خبير: التوتر بين تركيا واليونان قد يتطور إلي مواجهة عسكرية
٢٩ أغسطس ٢٠٢٠DW: خلال العقود القليلة الماضية كانت هناك توترات بين الخصمين اللدودين اليونان وتركيا. ما الذي يميز التوتر بين هذين البلدين هذه المرة؟ وما سبب التصعيد الحالي؟
لازاروس ميليوبولوس: الصراع التركي اليوناني التقليدي حول ترسيم المجال الجوي والمياه الإقليمية في بحر إيجة تفاقم حالياً بسبب ظهور عدة عوامل جديدة: أولاً، عامل اقتصادي متمثل في وجود احتياطيات من الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط ومسألة التنقيب واستغلال هذه الثورة. العامل الثاني مرتبط بصراع جيوسياسي أصبح الآن أكثر حدة نسبياً، وتشارك فيه العديد من القوى الكبرى والإقليمية التي تحدد مناطق النفوذ في البحر الأبيض المتوسط. على رأسها دول البحر الأبيض المتوسط ، بالإضافة إلى اليونان وتركيا وكذلك كل من فرنسا وإيطاليا ومصر وإسرائيل وليبيا المنقسمة. فضلاً عن قوى أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وفي هذا السياق، صدرت مذكرة تفاهم تركية ليبية تم فيها تدويل إشكالية المناطق البحرية الُمعترف بها في الجزر اليونانية، وردت أثينا باتفاق مصري يوناني.
تركيا أصبحت أكثر استقلالية من الناحية الجيوسياسية أيضاً.في واقع الأمر لا تهيمن أنقرة حالياً على نصف قبرص فحسب، وإنما تقوم الآن أيضاً بتدخلات عسكرية في شمال سوريا وليبيا وشمال العراق. ما يزيد الطين بلة والأمر تعقيداً هو الابتزاز السياسي والعوامل الأيديولوجية واللغة العدوانية لحكومة أردوغان. حكومة حزب العدالة والتنمية أصبحت الآن تمثل مزيجاً ساماً من "العثمانية الجديدة"، الاستبداد، الإسلاموية، معاداة السامية، الشعبوية، العسكرة، القومية ومعاداة الصهيونية.على الرغم من التوترات التي تشوبها، فإن العلاقات التركية الروسية في مرحلتها الحالية توفر لروسيا العديد من الفرص من أجل التأثير والاستفادة من الوضع من الصراع الحالي بين البلدين، ما يضع الاتحاد الأوروبي أمام خيارات أكثر صعوبة. الصراع التركي اليوناني القديم، وقد تحول اليوم إلى صراع "دولي" و "أيديولوجي"، واكتسب أهمية جيوسياسية.
برأيك، هل يمكن أن يتطور هذا التوتر إلى صراع عسكري بين الدولتين العضوين في الناتو؟
هذا يعتمد بشكل أساسي على الحكومة التركية. على الرغم من كل الإيماءات التهديدية و الخطاب العدواني وسياسة الزوارق الحربية الشرسة، أظن أن حكومة حزب العدالة والتنمية في النهاية لا تسعى بشكل جدي للدخول في صراع عسكري من منطلق المصلحة. اليونان، من جانبها، جاهزة عسكريا للتحرك ضد تركيا. ولا يمكن استبعاد أن وقوع خطأ أو حادث كبير عبر اصطدام سفينة أو إسقاط طائرة أو تبادل لإطلاق النار في أعالي البحار، يمكن أن يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل التي قد تتطور بدورها إلى صراع عسكري. قد يحدث ذلك بسرعة كبيرة وقد لا يمكن التحكم فيه إلا بصعوبة كبيرة. غير أن الصراع العسكري لن يقتصر على اليونان وتركيا فقط ويصعب تصور أن هذا الصراع يصب في مصلحة أحد الفاعلين الدوليين المعنيين فقط، ولا حتى في مصلحة روسيا، في حالة اعتبار أنها الدولة المستفيدة من الوضع الحالي.
ألمانيا تحاول حاليا التوسط لحل هذا الصراع، فهل يمكن أن تكون برلين وسيطًاً محايداً بالفعل؟
ألمانيا ليست من الدول المؤثرة بشكل مباشر على سياسة البحر الأبيض المتوسط، غير أن هناك أسباب عديدة لها علاقة بالسياسة الداخلية والخارجية، لا تجعل من ألمانيا مجرد متفرج مستقل. ألمانيا نفسها لديها عدة صراعات، بعضها خطير في بعض الحالات، مع تركيا.فقد قامت الحكومة التركية مؤخراً عدة مرات باستفزاز ألمانيا، ابتزازها و تهديدها. في الوقت نفسه، وهو ما يعد أمراً متناقضاً، تواصل ألمانيا تصدير الأسلحة إلى تركيا على نطاق واسع. قد تميل برلين إلى دمج مصالحها الخاصة، مثل سياسة الهجرة ، في طاولة المفاوضات إذا حاولت تركيا ممارسة الضغط هنا و سيكون ذلك على حساب اليونان. هذا أدى إلى تكون شكوك مفهومة لدى جزء كبير من الرأي العام داخل اليونان حول دور ألمانيا كوسيط يُفترض أنه وسيط مناسب، خاصة وأن العلاقة الألمانية اليونانية لم تتأثر بشكل تام بسبب مطالبات أثينا المتكررة بالحصول على تعويضات مالية من ألمانيا. من ناحية أخرى، و بصفتها عضواً في الاتحاد الأوروبي، فإن ألمانيا تقف إلى جانب اليونان، حيث أن وحدة أراضي الاتحاد الأوروبي وتعزيز القانون الدولي تصب في مصلحة ألمانيا الداخلية، لذلك لا يبدو دورها محايداً، ولكنه بالأحرى متشابك ومعقد للغاية.
هل ستلعب برلين دوراً أكثر فعالية و تدافع عن مصالح اليونان العضو في الاتحاد الأوروبي بشكل واضح، كما يحاول ذلك الرئيس الفرنسي ماكرون حالياً؟
طالما واصل الجانب التركي عمليات التنقيب في المنطقة المتنازع عليها، كما سبق أن جرى أو أعلن عن ذلك علاوة على تنفيذ مناورات عسكرية هناك و تجاهل القانون البحري الدولي من خلال سياسة الزوارق الحربية الشرسة، فسيكون ذلك الدور مطلوباً ومفيداً في هذا الحالة. بالطبع، هذا لا يعني أن على ألمانيا إرسال سفن أو طائرات مثل فرنسا، أو مشاركة إيطاليا وفرنسا وقبرص مناورات جوية. برلين يمكنها دعم المواقف الفرنسية الواضحة، وكذلك الإيطالية والنمساوية، دبلوماسياً واقتصادياً، بقوة ووضوح أكثر من ذي قبل. لكن برلين لا تفعل ذلك في الوقت الحالي لأن المستشارة أنغيلا ميركل ووزير الخارجية هايكو ماس يريدان التوسط في البداية، كما يبدو أنهما يعتبران الاتفاق المبرم مؤخراً بين اليونان ومصر، أو على الأقل التوقيت، الذي جاء فيه خاطئاً، كما أن ميركل أولت أهمية أقل لليونان في مفاوضات ليبيا مما ادعته أثينا.
ما هو السيناريو المحتمل عما قد يسفر عنه الحوار الذي تهدف إليه ألمانيا؟
سنرى ما إن كانت استراتيجية وساطة برلين ستؤتي ثمارها في النهاية. إن لم يكن الأمر كذلك، فقد تتبنى ألمانيا موقفاً أكثر صرامة في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اليوم الجمعة في برلين. لن يكون من السهل بعد ذلك تجاهل مطالب إنهاء مفاوضات الانضمام مع الاتحاد الأوروبي وفرض المزيد من العقوبات ضد تركيا المتأزمة اقتصادياً، إلى أقصى حد يصل حتى إلى تعليق الاتحاد الجمركي (الجزئي فقط) أو حتى إجراءات الحظر. في حال أثمرت جهود برلين في الوساطة، فقد يبدو السيناريو على النحو التالي: ستوقف الحكومة التركية عمليات التنقيب العسكرية التي بدأتها. في المقابل، قد تصبح مشاركة تركيا في عمليات التقيب في البحر الأبيض المتوسط موضوع مفاوضات ثنائية أو حتى متعددة الأطراف، بطريقة تُشعر تركيا بأنه يتم أخذها على محمل الجد وربما حتى اليونان ستتعاون مع تركيا وتتقاسم الدولتان الاحتياطات بالتعاون مع الشركات التركية. كما قد يتم فصل القضايا السيادية المهمة بين تركيا واليونان، خاصة فيما يتعلق بالظروف التي سيتم بها مناقشة حل هذه القضايا على طاولة المفاوضات أو في المحاكم الدولية بموجب القانون البحري الدولي، عن عمليات التنقيب عن الغاز إن لم يكن هناك خيار آخر.
د.لازاروس ميليوبولوس محاضر في معهد العلوم السياسية وعلم الاجتماع بجامعة بون.