دمشق في المنفى – معهد غوته السوري في برلين
٢٨ أكتوبر ٢٠١٦يتميز شارع روزا لوكسمبورغ في برلين بحانات أنيقة وواجهات عمارات تاريخية سكنية تم ترميمها. ليس هناك ما يشير إلى تلك الصورة الحزينة للشارع التي تذكر بعهد ألمانيا الشرقية السابقة. ومن المفاجأة أن يصبح هذا المكان بالضبط نقطة التقاء بين الثقافتين السورية والألمانية. إنه محل صغير جدا بالعمارة رقم 25 وقد كتب على بابه "معهد غوته بدمشق في المنفى".
"شكل معهد غوته انطلاقتي في التعرف على الثقافة الألمانية" تقول الفنانة المسرحية رانيا المليحي. ففي معهد غوتة بالعاصمة السورية دمشق درست السيدة دويتش، وهناك التقت بفنانين وشاهدت أفلام واستعارت الكتب. "احترام الوقت، كل شيء واضح وبشكل مباشر سواء تعلق الأمر بالتاريخ والأدب أو الفن أو حتى طبيعة الملابس. إن كل ذلك يعبر عن صورة للثقافة الألمانية". ثم إنها تبتسم قائلة " أنا مغرمة بألمانيا."
مساهمات اللاجئين
رانيا المليحي التي تبلغ من العمر 33 عاما، كانت تعمل في المسرح الوطني السوري في دمشق في قطاعات التأليف المسرحي والإخراج والإنتاج. وتدير حاليا مشروعا مسرحيا في ميونيخ للفنانين السوريين اللاجئين. وقد عرض هؤلاء أخيرا مسرحية درامية عن اللاجئين للكاتبة إلفريدي يلينيكس بعنوان "المحميون". وتوضح المليحي أنها هي الأخرى جاءت إلى ألمانيا ومعها كل ما تعرفه عن وطنها.
المهندسة المعمارية السيدة زويا مسعود أصبحت معروفة في برلين منذ أن عملت مرشدة للاجئين في المتاحف. ولها صور مع العديد من الوزراء والشخصيات وقد وجد مشروعها تحت اسم "ملتقى "اهتماما إعلاميا ملحوظا. أن يكون الإنسان لاجئا فإن ذلك لا يشكل دمغة أو وصمة عار"، تقول زويا مسعود، "إنهم أناس بخلفيات عديدة وتجارب شخصية مختلفة". فهم ليسوا لاجئين فقط، بل إنهم يحملون معهم أشياء تشكل إثراء للمجتمع الألماني وبالتالي فهي عملية مربحة للجانبين".
أمسية الافتتاح
التبادل الثقافي هي المهمة التي يركز عليها معهد غوته. "الأمر يتعلق بالحوار بين الفنانين السوريين والفنانين الألمان" كما يؤكد مدير المعهد يوهانيس إيبر. الفصل بين الداخل والخارج في العمل الثقافي الدولي أصبح أمرا أكثر تعقيدا. عند الافتتاح ألقى إيبر كلمته هناك باللغة العربية، حيث إنه كان قد درس الأبحاث الإسلامية بعد أن قضى عاما في دمشق، كما أصبح في وقت لاحق مديرا لمعهد غوته في القاهرة. وقد وجب إغلاق معهد غوته في دمشق عام 2012 بسبب الحرب الأهلية، حيث لم يعد العاملون يشعرون بالأمان هناك.
بعد أربعة أعوام على إغلاق المعهد في دمشق تقلص حجمه الآن ليصبح محلا صغيرا في وسط برلين. في النهار يتوافد الزائرون عليه، غير أنهم يستغربون من حجمه الصغير وتسميته: "معهد غوته بدمشق في المنفى. التأثيث البسيط للمحل يقتصر على رف وضعت عليها كتب مصورة باللغة العربية، وهناك منضدة ومنصة صغيرة ومكبر صوت وميكروفون. ولكن الشيء الأهم هنا - على خلاف الوضع في سوريا – أنه ليس هناك مراقبة على ما يقدم من برامج من وزارة الثقافة، حيث تتم المناقشات والقراءات بدون تعثر ويمكن مشاهدة الأفلام على اللوحة القماشية الكبيرة بدون مراقبة.
مازالت هناك حياة ثقافية في سوريا
السيدة ديانا الجرودي فخورة بعرض فلمين اثنين لها "دمشق في المنفى" والإنتاج السوري - الألماني المشترك " عودة إلى حمص". ويتناول الفيلم كيف انزلق صديقان للمعارضة المسلحة ضد الرئيس بشار الأسد. وقد حصل هذا الفيلم في مهرجان ساندينس في الولايات المتحدة عام 2014 على الجائزة الكبرى. الجارودي تعيش في برلين منذ ثلاثة أعوام. وهي إحدى مؤسسات مهرجان Dox Box الوثائقي في دمشق عام 2007 . " وجب الهرب حيث تصاعدت وتيرة الحرب الأهلية هناك باستمرار" كما تشرح السينمائية الجرودي. ويمكنا العمل في ألمانيا إلى حين إمكانية العودة إلى الوطن".
وتؤكد مورييل أسيبورغ خبيرة الشرق الأوسط لدى مؤسسة العلوم والسياسة في برلين على "وجود حياة ثقافية نشطة في سوريا" وتضيف: "لازالت هذه الحياة الثقافية قائمة داخل البلاد وبشكل جزئي في المنفى". هناك حقا تدمير لسوريا ولكن ليس للثقافة. "الثورة أيضا أطلقت العنان للإبداع"، مثلا مسرح الكراكيز الساخر بالسياسة والرئيس "مصاصة مته"، أو الملصقات الإبداعية خلال المظاهرات. لازال ذلك حيا" كما تضيف الخبيرة ملاحظة أن الثقافة ليست "طريقا باتجاه واحد فقط."
مثل رانيا المليحي، الناشطة في القطاع المسرحي، فإن الباحثة في الدراسات السياسية أسيبورغ مسرورة جدا بمشروع "دمشق في المنفى" وهي تؤكد أن الأمر لا يتعلق بموضوع الاندماج فقط بل بالتبادل الثقافي، مشيرة إلى أننا " في حاجة إلى جسر يخطو عليه كل فرد بخطوة إلى الأمام لتكون النتيجة عند اللقاء عبارة عن تجربة حية بين هؤلاء الأفراد.
شتيفان ديغه/ عبد الحي العلمي