خبير ألماني يكشف أهم الخطوات لمعرفة مرتكب هجوم دوما الكيماوي
٩ أبريل ٢٠١٨أثارت تقارير حول حصول هجوم كيميائي في مدينة دوما في الغوطة الشرقية يوم السبت الماضي (السابع من نيسان/أبريل 2018) موجة غضب دولية، وعلت نبرة تهديد الدول الغربية لدمشق بعد توجيه أصابع الاتهام إلى النظام بمسؤوليته عن الهجوم.
ونفت دمشق الاتهامات واصفة أياها بـ"الفبركات"، في حين حذرت موسكو من تدخل عسكري ضد حليفتها. وطالما شكلت قضية الهجمات بالمواد الكيميائية "خطاً أحمر" للدول الغربية، حتى أن واشنطن شنت ضربات جوية ضد قاعدة عسكرية سوريا قبل عام، رداً على هجوم أودى بحياة العشرات في شمال غرب البلاد. وفي هذا الصدد التقت DW عربية بالخبير الألماني في شأن الأسلحة الكيماوية رالف تراب*.
DW: خلال ست سنوات نفذت هجمات عديدة بأسلحة كيماوية، وتم الاتفاق على تدمير ترسانة سوريا الكيماوية ، كما تعهد الغرب بمعاقبة مستخدمي الأسلحة الكيماوية واعتبرتها عواصم غربية خطا أحمر، لكن ما زالت الهجمات الكيماوية مستمرة، لماذا؟
الدكتور رالف تراب: يجب علينا أن نرجع تاريخيا ونقول كيف بدأت الأحداث. سوريا وبعد استخدام غاز السارين في آب/أغسطس 2013 وقعت اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية. وذلك على أسس اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة نصّ على أن يتخلى الجيش السوري أو الحكومة السورية عن برنامج الأسلحة الكيماوية وأن تدمر سوريا جميع مخزونها من الأسلحة الكيماوية.
وكان هنالك شك دائم حول ما إذا كانت الحكومة السورية قد كشفت حقا عن جميع برنامجها وفيما إذا أعلنت عن جميع مخزونها من السلاح الكيماوي. ومن الواضح أن المرء في دمشق جرب فتح باب خلفي، إذا جاز التعبير، في حالة استخدام أسلحة كيماوية مرة أخرى في المستقبل أو انتاج أسلحة كيماوية جديدة بصورة ارتجالية.
ربما كانت هناك أسباب عسكرية تكتيكية لذلك، وربما كان له سبب نفسي بسبب التأثير الكبير في استخدام هذه الأسلحة على السكان. وبما كانت هناك اعتبارات استراتيجية من حيث رغبة المرء بربط روسيا بسوريا بصورة أكبر.
نددت ألمانيا باستخدام أسلحة كيماوية في مدينة دوما وقال شتيفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة "المسؤولون عن استخدام الغاز السام... يجب تحميلهم المسؤولية... ملابسات استخدام الغاز السام هذه المرة تشير إلى مسؤولية نظام الأسد". لماذا تبدو العواصم الغربية هذه المرة أكثر وثوقا بأن نظام الأسد هو من نفذ الهجوم الأخير في الغوطة الشرقية؟
لا أعرف لماذا الدول الغربية متأكدة من أن نظام الأسد هو المسؤول هذه المرة. لكننا حصلنا في السابق على نتائج لتحقيقات قامت بها على سبيل المثال منظمة "المركز الفيدرالي للأمن الوطني" البلجيكية وأيضا آلية التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة (التي تشكلت عام 2015 بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتحديد الأفراد أو الكيانات التي تقف وراء هجمات الأسلحة الكيماوية في سوريا)، والتي توقف عملها في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.
هنالك كثير من نتائج التحقيقات التي أظهرت باستمرار أن الحكومة السورية كانت مسؤولة عن استخدام الأسلحة الكيماوية في عدد من الحالات، وكذلك استخدامها غاز الأعصاب. وهنالك بعض المراجع في التاريخ القريب تدل على ذلك. وأعتقد أن الكثير له علاقة أيضا بكيفية رد السوريين ونوعا ما الروس بصورة ممنهجة على هذه التقارير، بحيث يرفضونها ببساطة ويقولون إن كل شيء فيها هو خاطئ.
أعتقد أن المرء في الغرب يملك تقييما مسبقا. وبالمناسبة هنالك عدد من العلامات أو النقاط الملموسة التي تدل على أن طائرات هليكوبتر رمت براميل مليئة بغاز الكلور. وإذا صحت هذه الأخبار فهذا يؤكد الاتجاه القائل بأن النظام السوري هو المسؤول عن الهجوم. لأن الجيش السوري وحده يملك طائرات هليكوبتر . الشيء الصعب في هذه الحالة فيما بعد هو إثبات نقاط الترابط بين طائرة الهليكوبتر والبراميل واستخدام غاز الكلور.
قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إنها تحاول تحديد ما إذا كان عشرات الأشخاص قتلوا في هجوم بالغاز خارج العاصمة السورية دمشق. وذكرت المنظمة أنها تجمع كل المعلومات المتاحة للتأكد ما إذا تم استخدام أسلحة كيماوية، كيف يتم التحقق من استخدام الأسلحة الكيماوية، وكيف تُجرى العملية؟
يستند التحقيق في المقام الأول على الوصول إلى مكان العملية. وهذا بالطبع في سوريا لا يمكن انجازه في الوقت الحالي في كثير من الحالات، بسبب القتال الجاري هناك. وموضوع الأمن يعيق هذه المسألة في الوقت الحاضر. وإذا استطاع المرء الدخول وكمجموعة متكونة من ثلاثة أشخاص فيتم تشكيل فريق تفتيش، ويتم سماع شهادات شهود العيان وضحايا العملية. ويحاول المرء التحدث مع الأطباء الذين عالجوا الضحايا لمعرفة ماذا جرى أو لإعادة رسم ماذا جرى.
وأيضا لمعرفة أية مواد ربما استخدمت في القتال، وما هي الخلفيات. ويمكن للمرء أخذ عينات بيئية أو عينات بيولوجية من الضحايا والتي يتم فحصها فيما بعد لمعرفة المواد التي ربما استعملت في القتال. وعندما يحصل المرء على عينات من الأسلحة، فأنه يتم فحصها بكل تأكيد لمعرفة مكوناتها، و مصدرها أو مركز صناعتها.
هذه مجموعة من الأسئلة التي يتم بحثها في التحقيق. لكن إذا أراد المرء التفكير بمن يتحمل مسؤولية الهجوم، فيجب عليه أن يحاول إعادة بناء السياق العسكري أثناء تنفيذ الهجوم. ويجب الاتصال بالجهات العسكرية في المنطقة ويحتاج المرء إلى الوصول إلى وثائق التخطيط العسكري لخطوط الطيران وهلم جرا. وعندئذ تكون العملية أكثر تعقيدا.
الغرب يقول إنه يريد أن يعاقب النظام السوري في حالة إثبات استخدامه الأسلحة الكيماوية. كيف يمكن للغرب معاقبة سوريا ، وكيف يمكن أن ترد روسيا في حال نفذ الغرب تهديداته بالرد عسكريا على استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام؟
لا يمكنني الإجابة على كيفية الرد على النظام السوري من قبل الغرب. لكني أريد أن أشير إلى الموقف مع روسيا وهو أحد أهم المحاور. والسؤال هو: كيف يمكن الجلوس في محادثات مع روسيا وحل مشكلة استخدام الأسلحة الكيماوية وعدم جعلها أسوأ، لأنه تم التوصل إلى اتفاق في عام 2013 مع روسيا بعد الهجوم الكيماوي في الغوطة، الذي أدى بعد ذلك إلى اتفاق الإطار مع الحكومة السورية لتدمير الأسلحة الكيماوية.
نحن نحتاج لعملية مشابهة. نحتاج لعملية لا يتم عرضها ومناقشتها أمام الرأي العام، وبعيدا عن مناقشة وجهات النظر المختلفة حول من يتحمل المسؤولية. ومن ثم رسم خط ينهي قضية استخدام الأسلحة الكيماوية. لكن هل يمكن التوصل إلى هذا الحل، بالحقيقة لا أعرف.
هل تشكل صعوبة التحقيق في مثل هذه الهجمات العائق الحقيقي أمام حسم المسؤولية عن أي هجوم.. وهل يعني ذلك أن التوصل للحقيقة صعب وأن استخدام الأسلحة الكيماوية بسوريا يظل بلا عقاب؟
هنالك كثير من التقارير الصادرة حول نتائج تحقيقات قامت بها مؤسسات دولية، ويمكن استخدام التقارير المنجزة في تحقيقات قانونية فيما بعد، ولا توجد حاليا مثل هذه التحقيقات، ولذلك يمكن للهيئات والمؤسسات الدولية والمجموعات الناشطة جمع المعلومات وتوثيقها فقط، إذا جاز التعبير. وفي حال التوصل إلى اتفاق دولي للقيام بملاحقات قانونية يمكن الاستفادة من هذه المعلومات. ولكنّ هذا يتطلب موافقة أعضاء مجلس الأمن، ومثل هذا الاتفاقغير متاح الآن .
هل يعني هذا أن الحوار مع روسيا قد يكون بداية التوصل إلى حل؟
في رأيي، أن السبيل الوحيد للتقدم لإيجاد حل لهذا الموضوع هو عبر إجراء مناقشة موضوعية مشتركة بين جميع الأطراف المعنية حول هذه المسألة مع روسيا. وإذا لم يستطع المرء التوصل إلى ذلك، عندئذ تستمر المواجهة العسكرية والسياسية. ولا أستطيع أن أرى حاليا كيف يمكن للمرء التوصل إلى حل على هذا الأساس.
*الدكتور رالف تراب خبير ألماني في مجال الأسلحة الكيماوية وعمل استشاريا في مجال مراقبة الأسلحة السامة وتقلد مناصب مهمة في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. ويعمل أيضا ومنذ عام 2006 كمستشار خاص لدى مكتب شؤون نزع السلاح التابع للأمم المتحدة، وكذلك كمستشار لدى "لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية" التابعة للأمم المتحدة.
حاوره : زمن البدري