رئيس الجزائر المقبل سيأتي عبر"صناع الملوك" أم الصندوق؟
١٥ أبريل ٢٠١٣يتوقع المراقبون للمشهد السياسي الجزائري بأن تشهد الأيام الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية سنة 2014، حراكا سياسيا واجتماعيا واسعا تتشكل من خلاله خارطة التموقعات السياسية بين الأطراف المؤثرة في التنافس على كرسي الرئاسة، وستشكل الغموض الذي يحيط بترشيحات الرئاسة في الانتخابات المقبلة محور التجاذب السياسي والشعبي لفترة ليست بالقليلة، وقد أخذت مظاهر هذا الصراع تبرز على جداريات الفيسبوك وصفحات الجرائد والمجلات.
يعارض عبد الرحمان (30 سنة)، الموظف بولاية الجزائر، إعادة ترشح بوتفليقة لعهدة أخرى، ويقول لـDW "لا أريد أن تسرق خمس سنوات أخرى من عمري وعمر بلدي، وبوتفليقة لم يعد يملك ما يقدمه للشعب الجزائري، فقد استنفذ كل شيء عنده، وللأسف لم نجن من عهداته الثلاثة والعصابة التي حوله، إلا نهب المال العام، واللصوصية على جميع المستويات". ويضيف سفيان (25 سنة)، طالب دراسات عليا، " اتمنى أن يكون بوتفليقة رحيما بنفسه وبالجزائريين، ويذهب إلى بيته، كما وعد في خطابه بسطيف، ويترك المجال لجيل الشباب لقيادة البلاد، واجتثاث الفساد المالي والسياسي والأخلاقي الذي عشش في عهداته".
ويقول سفيان لـDW "الجزائر تعيش حالة من الإفلاس السياسي"، ويعود السبب، حسب رأيه، إلى ضعف أداء رئيس الجمهورية في تأدية المهام المخولة له بسبب العجز الصحي، وإحاطة نفسه برجال فاسدين من أمثال شكيب خليل، وزير الطاقة السابق، الذي تجري تحقيقات قضائية حاليا بصدد الاشتباه في تورطه في قضايا فساد كبيرة في قطاع الطاقة.
إلا أن سعاد (42 سنة)، مدرِسة، فتعتبر ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة "ضرورة لا مناص منها"، فهو برأيها"وحده عماد الاستقرار والأمن الذي نعيشه"، وتضيف المدرسة سعاد لـDW " قبل انتخاب بوتفليقة سنة 1999، كنا نتخبط في مشاكل لا عد ولا حصر لها، وأولها الأمن، لذلك أعتقد أن بوتفليقة لم يكمل برنامجه، وهو بحاجة إلى عهدة أخرى للوفاء بتعهداته أمام الشعب في العزة والكرامة".
الجزائر خارج سرب الربيع العربي
ويجري تسريب أنباء من المحيط المقرب لبوتفليقة أنه عازم على تمديد إقامته بقصر الرئاسة لخمس سنوات أخرى، إلا في حالة حدوث طارئ قاهر، وأن فريق عمله جاهز لتحقيق هذا الهدف، لكنه ولترضية بعض خصومه فإنه سيستحدث منصب "نائب الرئيس" والتنازل عن بعض صلاحيات لصالح الحكومة والبرلمان، في التعديل الدستوري المقبل، المزمع القيام به قبل نهاية 2013.
وبخلاف دول الربيع العربي، ظلت الجزائر تشهد مخاضات سياسية على إيقاع خصوصياتها المحلية وتركة ثقيلة لسنوات العنف في التسعينيات من القرن الماضي. بل ان الحكم في الجزائر لم يخف معارضته لعمليات التغيير عبر الثروات التي أطاحت بأنظمة الحكم في الجارتين تونس وليبيا ودول عربية أخرى، ومقابل ذلك اعتمد الحكم على سياسة "شراء السلم الاجتماعي" عبر نهج توزيع لريع الدولة الغنية بموارد البترول والغاز.
وحتى الانتخابات التي شهدتها البلاد العام الماضي، لم تؤد إلى تغيير بل كرست هيمنة الحزبين الحاكمين، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي. ولا تبدو الانتخابات الرئاسية المقبلة ، لحد الآن على الأقل، خارج سياق المسار الذي تسير عليه البلاد. كما ان المعارضة بتياراتها المتعددة الاسلامية والليبرالية واليسارية، تفتقد إلى زمام المبادرة، في ظل هيمنة الأحزاب التقليدية والمؤسسة العسكرية على مقاليد الحكم.
المعارضة واللاءات الأربعة
وتجتهد المعارضة لاستباق الأحداث وقبل أن تتحول "مجرد النية" إلى أمر واقع، أعلنت عن تشكيل "جبهة معارضة" تم فعاليات حزبية عديدة لترشح بوتفليقة لعهدة إنتخابية رابعة، بقيادة أحمد بن بيتور، رئيس الحكومة الأسبق. وقد دعا بن بيتور في تصريحات إعلامية كل القوى المدنية والسياسية والمرشحين المحتملين للرئاسيات إلى الوقوف في وجه ترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة، وتكريس ما سماه "اللاءات الأربعة"؛ لا لعهدة رابعة، لا لتمديد العهدة، لا لتعديل الدستور، لا للتلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وعلى الجهة المقابلة، نخوض أحزاب وشخصيات الموالاة حملة انتخابية مسبقة لحشد التأييد الشعبيى الذي يريده بوتفليقة كشرط لإعادة ترشحه، حسب أحد مستشاريه، ويقود هذه الحملة الميدانية قائدا حزبين وعضوين في حكومة بوتفليقة، هما عمر غول وزير الأشغال العمومية، رئيس حزب "تجمع أمل الجزائر"، المنشق عن حركة"حمس"الإسلامية المعتدلة، وعمارة بن يونس وزير البيئة ورئيس "الحركة الشعبية الجزائرية"، المنشق أيضا عن "حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"ذو التوجه الأمازيغي، بالإضافة إلى الحملة الشرسة التي تقوم بها اللويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال ضد أحد أبرز المرشحين لانتخابات 2014 أحمد بن بيتور، واتهامه بـ"العمالة لصالح أجندات أجنبية"، مؤيدة في ذلك الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة على رأس الجزائر.
الخوف من الحساب
ويرى الاعلامي مروان الوناس بأن الرئيس بوتفليقة يرغب فعلا في فترة رئاسية رابعة، رغم ظروفه الصحية المتدهورة وتسييره شؤون الدولة بالوكالة، ويضف الوناس لـDW "الرجل يعتقد بأنه أصبح زعيما وطنيا بعد 14 سنة في الحكم متفوقا على الرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد، لكن كعادته هو دوما يؤخر الإعلان عن القرارات الهامة والحاسمة إلى اللحظات الأخيرة حتى تنضج المعطيات السياسية وتخرج كل الآراء والمواقف إلى العلن":
ويعتقد الوناس أن محيط الرئيس هو الأكثر رغبة في استمرار الرئيس الحالي بشكل أو بآخر ، لأن هناك مصالح تشكلت، و"ذهاب بوتفليقة معناه النهاية، وبداية تصفية الحساب معها من طرف الادارة الجديدة".
ويستنتج الاعلامي والمحلل السياسي مروان الوناس بأن إعلان ترشح بوتفليقة يعني أن الانتخابات حسمت لصالحه، وأن الصفقة حينها تكون قد تمت مع أصحاب القرار، ولا مجال بعدها لأي كان أن يطمع في منافسته على كرسي رئيس الجمهورية، وحتى جبهة الرفض التي تشكلت ليس بمقدورها عمل الكثير، لذلك هي تضغط من البدء لعدم ترشح الرئيس.
صانعو الملوك
فيما يرى محمد بوضياف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مسيلة، أن الحسم هذه المرة صعب جدا، لأن "شعبية الرئيس متآكلة جدا"، كما أن صناع القرار ليسوا نسقا واحدا منسجما، "فجهاز المخابرات لا يرغب في بوتفليقة تماما، وأصبح يشكل عبئا عليهم، وفريق الرئيس من جهة أخرى، ومنهم قيادة الاركان والكثير من الضباط الكبار يرغبون في استمرار الرئيس سواء عبر شخصه من خلال تمديد العهدة الرئاسية او حتى عهدة رابعة، أو من خلال صناعة بديل من زمرة الرئيس".
لكن الوناس يعتقد بأن الخلاف بين من يوصفون بـ "صناع الرؤوساء في الجزائر" سوف يحسم لأحد الأطراف فالتجربة التاريخية، وارتباط النظام بالجيش وتداخلهما حد الذوبان يجعل "من المستحيل تصور أن تحسم الانتخابات المقبلة دون رأي وموافقة من الجيش قبل الشعب".
وفي غضون ذلك تظل معادلة اختيار رئيس جديد للجزائر، رهن تجاذبات كثيرة أقلها بين أجنحة الحكم وخصوصا المؤسسة العسكرية، ومبادرات القوى المعارضة التي لا تبدو موحدة حول خيار معين، وانتظارات الشارع الجزائري لإصلاحات مؤجلة ويكتفي الساسة برفع الشعارات والوعود بها في كل موعد انتخابي.