خبرة وحنكة دبلوماسية.. الأمين العام الجديد للناتو مارك روته!
٢٧ يونيو ٢٠٢٤رسميا أعلن حلف شمال الأطلسي (الأربعاء 26 يونيو/حزيران 2024) في بيان تعيين الهولندي مارك روته أمينا عاما للحلف خلفا للنرويجي لينس ستولتنبرغ. وأشار الحلف إلى أن روته سيتولى منصبه في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
انسحاب سياسي قصير جدا
قبل حوالي عام، في يوليو/ تموز 2023 أعلن مارك روته انسحابه من الحياة السياسية، بعد 13 عاما من توليه رئاسة الحكومة الهولندية، وهي أطول فترة يقضيها شخص في هذا المنصب. لكن ما الذي دفعه لاتخاذ هذا القرار؟
اعتبر حزب روته الليبرالي اليميني (VVD) سياسته المتعلقة باللجوء متساهلة جدا، وانهار بعدها الائتلاف الحكومي الهش المؤلف من أربعة أحزاب، وأجريت انتخابات تشريعية جديدة فاز فيها اليميني المتطرف خيرت فيلدرز. هذا التوجه نحو اليمين، لم يستطع روته منعه. وكان ذلك أكبر هزيمة سياسية له في حياته. وفي الثاني من يوليو/ تموز 2023 تخلى عن منصبه كرئيس للوزراء بشكل نهائي، وبقي بعدها رئيس حكومة تصريف الأعمال لنحو عام تقريبا، بسبب صعوبة وتعقيد تشكيل حكومة جديدة في هولندا بعد الانتخابات.
منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نسي روته رغبته في الانسحاب من الحياة السياسية، حيث أوضح أنه يرغب في تولي منصب الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي- الناتو. ومنذ ذلك الحين قاد حملة انتخابية منفردة لدى رؤساء دول وحكومات أعضاء الناتو الذين يعرفهم جيدا من خلال المؤسسات الدولية المختلفة. وباعتباره مؤيدا بشدة للعلاقات عبر الأطلسي ولدعم أوكرانيا، تمكن مارك روته (57 عاما) من إقناع الولايات المتحدة أولا ثم أغلب الدول الأخرى الأعضاء في الحلف.
لكن لدى "عدوه اللدود" في الاتحاد الأوروبي، رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، تطلب الأمر فترة أطول حتى استطاع إقناعه. إذ كان على روته أن يعد اليميني المتطرف أوربان، بأنه لن يجبر المجر على المشاركة بأي نشاط يقوم به الحلف تجاه أوكرانيا، خارج منطقة الناتو. كما استبعد أوربان الميال لروسيا، تسليم أسلحة أيضا لأوكرانيا.
وغالبا ما تصادم الهولندي الليبرالي روته مع المجري غير الليبرالي أوربان في اجتماعات الاتحاد الأوروبي. ففي عام 2021 انتقده روته علنا بقوله: إذا كان الاتحاد الأوروبي لا يناسبه يمكنه أن يغادر. وذلك حين أصدرت حكومة أوربان قانونا مناهضا للمثلنيين في المجر.
الذهاب للمكتب بالدراجة وعزف البيانو
مارك روته الذي درس التاريخ، يتميز بمزاجه الرائق دائما وبعض أقواله السريعة. كان يقود الدراجة الهوائية في الذهاب من شقته المتواضعة في لاهاي إلى مكتبه حين كان رئيسا للوزراء. وهو عازف بيانو موهوب، وقد عزف مرة في محطة القطارات الرئيسية في لاهاي على بيانو عام.
وكأمين عام للناتو من المرجح أن يتحفظ بعض الشيء ويصبح أكثر دبلوماسية. فواجبه الرئيسي في نهاية المطاف هو تحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة للدول الـ 32 الأعضاء في الحلف، وأن يقدم الحلف للخارج بمظهر الموحد. سلفه النرويجي، ينس ستولتنبرغ، كان أستاذا بارعا في ذلك. ووصفة نجاح أمين عام الناتو تقول "التزم برسالتك".
مدير أزمات ناجح
قال مارك روته مرة في أحد خطاباته "القيادة الحقيقية تتطلب القدرة على الاستماع وفهم مختلف وجهات النظر". ويمكن أن يكون ذلك شعار قيادته للناتو. "إنه مدير ناجح خلال الأزمات" تقول عنه الصحافية الهولندية شايلا سيتالسينغ، التي كتبت السيرة الذاتية لمارك روته صاحب الرقم القياسي كرئيس للحكومة في هولندا.
وتقول شايلا في كتابها "مارك روته كان رئيس وزراء لهؤلاء الذين لم يسمحوا أبدا للحكومة بإزعاجهم، هؤلاء الذين لم يكن حظهم في الحياة سيئا فقط. بالبوصلة ورئيس وزراء بدون مرساة، كان يجب الوصول دائما إلى حل وسط. لقد استطعنا الاستمرار. لكن بدون نار أو إدانة".
الكثير من الهولنديين كانوا راضين عن الاستقرار الذي حققه مارك روته خلال الأزمة المالية وجائحة كورونا، رغم تغير أغلبية الائتلاف الحكومي في البرلمان، كما استطاع تجاوز بعض الفضائح البسيطة أيضا، ولقبه في هولندا "روته تفلون" أي الذي لا يلتصق به شيء.
يجب أن يحسن التعامل مع ترامب
إذا أعيد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ووضع حلف الناتو نصب عينيه، فإن روته مستعد لذلك. والمثير للدهشة أن علاقته مع ترامب خلال ولايته الرئاسية كانت جيدة، ووصفه ترامب بالصديق، رغم أن روته الليبرالي رئيس وزراء هولندا الدولة التجارية، عارض بشدة السياسة الاقتصادية للجمهوريين، الذين ينتمي ترامب إليهم!
كما أن روته يؤيد دعم أوكرانيا بالأسلحة على عكس ترامب، وهو نفسه حين كان رئيسا للوزراءقدم لأوكرانيا مدافع وطائرات مقاتلةمن مخزون الجيش الهولندي الذي لم يكن مجهزا ماليا بشكل جيد خلال السنوات الـ 13 لرئاسة روته الحكومة. وهذه السنة حققت هولندا لأول مرة هدف الناتو بتخصيص ميزانية دفاعية تقدر بـ 2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي.
ومنذ سنوات ينظر روته إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بريبة ورفض. وكانت روسيا مسؤولة جزئيا عن إسقاط طائرة الركاب الماليزية "ام اتش 17" فوق شرقي أوكرانيا عام 2014 والتي كانت متجهة من أمستردام إلى كوالا لامبور وعلى متنها حوالي 300 شخص معظمهم هولنديين ماتوا جميعا.
ليس صاحب رسالة
كان ينظر إلى مارك روته في الاتحاد الأوروبي على أنه "السيد لا/ Mr. No" حسب ما أفاد به أحد الدبلوماسيين الأوروبيين. وكان يرفض خطط الإصلاح الواسعة والرؤى بعيدة المدى للاتحاد الأوروبي كالتي يدعو إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ويتفاهم بشكل جيد مع المستشار الألماني الهادئ أولاف شولتس. ولكنه كان يتفاهم جيدا مع رئيس الوزراء الإيطالية المتطرفة جورجيا ميلوني أيضا، وعمل معها من أجل النظر في طلبات اللجوء خارج دول الاتحاد الأوروبي.
وتقول عنه كاتبه سيرته الذاتية الصحافية الهولندية شايلا سيتالسينغ، إنه هوديني السياسة، مثل فنان الهروب، يستطيع روته التملص من كل أزمة تقريبا. وهي ميزة يمكن أن تكون جيدة لمنصبه الجديد كأمين عام لحلف الشمال الأطلسي- الناتو.
أعده للعربية: عارف جابو