خبير: المرأة هي الرابحة من التغييرات التاريخية في السعودية
١ مارس ٢٠١٨السيد سونس، في كتابك بعنوان "مبني على الرمل ـ العربية السعودية حليف صعب" تصف البلاد بأنها "صندوق أسود" قلما يخرج منه شيء. وما نسمعه لا يوحي بأمل كبير. هل الوضع سيء لهذه الغاية مع حقوق الإنسان أو حقوق المرأة؟
سباستيان سونس: يجب التمييز بين الانفتاح السياسي والاجتماعي في العربية السعودية. نحن نشهد بلا منازع انفتاحا اجتماعيا تستفيد منه على الأخص النساء. فوضعهن القانوني والاقتصادي والاجتماعي تحسن في السنوات الأخيرة ليس فقط تحت الملك الجديد وولي العهد. والحدث التاريخي الآن هو تعليق حظر السياقة بالنسبة إلى النساء. لكن هذا لا يلعب دورا كبيرا في العربية السعودية، لأن الأمر يتعلق أكثر بكيفية إدماج النساء بشكل أفضل في سوق العمل. والكثير منهن يمتلكن تعليما جيدا ويرغبن في المشاركة في الحياة الاقتصادية. كما أن الكثير من النساء الشابات يمارسن الضغط لتغيير العلاقات الاجتماعية. هذا يعني أن الكثير في طور التغيير، ويستفيد من ذلك النساء، لاسيما وأن ولي العهد الشاب محمد بن سلمان يمارس سياسة لصالح النساء. وفي الجانب الآخر لم يطرأ تحسن على الوضع السياسي. فوضع حقوق الإنسان ما يزال كارثيا. وعدد أحكام الإعدام والمعتقلين السياسيين تحت الملك الجديد وابنه زاد في الارتفاع. وهنا يتم التحرك بقمع كبير ضد المنتقدين، ضد المعارضة، ولاسيما ضد الأقلية الشيعية في شرق البلاد. لا يحق السقوط في الفخ والخلط بين الانفتاح الاجتماعي والسياسي.
"رؤية 2030" هو برنامج إعادة البناء الضخم لولي العهد الشاب محمد بن سلمان. فهو يريد إخراج بلاده من التبعية للنفط. ما الذي ينشده تحديدا؟
برنامج الإصلاح هذا من شأنه فعلا بناء النظام الاقتصادي من جديد برمته في العربية السعودية. ويتعلق الأمر مثلا بأن يتم التقليص من التبعية للنفط ودعم بعض القطاعات الاقتصادية الأخرى، بينها مثلا السياحة. وما لا يعرفه الكثيرون هو أن ثاني أكبر مورد تشكله السياحة الدينية من خلال ملايين الحجاج الذين يتوافدون في كل عام على مكة والمدينة. وهذا يراد استكماله بالسياحة الثقافية والترفيهية، أولا لسياح عرب وللسعوديين أيضا.
وهنا يُتوقع استثمار المليارات في مشاريع على البحر الأحمر. وسيتم إلى جانب ذلك تشييد قطاع الترفيه. وهذا ينطبق أيضا على الثقافة حيث سيتم فتح دور سينما وتقديم عروض سهرات، وفتح قاعات للأوبرا. وهذا من شأنه أن يساهم في بقاء المال داخل البلاد، وتشجيع المستثمرين على إرسال موظفيهم إلى البلاد. إضافة إلى ذلك هناك ركيزة ثالثة تتمثل في الرفع من قوة جاذبية العربية السعودية التي يُراد لها أن تصبح مركزا للتجارة ومحورا لتوظيف الاستثمارات. وهذه هي الركائز الثلاث "لرؤية 2030" الشاملة. وفي الوقت نفسه يتعلق الأمر بعمليات خصخصة وتقليص في الدعم، أي جباية ضرائب. وبالنسبة إلى العربية السعودية يشكل هذا تغيرات تاريخية تغير الهرم الاجتماعي.
محمد بن سلمان يريد إعداد المجتمع لتقبل ما تأتي به الفترة الزمنية الجديدة. ولكن هل يمكن فرض هذا التحول الثقافي من فوق؟
في العربية السعودية يتم فرض الكثير من فوق. ولكن فقط عندما تصل القناعة إلى أن المجتمع يتحمل أيضا تلك التغيرات. العربية السعودية مجتمع شاب، إذ أن 70 في المائة من السكان تقل أعمارهم عن 30 عاما. والكثير منهم درسوا في الخارج، ويريدون الآن عيش حياة جديدة وحرة ومنفتحة. وهذا ما يستجيب له ولي العهد الشاب الذي يعتبر نفسه متحدثا باسم هذا المجتمع الفتي. وإلى حد الآن يتم قبول هذه التغييرات بترحيب، بل حتى بنشوة، ولاسيما الشباب يضعون ثقتهم الكاملة في ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، ويأملون في أن لا يكسر فقط هذه البنية الاجتماعية القديمة، بل أن يمنحهم أيضا إمكانيات المشاركة الاقتصادية.
ولا يجب أن ننسى بأن العربية السعودية هي فعلا غنية بالنفط، ولكن ليس جميع الناس أغنياء. فالبطالة بين الشباب تصل إلى 30 في المائة. وهذا رقم هائل. وبالتالي فإن إحدى المهام الرئيسية "لرؤية 2030" تقليص البطالة في صفوف الشباب. وفي حال تحقيق محمد بن سلمان هذا الشيء، فإنه سيُحتفى به، وإذا ما فشل، فإن الانتقاد لشخصيته سيزداد.
ولكن ما هو موقف رجال الدين؟ هل بإمكانهم وقف التحول في البلد الإسلامي قبل أن ينطلق حقيقة؟
الأمر مرهون بقوة بأية مضامين. إلى حد الآن نسمع القليل من رجال الدين على خلاف ما يمكن توقعه. وهذا يعود كذلك لأنه في السنوات الأخيرة، بل في الحقيقة في العقود الأخيرة تحول رجال الدين داخل العربية السعودية إلى نوع من شريك صغير تقمص أكثر دور المساعد للقصر الملكي عوضا أن يكون فاعلا مستقلا. وحتى بين رجال الدين تنشأ رؤى اقتصادية، مثل أنه لم يعد بالإمكان منع النساء من العمل في الخارج، لأن الاقتصاد السعودي لم يعد يتحمل ذلك عندما نبعد طرفا هاما من السكان عن سوق العمل. وفيما يخص حظر السياقة للنساء سمعنا انتقادا أقل من رجال الدين خلافا لما كان متوقعا. لكن هناك بالطبع خطوطا حمراء يلتزم بها أيضا القصر الملكي. فالتحالف مع رجال الدين الوهابيين مازال مهما ليتعرض للكسر كليا.
إلى حد الآن باعت ألمانيا أسلحة غالية إلى العربية السعودية، ولا يوجد في الرياض إلا معهد ألماني صغير لتعلم اللغة. هل بات الوقت ناضجا لفتح معهد غوته؟
نعم الوقت بات ناضجا. وسياسة ألمانيا الثقافية تكشف منذ مدة عن اهتمام بذلك. لكن ذلك يتعذر في الغالب من الجانب السعودي. وكما هو في السابق لا يُسمح للمؤسسات السياسية بالعمل في العربية السعودية الأمر الذي يصعب العمل الثقافي الألماني. ولكن أعتقد أنه بالإمكان إطلاق مبادرات حتى بدون المعاهد الثقافية الألمانية التقليدية. فهناك مثلا مبادرات تقود مواطنين سعوديين وإيرانيين للاجتماع حول طاولة واحدة للتباحث في أوقات النزاعات. ويشارك في ذلك منظمات ألمانية غير حكومية. ونحتاج في ذلك للصبر. ولكن عندما يكون لدينا تواصل مع المجتمع المدني السعودي وليس فقط مع القصر الملكي، فيمكن فهم ما يحصل في هذه البلاد. فالعربية السعودية ببساطة مهمة لكي يتجاهلها المرء ثقافيا.
+ خبير قضايا الإسلام والمؤرخ سباستيان سونس يعمل لدى الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية في برلين.
أجرى الحوار شتيفان ديغه