالطبع لهذه التغييرات عوامل عديدة ومختلفة بين مكان وآخر، وبين ظروف وأخرى. وبالتالي، لا من محاولة للتعميم على واقع النساء اللواتي أخترن الطلاق، بل هي محاولة لقراءة التغيير الذي يحدث، حتى لو على مستوى طفيف. هذا الازدياد بحالات الطلاق، هو بالضرورة مؤشر على أن نساء كثيرات "يضربن بعرض الحائط" كل الآليات التي تحاول قمع حرياتهن وقراراتهن، كما والأحكام التي تحاول تشويه صورتهن، سواء النساء اللواتي ما زلن يعشن في بلادهن، أو اللاتي لجأن إلى بلاد أخرى بحكم ظروف سياسية واجتماعية، وبالتأكيد إن الظروف التي تمرّ بها النساء في بلادهن مختلفة بشكل أو بآخر عن سياق الهجرة واللجوء، كما بين بلد وآخر.
بالعودة إلى الضغوطات الممارسة على المرأة، في حال أرادت الطلاق، فأكثرها صعوبة، هي مسألة الأطفال، وبالطبع هذا الواقع يختلف بين دولة وأخرى وفقًا للقوانين. لكن هذا "الكرت"، إن صحّ التعبير، هو أكثر الساحات صراعًا، إن أردنا أن نتعامل مع القضية بكلمات عقلانية. كما أن الصراع هذا، غير مرتبط بالقانون فقط، بل بالأسئلة التي يسألها الوالديْن، والنساء خاصة، حول تأثير خطوة الطلاق على الطفل/ة، النابعة من الاعتقاد بأن العائلة هي المكان الآمن للطفل.
حول هذا، وفي حديث مع صديقة اتخذت قرار الطلاق مؤخرًا، وهي أمّ أيضًا، قالت: "رغم كل شيء، فإن مرحلة ما بعد الطلاق هي صعبة، لكن مع كل صعوبتها، أشعر اليوم بأني أفضل مما كنت عليه في العلاقة الزوجية. هنالك صراعات عديدة نعيشها ما قبل قرار الطلاق النهائي، أهمها الأطفال، والفكرة السائدة هي أن الطلاق هي خطوة ضد الأطفال، لكن بالنسبة لي، كان الجزء الأساسي الذي حملني لقرار الطلاق، هي طفلتي، لم أكن أتخيّل أن تكبر وتراني شخصًا مكتئبًا وغير سعيد، وأن العلاقة بين والديْها باردة، كل ما فكرت بهذا الموضوع، شعرت بالتوتر، لأني لو قبلت بحالتي في الزواج، سأكون بدوري أعمل على تشكيل صورة لديها تجاه البيت والعائلة والنساء".
بالنسبة لصديقتي، ونساء أخريات سمعت حكاياتهن على مدار الفترة الماضية، فقد كررن إحساسهن بالتحرر بعد الطلاق، وهذا التحرر ليس بالضرورة أن يكون فقط من العلاقة الزوجية أو من الزوج نفسه، بل أيضًا من معايير عائلية ومجتمعية رافضة للطلاق، ومن أحكام تُفرض عليهن لأنهن اخترن الطلاق، حيث شعور التحرر هذا منبعه كونهن قد استعدن جهاز التحكم بحيواتهن إلى أياديهن. وفي كثير من الأحيان، جهاز التحكم الذاتي هذا مربوط بالاستقلالية، الاقتصادية من جهة، والاجتماعية من جهة أخرى، وهذه النقطة تحملنا للنساء اللواتي اخترن الطلاق بعد رحلتهن مع اللجوء.
في حديث مع الصحافية السورية المقيمة في برلين، ياسمين مرعي، عن علاقة الطلاق بواقع اللجوء، قالت: "أعتقد أن هنالك عامليْن أساسيْين، أولهما هو أن النساء تشعر بأنها تحررت من سلطة المجتمع الضيق، المتجسد بالعمّات والخالات والجارات، وخرجن من إطار كون المطلقة هي متهمة وهي ليست سوى مشروع جنسي متاح وعدو كل نساء العائلة. الثاني هي الظروف التي تعيشها النساء، منها التي تشجعهن على طلب الطلاق، خاصّة الاستقلالية الاقتصادية، وفي لجوئهن من سوريا إلى أي مكان آخر، فكان على جزء كبير منهن أن يعمل، وبالتالي الخوف من السؤال الاقتصادي، يختفي. وهذا كافي لتحقيق رغباتهن بالطلاق".
واصلت ياسمين حديثها بربط الواقع السياسي في العالم العربي مؤخرًا بما تعيشه النساء اليوم عامّة وبما يتعلّق بالنساء اللواتي قررن الطلاق خاصّة، وقالت: "لربما زادت روح المغامرة لدينا، وذلك في ظلّ الخسارات الجماعية في مصر وسوريا والعراق واليمن وكل بلادنا الشاهدة على الموت، وقد أثمر هذا شعور مفاده أني أعيش لمرة واحدة، حملنا هذا الشعور إلى التحرر من أثقال كثيرة. وبالتالي، فكرة البدايات الجديدة أصبحت متاحة أكثر عند النساء".
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.