دعم إيران المفترض لروسيا.. هل يقلب الحسابات مع الغرب؟
٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢في تصريح نادر للغاية اعترف القائد الجديد للقوات الروسية في أوكرانيا بالضغوط التي تتعرض لها قواته جراء الهجمات الأوكرانية التي تهدف لاستعادة المناطق الجنوبية والشرقية التي أعلنت موسكو ضمها قبل أسابيع بشكل مخالف للقانون الدولي، في الوقت الذي بدأت فيه عمليات "نزوح منظم وتدريجي" للمدنيين من أربع بلدات على نهر دنيبرو".
تغيير تكتيكي في مسار المعركة
قبلها أيضاً خسرت روسيا عدة مناطق كانت قد احتلها وقالت إنها "حررتها" من سيطرة الجيش الأوكراني الذي عاد لاحقاً واستعادها مكبداً الجيش الروسي خسائر ضخمة.
لكن وبعد أيام من تلقيها ضربة موجعة تمثلت في قصف جسر كيرتش الرابط بينها وبين شبه جزيرة القرم، شنت روسيا العديد من الضربات في العمق الأوكراني وصلت إلى قلب العاصمة كييف وطالت أهدافاً حيوية، وهي العمليات التي قالت روسيا إنها رد انتقامي على قصف الجسر.
وخرج مسؤولون عسكريون روس ليؤكدوا في أكثر من مناسبة أن الضربات الأخيرة حققت جميع أهدافها، ليفتح الباب أمام تساؤلات عدة عن الأسباب التي أوقفت تقدم القوات الأوكرانية على الأرض أو أبطأته بعد سلسلة من الإنجازات الأخيرة.
و اعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن "الضربات الروسية الأخيرة تسلط الضوء على التهديد الذي تشكله الطائرات دون طيار إيرانية الصنع، التي نشرتها موسكو على نطاق أوسع في ساحة المعركة مع خسارة قواتها أراض أمام القوات الأوكرانية".
وفيما أتهمت أوكرانيا بتزويد روسيا بطائرات مسيرة، قال الاتحاد الأوروبي إنه جمع "أدلة كافية" تشير إلى تزويد طهران روسيا بطائرات مسيّرة فتاكة لاستخدامها في أوكرانيا.
ويرى محللون عسكريون أن الطائرات المسيرة لعبت دوراً مهماً في إحداث الفارق لصالح روسيا في الأيام القليلة الماضية، وهنا اتجهت الأنظار إلى هذا النوع من الطائرات التي تنتجها إيران وسط تقارير عن تزويد طهران موسكو بها.
يذكر أن طهران تنفي تزويد موسكو بطائرات مسيرة، فيما أكد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكو أن "لا معلومات لديه" حول استخدام الجيش الروسي طائرات مسيرة إيرانية الصنع في أوكرانيا. وأضاف أنه "يتم استخدام التكنولوجيا الروسية، تحت أسماء روسية".
لماذا يمكن لإيران أن تتورط في الحرب؟
يرى الدكتور محمد محسن أبو النور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية من القاهرة أن تسليم إيران طائرات مسيرة لروسيا جاء بسبب اعتبارات متعددة، الأول هو أن "هناك اتفاقية بين إيران وروسيا بخصوص التعاون العسكري والاستراتيجي، كما أن روسيا أمدت إيران سابقاً بتكنولوجيا عسكرية متقدمة في مجال الطائرات، إلا أن إيران تحتاج الآن إلى أن ترد المعروف الروسي وتم ذلك عن طريق الطائرات المسيرة الإيرانية"، بحسب ما قال لـ DW خلال اتصال هاتفي.
وأضاف أبو النور أن الأمر الثاني هو أن "روسيا هي الدولة الرابعة في مصفوفة الأمن التسليحي الإيراني وهي ضمن دول فنزويلا وطاجيكستان وإثيوبيا".
أما الأمر الثالث هو احتياج طهران لمزيد من العملة الصعبة "بحكم أن الموازنات الإيرانية متضررة للغاية جراء العقوبات، رغم أنها بذلك تخالف القرار 2231 الصادر عام 2015 والمتعلق بحظر استيراد او تصدير الأسلحة من وإلى إيران".
سلاح استراتيجي
وتناولت صحيفة التايمز البريطانية هذا الموضوع، مشيرة إلى أن طائرة "كاميكازي" التي تعرف في إيران باسم شاهد-136، "ظهرت لأول مرة في الحرب الروسية الأوكرانية حول خاركيف الشهر الماضي".
ويشير لفظ "كاميكازي" إلى الطيارين الانتحاريين اليابانيين في الحرب العالمية الثانية الذين كانوا يستهدفون السفن العسكرية الأمريكية ويفجرون أنفسهم فيها بطائراتهم، وهو ما تفعله المسيرات الإيرانية التي تنطلق نحو هدفها قبل أن تتجه بسرعة شديدة وتنفجر بما تحمله من متفجرات عند ارتطامها بالهدف.
وعلى الرغم من وصفها بأنها طائرات كاميكازي بلا طيار، إلا أنه يمكن اعتبارها صواريخ كروز صغيرة ذات قدرة تدميرية محدودة نسبياً لحمولتها البالغة 50 كيلوجراماً. وبحسب صحيفة غارديان البريطانية، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن "روسيا اشترت 2400 طائرة وهو رقم يبدو هائلاً، لكن هذه الكمية تنضب بسرعة".
واعتبرت الصحيفة أن نشر هذه الطائرات هو أول استخدام واسع النطاق من قبل روسيا لسلاح أجنبي جديد في أوكرانيا، وأنه "ناتج عن الفشل النسبي للطائرات دون طيار الروسية في مواكبة القدرات التي زود بها الغرب أوكرانيا".
وأوضحت التايمز أن "كاميكازي تمنح القوات الروسية أربع مزايا؛ فهي صغيرة ويصعب رؤيتها على الرادار، ويمكن إطلاقها من مسافة بعيدة، وتحلق على ارتفاع منخفض، وبالتالي يصعب اكتشافها، ومع رأس حربي متفجر يبلغ وزنه حوالي 40 كيلوغراما، فإنها توجه ضربة كبيرة".
أضافت الصحيفة أنه "ومع ذلك، فهي ليست أسلحة متطورة. فليس هناك أنظمة دقيقة التوجيه على متنها. ويعتقد أن لديها فقط نظام ملاحة بدائي عبر الأقمار الصناعية"، وذكرت الصحيفة أن "شاهد 136 لديها القدرة على الطيران فوق الهدف، لكن يمكنها فقط إصابة الأشياء الثابتة".
ويقول الخبير المصري في الشؤون الإيرانية إن طهران تمتلك ثلاثة أنواع من الطائرات المسيرة:
- النوع الأول هو شاهد وله طرازان: الأول 123 والثاني 129 وهو الأهم لقدرته على القيام بعمليات تكتيكية وتجسسية وحمل رؤوس حربية وقنابل
- النوع الثاني هو أبابيل 3 وله أغراض متعددة وكلفته الاقتصادية غير مرتفعة
- النوع الثالث هو مهاجر 6 وهو النوع الذي تعطيه إيران بكثافة لشركائها العسكريين وهو النوع الذي منح ابي أحمد تفوقاً نوعياً في حربه ضد التيغراي وهو أيضاً النوع الذي بحوزة الحوثيين في اليمن.
ويرى أبو النور أن "إيران منحت روسيا كل الأنواع لتضمن لها تفوقاً عسكرياً على الاراضي الأوكرانية، كما أن الطائرات المسيرة تمثل إحدى أدوات النفوذ الإيرانية الدولية خصوصاً عند التفاوض مع الأطراف المختلفة إقليمياً ودولياً".
الطائرات المسيرة.. ومفاوضات النووي الإيراني
لكن كيف يمكن أن يؤثر التدخل الإيراني في الحرب الروسية – الأوكرانية على مفاوضات الملف النووي الإيراني؟ وهل يمكن أن يكون الاتفاق النووي مع إيران أكثر أهمية بما يدفع الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية لغض الطرف عن الدعم الإيراني العسكري لروسيا؟
في هذا السياق، يستبعد الدكتور محمد محسن أبو النور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية أن تقوم إيران بإمداد روسيا بصواريخ أرض - أرض (وهو ما أشارت إليه تقارير إعلامية نشرت قبل أيام)، مرجحاً أن يكون هذا الحديث من جانب مسؤولين إيرانيين مقصودا تماماً "لتكون هذه الصفقة التخيلية وغير القابلة للتطبيق أداة ضغط على اللاعبين الأوروبي والأمريكي فيما يتعلق بمفاوضات الملف النووي الإيراني".
وأضاف ابو النور: "اعتقد أن الدعم الإيراني لروسيا يخدم الاتفاق النووي ويعجل نظرياً من الحاجة الغربية لمثل هذا الاتفاق. وأرى أن عدم التوصل لاتفاق بشأن النووي الإيراني في الوقت الحالي يخدم الروس في المقام الأول".
ويوضح الخبير المصري في الشؤون الإيرانية فيقول "إن عدم إنهاء الاتفاق النووي يضمن أولاً ألا تدخل إيران محل روسيا في السوق الدولية للبترول وألا تستأثر بالحصة السوقية البترولية الروسية بعد العقوبات الدولية على موسكو، كما يضمن أن يكون لإيران موقفاً مؤيداً لروسيا في مجموعة اوبك+، ويضمن أيضاً أن تواصل إيران إمداد روسيا بالسلاح، وهو أمر قد يكون محل شك كبير مستقبلاً إن تم التوصل لاتفاق بشأن النووي الإيراني".
وأضاف أبو النور أنه "من المؤكد أن هذا الاتفاق إن تم فسيحتوي على أمور استراتيجية غير نووية وتتعلق بمشاركة إيران للمجتمع الدولي في حفظ الأمن والسلم، ولا نستبعد أن يكون منها أن تلتزم إيران بعدم التعاون العسكري مع الروس أو الصينين مثلاً، وهناك سابقة لمثل هذا الأمر في مسودات غير معلنة في اتفاق 2015 كشفت عنها نيويورك تايمز بعدها بعام تقريباً".
أي تأثيرات على الأوضاع الداخلية؟
جاء التدخل الإيراني بالدعم العسكري لروسيا في خضم مظاهرات تشهدها البلاد على إثر وفاة الشابة جينا مهسا أميني في قبضة السلطات، وتصاعد الغضب تجاه القيود المفروضة على النساء والعنف المتصاعد من قبل قوات الأمن الإيرانية تجاه المتظاهرين.
وهنا يبرز السؤال: لماذا تقدم إيران على الدخول في معركة ضخمة تكون فيها طرف رئيسي ولديها داخل متوتر بشدة قد يكون في انتظار مزيد من الضغط على النظام من الخارج ليضغط هو أيضاً من الداخل؟ فهل هي مقامرة أم مغامرة محسوبة العواقب من جانب النظام الإيراني؟
يرى الدكتور محمد محسن أبو النور أن الداخل الإيراني ليس مشتعلاً بهذا الشكل الذي قد يقلق النظام، وأن ما يحدث "هو مظاهرات متفرقة في بعض الجامعات والشوارع، كما أن المظاهرات في طهران نفسها انتهت منذ نحو 10 أيام".
ودلل أبو النور على أن الأمر ليس بهذه الصورة الحرجة بأن الحرس الثوري حتى هذه اللحظة لم ينزل إلى الشوارع رغم اندلاع المظاهرات منذ 16 سبتمبر/أيلول أي منذ أكثر من شهر، ولو أن هذه الاحتجاجات ضخمة وتشكل خطراً جسيماً لما انتظر الحرس الثوري كل هذا الوقت وكنا سنجده في الشارع يقمع تلك الاحتجاجات".
ويقول الخبير في الشؤون الإيرانية إن "التقدير الإيراني للأحداث الداخلية هي أنها مظاهرات محدودة وغير مؤيدة اجتماعياً، خاصة وأن هناك من يراها ضد القيم الشرقية والدينية، بالتالي ليس لها ظهير شعبي قوي إلا ما يتعلق ببعض طلاب الجامعات في بعض المناطق الراقية".
وأضاف أن الأمر الآخر هو أنه "حتى لو كانت المظاهرات مشتعلة فقد عودنا النظام الإيراني أنه يمكنه فتح أكثر من جبهة في وقت واحد والقتال عليها جميعاً بضراوة والدليل أنه في وقت اندلاع أكثر المظاهرات حدة عامي 2017 و 2018 - وكانت أضخم مما يحدث اليوم عشرات المرات - واصل النظام الإيراني دعم الحوثيين وواجه إسرائيل في سوريا، بل إنه قام باستهداف قواعد أمريكية في العراق بشكل مباشر واعترف بذلك في يناير 2020 رداً على اغتيال قاسم سليماني".
عماد حسن